لولا أن عرف الناس الإسلام من أصوله، من خلال النقاء والفطرة السليمة وقراءة أمهات الكتب، و من خلال معاملة المسلمين الحقيقيين، التي لها الأثر الكبير في النفوس، ما آمن الناس، ولكفر المسلمون أنفسهم بهذا الدين، الذي يناقض نفسه بنفسه بهذه المفاهيم العرجاء، وصدق القائل عندما قال: الحمد لله الذي عرّفني بالإسلام قبل أن أعرف المسلمين. لو فهمنا الإسلام وفسّرنا القرآن كما يفهمه الجهلة، فكيف نفهم من الآية الكريمة: “إن الله لا يستحي…” من سورة البقرة وآيات أخرى؟
إن الإسلام لم ينتشر بالسيف أبدًا، ولسنا محتاجين لأن نُقسم بخالقه لمن لا يؤمنون به، ولا لنحتج بالآيات العظام كذلك، فيكفينا الأمثلة من أرض الواقع، التي تدحض الأكاذيب والدعاوى الباطلة، ولنسأل الذين أسلموا من الأوربيين في البلاد التي لم يشملها الفتح الإسلامي، ولم يولد أبناء أوربا، والغرب بصفة عامة، ولا آسيا في محيط إسلامي.
التقيت بمسلم فرنسي أسلم مؤخرا وهو مهندس في الإعلام الآلي، فأدخلته بيتي، وقبل افتراقنا أحببت أن أستفيد من دوافع إسلامه، ففاجئني بقوله، أن أحداث سبتمبر هي سبب إسلامه. تعجبت من أمره وأحببت أن أتطلع بشغف كبير عن هذا السر، فقال لي: عند رجوعي من العمل، رأيت الحادث عبر شاشات التلفاز، فقلت في نفسي، من المستحيل أن يقدم شباب بهذه الطريقة جماعيا وينفذون هذه الخطة المحكمة والدقيقة والمعقدة لو لم يكن هناك دافع قوي يتعدى المألوف، وقد اتُهم المسلمون بالتخلف فكيف توصلوا إلى هذه الاحترافية التي فاجأت العالم وضربت أمريكا في عقر دارها مع تعدي كل الحواجز؟، وأثناء الخبر، سمعت بأن أحدهم كان يهتف بصيحات الله أكبر، لم أصدق الأمر لهول الفاجعة ولم أكذبه، لكن ما شدّ انتباهي هي كلمة الله أكبر، فقلت في نفسي، لابد أن أعرف سر هذه الكلمة التي ترددت على مسامعي أكثر من مرة، خاصة بعد كل تفجير أو عملية يلصقها الأوربيون بالمسلمين وما الهدف من ترديدها؟ ألهذا الحد تدفع كلمة الله أكبر صاحبها إلى الإقدام؟ اشتريت مصحفا وفتحته، وإذا بي أجد أنه عليّ أن أتوضأ قبل لمسه فلم أعبأ بالأمر، وأثناء القراءة تذكرت صلب المسيح عليه السلام وولادته، فقلت في نفسي، لا بد من قراءة قصته في القرآن لأقارن بما تعلمته، وبدأت أقرأ تفسير معانيه مع أن النص فرنسيا، بدأت أنساق انسياقا تلقائيا مع دقة الكلمات وبلاغتها، ما أعذبها، فكان سحر جمالها وتناسقها يدفعاني دفعاً لقراءة المزيد، وكلما قرأت كلمة أو مررت بآية أخرى حسب مترجم المعاني، وجدتها أبلغ وأدق من أختها، وكأنها تخاطبني، فقلت، محال هذا كلام بشر، وبعد انتهائي من قراءة قصة عيسى ابن مريم عليه السلام، ارتجفت وشعرت بشيء غريب يحدث بداخلي، كأنه زلزال، أسلمت دون تردد، وقد وجدت الأجوبة الشافية التي كانت محل شكوكي منذ صغري، وما ساعدني في ذلك، هو أنني كنت مسيحيا مؤمنا بوجود خالق لهذا الكون، إلا أن إيماني كان غير صاف وكان ناقصا، فمنطق القرآن ومنطق الإسلام هما وراء إسلامي، وتصحيح عقيدتي، وابتعادي كليا عن الإشراك بالله. بحثت عن مكان لأتعرف فيه عن المسلمين قصد التعرف عن الإسلام أكثر من أهله فما وجدت غير المسجد الذي وجدت به إخوة لي، لم تلدهم أمي، لكن هناك مفارقة توصلت إليها بعد مدة قصيرة وهي، أن الإسلام مُتهم بمسلميه.
نورالدين خبابه
24 نوفمبر 2008