في عهد الحزب الواحد، كانت المسيرات العفوية تنطلق من القسمات والمحافظات، التي تأتمر بقادة القطاعات العسكرية والدرك و الشرطة، فتُكتب الشعارات وترددها حناجر الأطفال الرضّع، ويشارك في التزوير الشيوخ الركّع، وتحمل الصناديق حتى البهائم الرتع . فتُمدد العهدات من خمس إلى عشر، ومن مجلس إلى آخر، بملح اليدين، ويفوز ابن العشيرة وابن الحي فتُشتري الأصوات والذمم، وتظهر النتيجة قبل الفرز، فلا إحصاء ولا تقييم.
وكما تعلمون، لقد ظل المواطن في تلك الفترة ينتظر ساعة الفرج، وهو في طوابير لها أول وليس لها آخر، حتى جاءت الاحتجاجات بعدما تلبدت السحب التي تشبه سحب الآن في الخريف، وفاضت الوديان في سنة 1988التي حملت التعددية، وأنتجت برلمانا لم يدخله نوابه، فقتل وهو في المهد. فمن الناس من قُتل ومنهم من سُجن ومنهم من مازال لاجئا في أوطان الناس إلى اليوم هذا ينتظر العودة، ومنهم من لا يعرف مصيره حيّا كان أو ميّتا.
وحُلّ الحزب الذي فاز بثقة الشعب في صناديق شهد عليها المُتهم بقتل بوضياف، العربي بلخير، أمام الملأ، وشُمّعت مقرّات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأنشئ في ليلة قدر الانتهازيين، الأرندي، وجيء بأحد رموز الثورة الذي قتل فيما بعد على الهواء وهو الراحل محمد بوضياف. كما تم ملئ البرلمان بمجلس من المُسبحين بحمد السلطة، قارئ الفاتحة فيه الذي كان نقيبا في المخابرات كما قال لي بنفسه يوما.
نحن الآن في سنة 2008 وبعد شهر ويزيد سندخل عام 2009. أُعلن عن تعديل جزئي للدستور بمصطلح رافعي الأيدي، لتمديد عمر الرئيس الذي يأتي بعد بوتفليقة حسب المحللين، واستبدل رئيس الحكومة بمصطلح جديد لكنه بقي في مكانه، وغير الوزراء مقاعدهم حول الطاولة يمينا أو شمالا، لكن لعبة الدومينو بقيت مُغلقة بلا بلا بدون لعب، وكل الخيارات بيد صاحب القرار الذي يلعب وراء الستار، غيرت بعض المواد ونسي الرئيس المادة الحقيقية التي تعلن صراحة من دون تكرار، بأنه سيتم استبدال الوزارات، والمنظمات، والأحزاب، والجمعيات، والحركات، ونواب البرلمان بغرفتيه بوزارة واحدة، ألا وهي وزارة التأييد والمساندة، وبذلك ستوفرُ الدولة على نفسها وعلى الشعب الطّحين الذي ستحتاجه عندما تقبل السنين العجاف حسب الأخصائيين، بدل الجعجعة التي وصل ضجيجها إلى غابات الأمازون، وسمع الناس المخدوعين رعودا وبرقا ظنوه أنه إعصار قادم لكنه تبين بأنها كذبة من كذبات أفريل.
نورالدين خبابه
23 نوفمبر 2008