فبعد تقويض حصننا الثقافي اللغوي، هذا التقويض، الذي أكسبنا تشويها في الواجهة، وإعاقة في الوجه، ورطانة في اللسان، وانسلابا في الفكر.
وبعد اختراق عمقنا الاجتماعي الخاص، بالسطو على قيمنا، والعدوانية على أنوثتنا، وتخنيث ذكوريتنا، وتعطيل تشريعنا، وإصابة مواطن العفة فينا، ها هي المواجهات المعلنة والمستترة، مع الغرب تتخذ ألوانا أخرى.
بعد المواجهات العسكرية، بالمدافع وطائرات “أبابيل”، ونشر الصواريخ، والرؤوس النووية، والأساطيل، ووضع الأيدي على منابع الحقول، ومصادر العقول، ها هي المواجهات الحضارية في شتى ألوانها، وبمختلف أعوانها، تزحف علينا، وعلى أكثر من صعيد، حاملة إلينا، كل أنواع الوعد والوعيد.
لقد جربت الإستراتيجية العولمية فينا كل أساليب المواجهات السياسية، باسم التحالف المضل المستغل تارة، وباسم التعاون المخل، المذل، تارة أخرى، وها هي، تجرب فينا، اليوم، حرب المواجهة الاقتصادية، تحت غطاء، زرع الشكوك، وتخلف البنوك، وضياع وقت الصكوك، ضاربة فينا كل قيم نظافة الذمة، ومعاني التعفف، ومشجعة كل أنواع الفساد، والرشاوي، والتزلف.
فبعد الدَّين والمديونية، التي كبلت رقاب شعوبنا، بالقروض والفوائد، وورطت قياداتنا، بالهدايا، والموائد، ها هو دور المواجهات الدينية، الصليبية المتجددة، بالتنصير، والاعتداء على معتقد الصغير والكبير، تريد أن تقتلع الإنسان من مَخيطه ومحيطه، وتنتزع روحه من سُحنته، وشحمته، وجلدته.
وإذن، فبعد معركة التاريخ، بمآسيه وحروبه، جاءت معركة الجغرافيا، باستخدام معادن الأرض، والدوس على بواطن العرض، ولئن تعددت الأساليب، والطرق، فسيظل الهدف واحدا، وهو شل الإرادة، والقضاء على السيادة، والتحكم في أمر القيادة.
وهل أتتكم الأخبار، يا أيها الشهداء؟ يا من ذكرتم الله واستشهدتم دفاعا عن حرمة الدار، وحرية اتخاذ القرار! لقد دار الزمن، واختلط الصاب بالمن، واشتدت علينا الخطوب والمحن، فعاد أصحاب السبت والأحد، ليقلبوا ظهر المجن، ويبلبلوا العقول بنشر المكائد والفتن.
أوهمونا، بأننا كنا نعيش الإفلاس الاقتصادي، منذ أكثر من ثلاثة عقود، والسبب تشبثنا، بالأصالة والأصول، وابتعادنا عن نظام صندوق النقد الدولي، وهو المنقد لنا من الإفلاس والخمول، والضامن لأفضل الحلول.
زعموا أن الاقتصاد الجزائري قد انهار بسبب رفضه لسياسة الأورو والدولار، وتعصبه لعملة الدينار، والاحتكار، ولم يقدم لنا، فقهاء الاقتصاد الوطني ممن يسمون “بالباترونا” أية إحصائية تدعم مطالبهم، وتثبت ـ بالأرقام ـ صحة مزاعمهم، فهل كنا، منذ عام 1976، في تخلف اقتصادي جلبته لنا عطلة الجمعة والخميس؟ وهل كنا في غيبوبة وطنية، تئن تحت وطأة اليوم التعيس؟ لطالما نبهنا، وأثرنا بأن قضية الاقتصاد الوطني، ليست قضية خميس أو جمعة أو سبت أو أحد، ولكنها قضية جدية في العمل مفقودة، وانضباط في ساعات المداومة محدودة، ورشاوي فساد، في المعاملات مشهودة، وتبذير، وسوء تسير، واختلاس بالملايير، وتساهل وتواطؤ في تطبيق قانون التنمية والتعمير.
قال لي خبير اقتصادي، مسؤول في إحدى البنوك، لقد كنا من قبل عندما كانت عطلتنا ـ الخميس والجمعة ـ نحمي اقتصادنا طيلة أربعة أيام من سرقة الشركات والبنوك الأجنبية، لأننا لا نلتقي معها إلا ثلاثة أيام في الأسبوع فقط، أما الآن، فعلى العكس مما يدعيه “أصحاب السبت” سوف نفتح الباب على مصراعيه أكثر أمام الشركات المذلة خارجيا، والأوساط المستغلة داخليا.
لقد كنا نتوقع أن يستشار في أمر تحويل العطلة، خبراء الاقتصاد، وعلماء القانون، وفقهاء التشريع، وإن لزم الأمر “المجتمع المدني” طلابا، وشبابا، ونساء، ولكن ما هالنا إلا وأن الأمر قد نزل علينا، كما ينزل القضاء والقدر، الذي لا راد لحكمه.
