بسم الله الرحمن الرحيم
إن حركة الحرية والعدالة الاجتماعية في الجزائر، بصفتها فريق عمل سياسي لمواطنين سياسيين إصلاحيين، يهمهم مصلحة المجتمع ومستقبل البلاد، تقوم باستمرار بمعاينة ميدانية للوضع العام المعاش من قبل الشعب، تنشر اليوم ملخص لأول تقرير لها حول الوضع الاجتماعي السياسي الأمني في الجزائر.
حيث إن المتتبع للوضع العام في الجزائر يشهده بكل وضوح آثار سلبية لسياسة ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة" تقوم بها بعض الدوائر لضمان استمرارية قبضتها على مفاصل الحكم. سياسة خطيرة غير مسئولة أدت إلى أزمة اجتماعية عميقة أصبحت تشكل خطرا حقيقي على مستقبل البلاد وشبكة العلاقات الاجتماعية. وعليه، يستوجب على الجميع التحرك الجاد والمسؤول من أجل إيجاد إرادة سياسية وطنية لتصحيح الوضع الذي يزداد تأزما يوما بعد يوم.
الوضع الاجتماعي: "طاق على من طاق" و"الدولة غائبة"
إن الملفت للانتباه لما آل إليه الوضع الاجتماعي في بلدنا العزيز الجزائر هو الفوضى العارمة السائدة على جميع الأصعدة، إلى درجة أنه أصبحت مع الأسف الشديد من العبارات المتداولة في الشارع الجزائري اليوم هي "طاق على من طاق" و"الدولة غائبة". هكذا، تشهد الجزائر اليوم:
ـ ارتفاع كبير غير مبرر في الأسعار: ارتفاع يظهر وكأنه "مبرمج" من قبل رجال مافيا المال المؤثرين على مفاصل الحكم منذ انقلاب 11 جانفي المشؤوم، فبعض المواد الأساسية أصبحت بعيدة المنال؛
ـ احتقار مفرط للمواطن البسيط : تدني كبير وفوضى مبرمجة في الخدمات العامة:
. أسواق الخضر والفواكه منتشرة في الأرصفة والطرقات بدون رعاية أدنى نظام أو نظافة؛
. الإداريون في مؤسسات الدولة كالبلديات غير ملزمون بأوقات العمل، وغير عابئين بخدمة المواطن؛
. تفشي الغش في كل المستويات، ونهب للثروات وتفنن في الرشوة من أعلى الهرم إلى أدناه؛
. استعراض طبقة الحكام لمظاهر ثروتها الفاحشة ـ من "فيلات" ضخمة ومن سيارات فخمة، ومن حفلات جنونية إلخ… ـ التي اكتسبتها طيلة العشرية الظلماء التي مرت على شعبنا جراء جريمة 11 جانفي النكراء، في وقت ازدادت شرائح كثيرة من المجتمع فقرا مميتا؛
ـ انتشار مٌمنهج لجميع أنواع الفساد، بما فيها المخدرات، وحتى داخل المؤسسات التعليم الأساسي، والجري المفرط وراء المادة وثم المادة حتى امتزجت الذهنيات والعقليات باعتبار الفساد إصلاحا؛
ـ انتشار ظاهرة اليأس والقنوط المؤدي إلى الانتحار، أو إلى الجريمة أو إلى الهجرة غير القانونية.
ومما خلُص إليه تقرير الحركة هو أن الوضع الاجتماعي هذا مرتبط أساسا بالوضع السياسي في البلد. وعليه، فأي إصلاح لما آل إليه الوضع الاجتماعي مآله الفشل إذا تم تجاهل ما آل إليه الوضع السياسي في البلد والمتسببين فيه.
الوضع السياسي: من وراء "الفوضى الخلاقة" في الجزائر: ما يسمى بـ "التوازنات الوطنية" وهي عبارة عن لوبيات مهيمنة على صنع القرار
أما بالنسبة للوضع السياسي في جزائر اليوم، فالظاهر للعيان أن الساحة السياسية مغطاة بما أسماها رئيس الجمهورية "التوازنات الوطنية" والتي هي في الحقيقة عبارة عن أصناف من اللوبيات و أصحاب النفوذ من بعض رجال العسكر والمخابرات إلى جانب بعض أرباب المال، تعمل غالبا "ما وراء الستار"، وتبقى الأحزاب والمنظمات في الواجهة تابعة لتلك الأصناف تتخبط تحت أقدامها.
