لقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالا للشك من خلال ما عاشته الجزائر من أزمات ونكبات، سواء أكانت من طرف الاحتلال أو بسبب الهزّات السياسية والاجتماعية المتعاقبة أو من خلال الكوارث الطبيعية، أنه على الجزائريين إذا ما أرادوا أن يقهروا عدوهم ويكون لهم شأن في العالم، أن يتّحدوا، فهناك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمعهم من تاريخ ودين ولغة، وأن يتواضع بعضهم لبعض وأن يقدموا المصلحة العامة على المصلحة الحزبية الضيقة أو الجهوية أو الفئوية أو حتى الخاصة، وأنه لابد في النهاية من تعايش سلمي ومن توافق حول كبريات الأمور.
آن الأوان أن يجعل الجزائريون صوب أعينهم التفكير في ميثاق يحل هذا التسيير الارتجالي والعشوائي و الحلول الظرفية، هذا الميثاق يجب أن يكون مبنيا على النظرة الثاقبة والتشخيص الدقيق للعلل التي أصابت جسم الجزائر، ولن يتأتى ذلك إلاّ بعد حوار مُعمّق مبني على الشفافية والصراحة والصدق والمسئولية، وأن تقال الحقائق كما هي مهما كانت مرّة، وأنه على الجزائريين إذا ما أرادوا الحلول الدائمة أن يصادقوا على ميثاق يدوم أربعين أو خمسين سنة لا يستطيع أحد أن يمُسّه من الرؤساء أو الوزراء أو أن يخدش فيه.
وقبل ذلك، يجب أن تطرح على مائدة النقاش جميع المواضيع الحسّاسة التي عطلت النمو وساهمت في هجرة الكثير من أبناء البلد تحت أغطية متعددة. فإن قانون الأسرة مثلا والعلمانية وحرية العقيدة وتحكيم الشرع واللّغات، وغيرها من المواضيع المتخالف حولها، يجب أن تكون ورشة تُشرّح فيها الأمراض ويلقى لها الدواء الدائم، وأن يكون هذا النقاش بوابة إلى توافق يؤدي في النهاية إلى بلورة ميثاق يعرض على الشعب للإثراء والمصادقة فيما بعد.
هذا الميثاق سيضمن السلم والطمأنينة ويعيد الأمل للمستثمرين والخواص ويفتح الأبواب للتنافس في فعل الخير ويفتح المجال أمام العقول والكفاءات ويدفع بالبلاد نحو النمو والتقدم والرقي وتنهض بذلك الجزائر نهضة شاملة على كل الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية.
نور الدين خبابة
15 سبتمبر 2009