التقرير الأخير الذي أعده معهد البنك الدولي حول المؤشرات العالمية لإدارة الحكم، كشف عن قفزة نوعية حققتها بلدان أفريقية في مجال إدارة الحكم، من بين هذه الدول الأفريقية النيجر وسيراليون وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وتنزانيا ورواندا.ومما قاله دانيال كوفمان أحد معدي التقرير في البنك الدولي: «إن بعض البلدان الأكثر فقراً في أفريقيا، مصمّمة على المضي قدماً في طريق الإصلاحات، حيث تبرهن حالياً للعالم على أن من الممكن إحراز نجاحات كبيرة على صعيد تحسين إدارة الحكم على مدى فترة قصيرة نسبياً».
ما يمكن استنتاجه مما سبق ذكره أن أفريقيا دخلت عهد التفكير الجدي لدى الأمريكيين والأوروبيين، لاسيما أن أفريقيا بدأت تأخذ مسارا اقتصاديا يمكن من بيدهم الحل والعقد في أمريكا وأوروبا من الاستفادة المباشرة من هذا المسار الاقتصادي الذي -حسب البنك الدولي- في تقريره عن الحكم الراشد يدلل على أن أفريقيا لم تعد تلك القارة السوداء التي تأكلها الصراعات والحروب، أو تلك القارة الجرداء القاحلة التي لا توجد عليها حياة.
وحتى لا نظلم البنك الدولي ودعوة روبرت زولليك إلى إنشاء صندوق خاص لدعم عمليات التنمية في القارة الأفريقية، وربما ندعي زورا وبهتانا بأنها دعوة غير بريئة بالمرة حسب- نظريتي الاستعمار والاستغلال- على الرغم من أننا متيقنون من أن ما يقوم به البنك الدولي بكل فروعه هو من أجل خدمة الامبريالية الغربية، وكل ما يقال من خلال حواشي التقارير التي تصدر بين الفينة والأخرى هناك وهناك هو من قبيل الضحك على الذقون والخداع الذي ألفناه نحن أبناء العالم الثالث، لأن المتتبع للمنحى العام لهذه المؤسسة البنكية العالمية عبر عقود، يدرك أن الحرص يزيد ويكبر عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية الكبرى الغربية، لأنه من غير المنطقي بتاتا أن يكون هناك حرص كبير من قبل هذه المؤسسة المالية التي يعود إليها الفضل في تفقير دول كثيرة في العالم، وفي المقابل تحرص- وقد كان في السابق ولا تزال الدول نفسها أمريكا ودول أوروبا تعمل على نهش اللحم البشري الأفريقي- على تنمية قارة نصف شعبها يعيش الفاقة والجوع.
ما هو طبيعي جدا أن تتحول النظرة المستقبلية الأمريكية والأوروبية نحو هذه القارة- بعد أن تم إحكام القبضة على باقي القارات- التي تتمتع بثروات طبيعية قل نظيرها في العالم، من أجل السيطرة على آخر حلقة من سلسلة النفوذ.
لكن هل نلوم صراحة الجانب الأمريكي والأوروبي في ما يقومون به من أجل مصالحهم الاستراتيجية، ونعتب عليهم حرصهم البالغ على الاستفادة من الأدوات المالية التي بين أيديهم -كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي- بغية التوسع أكثر وتحقيق مآربهم المتعددة؟! إن اللوم لا يقع على من مازلنا نعتبرهم استعمارا تقليديا وحديثا في أن يبسطوا أيديهم وينهبوا ما شاءوا من ثروات القارة الأفريقية ما ظهر منها وما بطن مادامت هذه الثروات نفسها في حكم تفكير هذا الاستعمار هي مشاع لهم يأخذون منها متى شاؤوا ومادامت هذه الثروات ذاتها غير مهتم بها من قبل كثير من أصحابها.
إن اللوم الأكبر يقع على عاتق من يفتح لهذا الاستعمار التقليدي الباب على مصراعيه ليدخل هذه القارة باسم التقارير الدولية التي -أغلبها مغلوطة- لا تنم عن الحقيقة والواقعية، بقدر ما تنم عن البرغماتية والاستغلال.
