آه علينا ثم آه يا رمضان، كيف التقيناك وأنت تُطلّ بإشراقتك الطيبة منذ أعوام، وكيف ترانا اليوم ونحن نتغير من حال إلى حال؟ رمضان أنت البارحة، كان بكل حرف منك معنى، لكن شهرك اليوم أصبح لكل حرف لغزٌ وحكاية، فالرّاء التي كانت رحمة ورأفة، تغير محتواها وأصبحت رشوة، والميمٌ التي كانت مغفرة في أوسطك، يتسابق الناس بها تقربا من خالقك وخالقهم ومن بعضهم بعضا، أصبحت مناكر ومخالفات ومحسوبية، فقد ازداد معدّل الجرائم، من سرقة، وزنى، وقتل وتعدي، ومحاربة لأهل الفضيلة ونشر للرّذيلة، فقد ضُيّق على أهل المعروف ووسّع على أهل الباطل، وكأننا نعيش زمن القابض على دينه والقابض على الجمر. تغير واقع الضاد التي كان يُقصد بها الضياء، كما تغير موقع النّون التي كانت نورا، فأصبح الظلام مكانهما والظّلمُ. والألف التي كان يَرمزُ بها للألفة ولَّى زمنها إلى غير رجعة، وحلّ محلّها التنازع، فالتشاحن، والحسد، والبغضاء. والتعاون على الإثم أخذ مكان التعاون على البرّ، فانقلب حال الأمة التي كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وأصبحت كأنها هي مصدر المنكر والفحشاء.
وزارة الداخلية اليوم والوزارة التي تعمل ولا يعلن عليها وهي وزارة المخابرات، اللتان من المفترض في الدول المتحضرة أنهما تشرفان على أمن وسلامة مواطنيهم، أصبحتا تشرفان على ترويض المساجد في السرّ والعلن نيابة عن أعداء الإسلام، فلا إمام من دون رضاهما ولا خطبة كذلك، وأضحى المُصلّون كأنهم خراف أو ماعز تساق من أذيالها. فأغلب المصلين غير راضين بالأئمة الذين فُرضوا عليهم فرضاً، وحتى الدعاءُ، فكأنه توقف منذ زمن ولا يُرفع فوق رأس الإمام شبراً، فبدل أن يُعيّن الأئمة لكفاءتهم، وأخلاقهم، وحفظهم، وقراءتهم، وعلمهم، وورعهم، أصبحوا يعينون لولائهم وقرابتهم. وبعدما كان المسجد يُخرج لنا شبابا ورعا خرّبوه فما أظلمهم، عندما اعتدوا عليه. ضربوا أهله بالغازات، فمنهم من قتل وهو فوق المنبر يصلي بالناس، ومنهم من قُتل وهو يغتسل، ومنهم ومنهم.
رمضان ،ها أنت ترحل ببركتك وبرحمتك وبحقيبتك المملوءة كما نزلت بها إلينا، وتعود كما جئت، محملا بالذنوب وبالخطايا، فلم يشتر سلعتك إلا القليل منا، وحتى القليل، ها هم يشتكون إلى خالقهم ويبكون، فالبارحة حسب ما وردنا من أخبار، أنه على المعتكفين في الجزائر أن يضعوا نُسخ بطاقات تعريفهم عند الوزارة التي ذكرنا، ويسجلوا أسماءهم وأن يَحْرسوا على أن لا يزعجوا النيام، وكأنّ المساجد مصدر للإزعاج بدل السكينة، يا الله! مع أنّ هذا الطلب لم تطلب به وزاراتنا أصحاب الكنيسة والملاهي الليلية في رياض الفضح، أو كلاب ديبان، ولا دول الكفر والإلحاد طلبته من المسلمين! وهذا كله لترهيب المصلين ومنعهم حتى من ذكر رحمتك، فماذا عسانا أن نفعل يا رمضان، يا الله! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، “و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه و سعى في خرابها… أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم”، صدق الله العظيم.
يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ندعوك بكل اسم هو لك، أنت الكريم المنّان، وأنت الغفور الرّحمن، أنزل علينا رحماتك في هذه الليالي الأخيرة من رمضان، ارحم ضعفنا وتولّى أمرنا، اللهم أشفي مرضانا وعافي مبتلانا، يا كريم، يارب العرش العظيم، الّلهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعتق رقابنا من النيران، اللهم كن عونا للاجئين، يا رب خفف عليهم غربتهم، يا رب كن مع المساجين المظلومين، اللهم فك سراحهم، اللهم ارحم شهداء المسلمين وكن عونا للأرامل واليتامى والثكالى والمساكين، اللهم كن مع الذين احتلت أراضيهم ورُوّعوا وهم آمنين. اللهم عليك بالظلمة الذين أخرجونا من ديارنا مكرهين آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
نورالدين خبابه
25 سبتمبر 2008
Post Views: 538
تعليق واحد
لا فض فوك…بارك الله فيك…