كما كنا نأمل، أن يأخذ المشرع القانوني شأن كل مشرع يحترم نفسه، مصالح المشرع إليهم قبل أن يقدم على سن أي قانون، لأن تحويل العطلة، تنتج عنه، ذبذبة في المواعيد المصيرية، كالعقود، والزواج، ومواعيد الحفلات، والأسفار، والعمليات الجراحية، وغيرها، وذلك لأهمية عامل الزمن في حياتنا.
أما الآن، فقد أربك التحويل الزمني مجريات حياة كل الناس، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، حتى أننا ينطبق علينا قول المرحوم نزار قباني: “أطلب أيامي التي ليس لها أيام”.
إن أخطر لص في الحياة، هو من يسرق منك زمنك… وقل لي كيف تعيش زمنك أقل لك من أنت! فالزمن هو مقياس حركة الإنسان، والزمن الحقيقي كما يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برغسن، هو الزمن الذي تعيشه بمشاعرك، وعواطفك، ومعتقداتك، لا الزمن الذي تعيشه بالساعة، واليوم، والشهر، والسنة… الخ.
إن الذين أقدموا على تغيير العطلة الأسبوعية، لم يغيروا الزمن الحقيقي، وإنما غيروا الزمن الآلي الميكانيكي، وهو العامل الذي لا قيمة له في حياة الأمم والحضارات. ليت هؤلاء بدؤوا، بالإعداد النفسي والعقلي للعامل والمواطن مع العمل، ومع الزمن، فيومها ستختفي من حياتنا هذه اللصوصية المنظمة، وهذا التسيب المبرمج، وهذه الرشاوى المقننة، والاختلاسات المتوحشة الصاعدة والنازلة. إن هذه هي الآفات الحقيقية التي تنخر هياكل الاقتصاد الوطني، والتي أدت إلى النزيف الذي يعاني منه هذا الاقتصاد.
أما الزعم بأن سبب إفلاس الاقتصاد هو يوم بعينه، أو ساعة بعينها، فتلك هي الطامة الكبرى، وهي سياسة ذر الرماد في العيون، واتباع السياسة الأشعبية كما يقول صديقنا الدكتور أحمد بن نعمان، أو سياسة النعامة كما يقول المثل الشائع.
إن السير وراء سراب الحداثة المزيفة، لا الحقيقية، وتطبيق تغيير عطلة الأسبوع باسمها، فهو إضافة إلى أنه مساس بحرية القرار الوطني، وسير مجاني في ركاب الآخر، هو مسعى لا يصب، بكل تأكيد في رصيد الاقتصاد الوطني، ذلك أن شعوبا كثيرة، في شتى أصقاع بقاع العالم، وجدت قوتها في المحافظة على شخصيتها، وهويتها، بتمييزها في أعيادها الدينية، والوطنية، وحتى العرفية، وسيندم مشرعونا، على اتخاذ القرارات بدون ترو، ودراسة كافية.
فلنعمل على تحصين أنفسنا بالقيم الثقافية الحقيقية، إذا أردنا لاقتصادنا، ولمجتمعنا، الصيانة من الانهيار، وإلا فقد صدق فينا الشاعر العراقي الثائر أحمد مطر في قوله:
يا ناس لا تصفقوا
يا ناس لا تهللوا
ووفروا الحب…. لمن يستأهل.
عبد الرزاق قسوم
29 جويلية 2009
المصدر: يومية الشروق الجزائرية
تعليقان
لكم جزيل الشٌكر يا أستاذنا المحترم على هذه الصٌيحة في وجه “أصحاب السبت”، وما الأمر كما أشرتم إليه، إلاٌ مرحلة من مراحل مخطٌطهم القديم الجديد لهذه الأمة قاطبة. أمٌا العار ـ كلٌ العار ـ فهوٌ يقع على كاهل أصحاب “الجلالات” الذٌليلة و”الفخامات” الرٌذيلة و”المعالي” الدنيئة التي سلٌطها الله علينا ـ من خلال أعداءنا ـ بما كسبت أيدينا نحن أيِضاً، كشعوب “رضوا بالحياة الدٌنيا واطمأنوا بها” فصفٌقوا لسادتهم وسكتوا عن مظالمهم وغضٌوا الطرف عن منكراتهم. ــ وحتٌى لا نخرج عن موضوعنا، فما الذي يمنع هذا الشٌعب أن يلازم بيته كلٌ يوم خميس ويتوجه إلى ممارسة عمله يوم السٌبت إن كان حقٌاً شعبا غيٌور على هوٌيته ؟
Je vous remercie beaucoup cheikh Guessoum pour cette chahada. D’abords c’est à tort que le week-end Samedi et Dimanche est appelé Universel. On devrait l’appeler plutôt week-end Judéo-chrétien. Comme d’habitude, cette mesure a été accueillie très favorablement par les milieux connus par leur hostilité à tout ce qui a un rapport avec l’Islam. Puisque il s’agit déjà d’un demi-pas. La désacralisation du Vendredi est en marche. La barrière psychologique est franchie. Il faut s’attendre à la suite avant la fin du 3eme mandat. On pourrait également à une introduction du principe de la parité dans les mandats électifs. Des amendements profonds dans la constitution pourraient ramener encore de très désagréables surprises. Il faut faire également attention aux discours des prochains 8 mars (Journée de la femme) qui pourrait contenir encore des promesses de « deslamisation » du Code de la Famille. A l’image de ce que vient de faire Cheikh Guessoum, Les Ouléma doivent se mobiliser !