التحذير اليوم مطلوب من هذا التوجه الجديد القديم باسم المساعدات وباسم النفخ في التقارير باسم الحرص على القارة الأفريقية، ومطلوب تثمين الجهود العربية الخيرة التي تسعى من أجل مد يد المساعدة للأمة الأفريقية بعيدا عن تطبيل وتزمير نسق التقارير المشبوهة وغير البريئة، وقد بدأت دولة قطر مشكورة ولوج هذا الباب عبر توجه مدروس من أجل إنقاذ المجتمع الأفريقي من براثن الجوع والعطش، ومن أجل ملء الفراغ الذي يراد لدول الاستكبار أن تملأه بمفردها.
وما قامت به قبل ثلاثة أشهر عن طريق أعمال مؤتمر دولي للمانحين لصالح النيجر هو جزء من عمل جبار ينتظر الدول العربية وكذا الأفريقية أن تستكمله بالعمل والحرص والمثابرة.
وإن كانت الأموال التي رصدتها الدول والمؤسسات المالية لصالح النيجر من خلال المؤتمر الدولي للمانحين وهي في حدود 370 مليون دولار أعطت دولة قطر منها 91 مليون ريال قطري لدعم مشروعات الأمن الغذائي خلال الأربع سنوات القادمة، لا تكفي من أجل نهضة اقتصادية قوية لكن بالإمكان أن نعتبرها بداية قوية لبدء مشروع خيري قوي يأخذ في الحسبان- دول القارة الأفريقية- العمل على مزاحمة الآخرين على هذه المنطقة التي تحتاج في الوقت الراهن لفتة من قبل المجتمع العربي أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط ضمن حسابات المساعدات والإعانات ولكن ضمن حسابات العقيدة والتعاون الاستراتيجي المشترك فكما يقول المثل «الأقربون أولى بالمعروف» والعرب أولى من غيرهم بالاهتمام بهذه القارة وبما لها وما عليها ومن أجل الإفادة والاستفادة.
وربما تأتي رابطة التضامن والوحدة العربية الأفريقية التي -مقرها النيجر ويرأسها الأستاذ حسن مبارك- كان لها حضور قوي في المؤتمر الخيري الأخير بالدوحة، كجسر من أجل التواصل المثمر بين أفريقيا والعالم العربي.
وقد سبق لهذه الجمعية الخيرية التي تأسست عام 1997 أن قامت بما يسهم في الحفاظ على ما نسميه بالتركيبة الاجتماعية والإسلامية في أفريقيا، لأن هناك الكثيرين من عامة الناس من يستهين بما تقوم به المؤسسات الخيرية العالمية التي غالبا ما يكون عملها الخيري من ورائه أهداف إثنية وعقدية- وهذا من دون الغوص كثيرا في ما تقوم به طلائع التبشير في القارة الأفريقية عبر نفس المؤسسات الخيرية التي تدعي أنها تقوم بعمل خيري بعيدا كل البعد عن أي توجهات سياسية أو دينية-، ورغم الصعوبات التي تواجهها رابطة التضامن والوحدة العربية الأفريقية في احتواء أزمة الجوع التي تعصف بدول أفريقية، بحكم ما تعرفه المنطقة من عطش وتخلف وهو ناجم عما قام به ولا يزال الاستعمار التقليدي بمطامعه، الجديد بأكاذيبه ووجهه السمح والمتحضر عبر مئات السنين، بيد أنها استطاعت تحقيق الكثير بفضل الله وبفضل جهود رئيسها حسن مبارك والخيرين في دول كثيرة وعلى رأسهم دولة قطر التي ما دائما تمد يدها لكل مستغيث، وتفتح ذراعيها لكل مستجير.
إن أفريقيا اليوم على مرمى حجر من المطامع الاستعمارية الامبريالية وتكاد تلتهمها بالجملة والمفرق، وما هذه التقارير التي- قد نعتبرها صادقة وكاذبة في آن واحد- تقدمها الجهات المالية الغربية على غرار البنك الدولي في تقريره الأخير بأن بعض دول أفريقيا بدأت تشق طريقها بتؤدة وحكمة بالغين نحو المستقبل المنشود، ما هي إلا دغدغة عاطفية مخدرة أكثر مما هي عاطفة صادقة محفزة ودافعة نحو الأمام، زد على ذلك فإن العطاء الذي يعد به خليفة بول وولفوفيتز السيد روبرت زولليك للقارة السمراء قد لا يكون إلا ضمن سيرورة سياسة استحكام القوة على قارة أفريقيا التي بدأت العيون تتجه صوبها بغرض استنزاف ثرواتها وما أكثرها، فلنحذر الخدعة ولنفطن لما بينا أيدينا.
الأربعاء ,1 أغسطس 2007
المصدر: