كنت أعتقد في الوهلة الأولى أنها زلة لسان وقعت فيها، حيث أن البث عادة في نشرة الأخبار ما يكون مباشراً، إلاّ أنها أعادتها كرة أخرى، ممّا يدل بأن الأمر مُتعمّدُ، وكان على المقدمة أن تختار عبارات أخرى أكثر لباقة ولطفاً، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة، وتضع في حسبانها أن نسبة الأمية حطّمت الأرقام القياسية، فتقول مثلا، ضحايا، أو قتلى، لأن كلمة الهالك مستفزة لمشاعر المسلم، “الشهيد الغريق”، وحتى لا نُدخل أنفنا في بعض الأحكام الشرعية ،فقد تركنا الأمر لوزير شؤون الزوايا ليحدثنا عن الغريق وما حكمه شرعاً، أو الأمر لمن هو أحرص على المدنيين في الثكنة التي يوجد بها الشعب الجزائري، وأعلى مكانة منه عند الرئيس، الذي تحت فخامته هذه المرة أيضا وفي ظل العزة والكرامة التي وعد بها الناس، والتحضير للعهدة الثالثة لا سمح الله، يعيش الهالكون بتعبير الصحفية أحلك أيامهم.
لو كان الأمر في فرنسا التي يتحدث زرهوني لغتها، وهو الأبكم عن اللغة العربية التي تثقل منها شفتاه ويتعثر منها لسانه، لقامت الدنيا ولم تقعد، سواء من ناحية الإعداد، أو من ناحية تحذير المواطنين حتى لا يقعوا فريسة في مثل هذه الكوارث، ولاستقال من منصبه فوراً، أو أُقيل لإخفاقاته .
يستوردون لنا من فرنسا ما يخدمهم، لا ما يخدم الشعب. لقد رأينا الأعاصير كيف ضربت عدّة دول كبرى ومنها فرنسا في السنوات الأخيرة، وكيف كان تحسيس المواطنين، ولو حدثت تلك الأعاصير في بلداننا ما بقي رجل ولا امرأة على قيد الحياة.
وبحكم أننا نُسلّم قضاء وقدراً بما حدث أو سيحدث لاحقا لإيماننا، إلا أننا نطرح تساؤلات فهل من حقنا ذلك يا رعاة زرهوني، ويا حماة الجمهورية الديمقراطية الشعبية؟ هل يا ترى لو كانت هذه الفيضانات موجهة إلى نادي الصنوبر، أو قصر المرادية، أو قبة البرلمان، أو مجلس الأمة، أو ثكنة من الثكنات، أو حتى مفرزة من المفرزات، وأُبلغ المعنيون كما أبلغت بذلك الأرصاد الجوية الساهرين على أمن وسلامة المواطن، بحماية الهالكين بتعبير الصحفية، ولم يتحرك أي ساكن، فماذا سيكون رد فعلهم؟ هل سيهرعون ويتركون أماكنهم أم سيبقى يزيد زرهوني ومن معه في الوزارة كما هم الآن يذرفون دموع التماسيح في موائد مستديرة تحت الرعاية وتحت الفخامة ويهلكون كما هلك الإخوة في الجنوب الجزائري؟
لست أدري هل أرواح الجزائريين وصلت إلى هذا الحد من البرودة والهوان ليموتوا في صمت، انتحارا أو حرقة أو تفجيراً، أو في فيضانات كما حدث، أو قبلها في فيضان باب الوادي الشهير، أو في زلازل أخرى؟ الجواب معروف حتماً ما بقي الذئب راعيا، أو العنز الجرباء تقود القطيع.
نورالدين خبابه
5 أكتوبر 2008