لقد ازداد نفوذ هذه الدوائر مؤخرا وبعضها متهم بالضلوع وراء "الفوضى الخلاقة". يمكن تصنيف كالآتي هذه الدوائر التي في حقيقة الأمر تفتقر إلى الشرعية الشعبية و الدستورية:
– الدوائر المسماة: les laico-assimilationnistes والتي أرغمت الجزائر على الدخول في صندوق النقد الدولي بالتواطؤ مع دوائر أخرى، وما يهم هذه الطائفة هو رفع طبقة اللائكيين التغريبيين على جميع مستويات الحكم والمال ولو كان ذلك على حساب الشعب برمته و مصالح الإستراتيجية للبلاد؛
– الدوائر المسماة: "حزب فرنسا". فلدى هذه الفئة مصالح مشتركة مع أصحاب الدائرة الأولى وتسعى خاصة لنشر اللغة الفرنسية والثقافة التي تشحنها. كما أنها تدافع بكل قواها عن الاستثمار الغربي وخاصة الفرنسي وتحارب الاستثمار العربي كما تسعى إلى قطع الصلة الاقتصادية والثقافية والتربوية مع دول الحضارة العربية و الإسلامية.
ومن الواضح أيضا أن هذين الدائرتين اللتين كانتا من وراء جريمة 11 جانفي النكراء ـ و التي يمكن وصفها بـ "جناح العلمانيين المتطرفين المحاربين للإسلام و قيمه" ـ تمكنت من تأسيس "حزب" إدارة لا يستهان به ينفذ أوامرها دون سواها ويعرقل كل المساعي الهادفة إلى تحقي توافق وطني حول سبيل تجاوز الأزمة الوطنية والشروع في إصلاحات سياسية جادة تُعيد للمواطن والشعب حريتهما وكرامتهما وللبلد عافيته واستقراره والسلم الدائم فيه.
كما أن هذه اللوبيات المسيطرة على مفاصل الحكم والمهيمنة على صنع القرار في الجزائر تمكنت من تشتيت صف التيار الداعي إلى استعادة سيادة شعبنا واستقلالية بلدنا وإلى الحفاظ ودعم الامتداد الحضاري الطبيعي للجزائر مع العالم الإسلامي، وهو التيار المتشكل أساسا من دائرتي الوطنيين والإسلاميين.
بالفعل، لقد يتم باستمرار دفع الوطنيين واللائكيين المعتدلين إلى معارك حزبية داخلية هامشية. كما همشت هذه اللوبيات مجموعة "المجاهدين" القدامى. وتم كذلك إحالة على التعاقد الكثير من الوطنيين من أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية، وما بقي منهم يعاني من هيمنة تلك اللوبيات.
أما الدوائر المنتسبة للتيار الإسلامي، لقد تم توريط بعضها إما في سداد الحكم، دون تمكينهم من السلطة الفعلية النافذة، فأصبحت منشغلة أكثر بالحفاظ على المناصب والكسب المزيد من المال، وإما في معارضة في قالب شرعية 11 جانفي الانقلابية وهي اليوم تتخبط في انقسامات تلو الأخرى، والبعض الآخر يتم تهميشها تارة وتارة أخرى يتم دفعها عند الحاجة إلى الإعلان عن رغبتها في تتشكل حزب مقبول من الدوائر الأخرى، وقد يتم لاحقا تحقيق ذلك ربما لتكملة الديكور.
ومن جهة أحرى، لقد تم انتشار مبرمج لتوجهات متضاربة تدعي الانتساب إلى ما يسمى بـ"السلفية" وهي في حقيقتها من أبعد ما يكون من السلف الصالح. فهي متعددة بين الفكر التكفيري السهل التوظيف في أعمال إجرامية، وبين الفكر الداعي إلى طاعة الحاكم ولو كان انقلب على الشرعية. وهمها الوحيد هو سلخ الدّين من محتواه الروحي العقلاني إلى مجرد آليات بلا روح ولا عقل.
