الحمد لله القائل في كتابه العزيز مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم “ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظّالمين بعضهم أولياء بعض والله وليّ المتقين * هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون” الجاثية 18/19/20، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي حذر من جميع أنواع الغش ومنها الغش السياسي فقال “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة” وفي رواية أخرى “أيما راع غش رعيته فهو في النار”، وعلى آله وصحبه.
في ظل تفاقم وتأزم الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفشل الحكومات المتعاقبة على السلطة منذ انقلاب 11 جانفي 1992 عن إيجاد الحلول الناجعة لها، ها هو ذا الشعب الجزائري المسلم يدعى للمرة الألف إلى صناديق الاقتراع في إطار سياسة استئصاليه، اقصائية حددت معالمها من قبل السلطة الفعلية النافذة في البلاد.
إنّ واجبنا نحو الشعب الذي لم ننقطع في يوم الأيام عن همومه ومحنته ومعاناته منذ اندلاع الأزمة المفتعلة، وبما أن الشعب هو مصدر السلطة شرعا ودستورا فإن ذلك يقتضي منا واجب مصارحته ومناصحته كما فعلنا دوما في عدة محطات حتى يكون على بينة من أمره فيما سيقدم عليه.
مما لا شك فيه لدى العقلاء الألبّاء أن الدول والأنظمة التي تحترم نفسها وتنزل عند إرادة شعوبها في الاختيار الحر، تتخذ من آلية الانتخاب الوسيلة المثلى للتغيير السلمي والتداول على السلطة أما في الجزائر فقد كسرت وديست هذه الآلية منذ اغتصاب الإرادة الشعبية في 11 جانفي 1992، واستبدلت بسياسة أمنية قمعية فضيعة وصناعة واجهة سياسية غير متجذرة شعبيا واجتماعيا اتخذت من التحايل السياسي والمكر والخديعة مطية للبقاء في الحكم والتشبت به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن كل من الحل الأمني القمعي وكذا ما يسمى قانون “السلم والمصالحة الوطنية” الجائر والظالم والأحادي الجانب قد جاء مخيبا للآمال ولتكريس واقع قائم ومؤلم هذه “المصالحة” المغشوشة والزائفة والتي يتخذها تجار السياسة مطية تزلف وإرضاء لأصحاب السلطة الفعلية والتي بحكم نفوذها وتغلغلها في أجهزة الدولة تملك حق الإقصاء والترشيح والإشراف على توزيع المناصب والكوطات على صنائعها مما جعل الانتخابات المتكررة منذ انقلاب 11 جانفي 1992 لا تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية بل تعد تبريرا للظلم والتزوير والممارسات القمعية فضلا على أنها أصبحت عبئا ثقيلا على الخزينة العمومية ووسيلة لنهب المال العام والإسراف والتبذير وشراء الذمم على غرار فضيحة بنك الخليفة وما أبناء مؤسسة تونيك عنا ببعيد وهي في نفس الوقت تساهم في تضليل الرأي العام الوطني والدولي بتعددية شكلية زائفة، فلم يعد الشعب هو الذي يختار بكل حرية من يمثله ولم تعد الأحزاب هي التي تعيّن مرشحيها بكل استقلالية وقد دلت التجربة والواقع أن المؤسسة التشريعية فاقدة لوظيفتها الدستورية بل أصبحت عبارة عن غرفة تسجيل ومصادقة بعيدة عن هموم الشعب الحقيقية.
من البديهي أن أي انتخابات تفقد مصداقيتها وشرعيتها في حالة إقصاء شريحة واسعة من أبناء الشعب من حقهم في الممارسة والمشاركة السياسية وهذا اللون من الإقصاء والمنع السياسي يعتبر من أخطر ألوان التزوير للإرادة الشعبية القائمة على أساس الاختيار الحر بين البدائل السياسية الحقيقية.
من أجل أن يقدم المواطن على أية عملية انتخابية تتعلق بمصيره على بينة من أمره، فإن واجبنا الشرعي والسياسي والوطني يملي علينا أن نصدع بما يلي:
1- إنه لا بديل عن الحل السياسي الشامل والعادل الذي يفضي إلى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية كفيلة بمعالجة جذور الأزمة وإقامة نظام سياسي تعددي يحمي الحقوق المشروعة لجميع المواطنين دون إقصاء أو تهميش ويحافظ على الوحدة الوطنية المهددة من دعاة الانفصال والنعرة الجهوية.
2- إعادة الاعتبار للذين حرموا من حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية والذين تعرضوا للاعتقال التعسفي، وفتح الفضاء السياسي وحرية التعبير والصحافة حتى لا يصبح الصحفي مجرد كاتب ضبط لجهات مجهولة الهوية.
3- رفع حالة الطوارئ التي تستغل للقيام بممارسات قمعية تحد من حرية المواطنين.
4- عودة اللاجئين السياسيين الذين فروا من بطش السلطة، وإطلاق سراح جميع مساجين الأزمة، وكشف ومعالجة مصير آلاف المختطفين والمفقودين وكفالة ضحايا المأساة الوطنية دون تمييز أو تفاضل.
5- إدماج الإطارات والعمال المفصولين من وظائفهم بسبب آرائهم وقناعاتهم السياسية.
6- إعادة النظر في قانون السلم والمصالحة الوطنية وعدم حجب الحقيقة ليكون مطابقا للوقائع والأحداث حتى يتحمل كل طرف مسؤوليته لا سيما والمادة 47 من “ميثاق السلم والمصالحة ” تسمح باتخاذ إجراءات إضافية تنقذ المصالحة مما حاق بها من فشل على المستوى السياسي والقانوني والممارسة الميدانية ولو بإعادة النظر في مواد القانون ذاته.
إن الشعب الجزائري ما يزال يتطلع بكل حرقة إلى إحداث تغيير حقيقي ويصبو إلى نهاية دائمة للمأساة تكون ثمرة لمصالحة وطنية حقيقية شاملة لا غش فيها ولا خديعة أساسها العدل والإنصاف.
ومن خلال ما سبق ذكره فإن شيوخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ يدعون الشعب الجزائري المسلم إلى عدم المشاركة في هذه المهزلة الانتخابية تعبيرا عن رفضه لسياسة التزوير والتفقير والتجويع والدم والدموع والمعاناة والإقصاء والقمع ونهب المال العام والتبعية لسياسات لا تخدم الوطن والمواطن حاضرا أو مستقبلا، ذلك أن الانتخابات في بلادنا – وكما أثبتت التجارب – لا تخدم إلا أصحاب المصالح والمافيا السياسية والمالية والشعب فيها هو الخاسر الأكبر وصدق الله العظيم إذ يقول ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم محذرا الأمة من الحكام المضلين “إنما أخاف على أمتي الأئمة (الحكام) المضلين”.
نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ
بن حاج علي
الجزائر في 25 ربيع الثاني 1428 الموافق لـ 13 ماي 2007