الوضع الأمني: محاولات توسيع ميدان الحرب بين أمريكا وما يُسمى القاعدة إلى الجزائر
إن حركة الحرية والعدالة الاجتماعية تتابع ببالغ الأسى والحزن التفجيرات الإجرامية التي تشهدها بلدنا الجزائر والتي دوما يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء وعزل. إننا في الحركة ندين بالصوت العالي مثل هذه الأعمال الإجرامية ونعتبرها لا تمت للإسلام بصلة. كما تؤكد الحركة أنه ومهما كانت الجهة التي تقف وراء هذه الأعمال الإجرامية، فلا يمكنها أن تخدم شعبنا بقتل المواطنين الأبرياء.
إننا نتقدم مرة أخرى بخالص العزاء لجميع الضحايا وذويهم وللشعب الجزائري المغدور، ونحن في شهر رمضان المبارك نهيب بالمواطنين الوقوف إلى جانب عائلات الضحايا والمتضررين من جميع الأعمال الإجرامية التي تُرتكب في حق الشعب منذ جريمة 11 يناير النكراء، داعين المولى تبارك وتعالى أن يقبل الضحايا في الصالحين ويرفعهم إلى مقام الشهداء وأن ينعم على وطننا العزيز الأمن و الآمان.
خلص تقرير الحركة إلى أن هذه الأعمال الإجرامية إنما هي محاولات لبعض الدوائر المشار إليها أعلاه لتوسيع ميدان الحرب الدائرة بين أمريكا وما يُسمى بـ "القاعدة" ليشمل أرض بلدنا الغالي الجزائر وذلك للحفاظ على مكاسبهم الشخصية، ولو على حساب المصالح الإستراتيجية لشعبنا وأمنه. إن هذا النهج الدموي هو طريق مسدود يدل على فقدان الرشد وضلال الفهم.
إن الوضع الأمني المتدهور في بلدنا العزيز الجزائر يدفعنا في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية إلى توجيه الدعوة مرة أخرى لباقي القوى والشخصيات الوطنية لتكثيف العمل، بعيدا عن أي حسابات أو تحركات سياسوية حزبية ضيقة، من أجل وفاق وطني عريض للحد من فساد الدوائر المتسببة فيه ولترجيح "التوازنات" للوصول بمسار المصالحة الوطنية إلى نهايته الصحيحة. إن الجزائر في حاجة ماسة إلى من يسعى بكل إخلاص ونزاهة وكفاءة لتحقيق ذلك من أجل ضمان استقلاليتها والحريات الفردية والجماعية حتى يتم تفعيل إمكاناتها الكبيرة وحل أزمتها الاجتماعية الخطيرة وتصحيح مسار حركة إعادة بناء المجتمع والدولة.
في الختام، إن حركة الحرية والعدالة الاجتماعية تحذر من تزايد احتمال حدوث غليان شعبي وفلتان عام لا تحمد عقباه، إن لم يتم استدراك الأمر والعدول عن سياسة الهروب إلى الأمام والسعي بدل ذلك لإيجاد إرادة سياسية من أجل مؤتمر وطني شامل، برعاية رئاسة الجمهورية، للوصول إلى توافق وطني حول سبيل طي عادل لصفحة ما ترتب عن جريمة 11 جانفي النكراء، وجعل حد لهذه اللوبيات المهيمنة على صنع القرار، وفتح صفحة إصلاحات سياسية جادة تعيد للمواطن والشعب حريتهما الكاملة الغير المنقوصة ولدولتنا الجزائرية هيبتها ولبلدنا استقراره.
نسأل الله عز وجل أن يجعل لنا ولشعبنا الجزائري ولأمتنا المسلمة شهر رمضان المبارك شهر رحمة و مغفرة وعتق من النار، ونسأله سبحانه أن يوفقنا جميعا لطاعته والفوز برضاه.
عن حركة الحرية و العدالة الاجتماعية،
أنور نصر الدين هدام
نائب منتخب لدى البرلمان الجزائري ( ديسمبر 1991)
واشنطن، الثلاثاء 13 رمضان 1428 / 25 سبتمبر 2007