سياسة التشغيل الارتجالية وما يكتنفها من غموض في بلادنا وما تمخضت عنه من بطالة مقنعة، جلبت الفساد للمؤسسات والبلطجة من قبل أصحاب العمل الذين في أغلب الأحيان ينصّبون أقرباءهم أو معارفهم. وحتى وإن حدث ووجد شاب مكان عمل بضربة حظ أو بواسطة، فإن إدماجه من قِبل مؤسسة في قطاع ما انتظارًا لمنصب دائم ووظيفة قارة تنهكه تلك الممارسات الظالمة ويبقى استمراره في ذلك المنصب المؤقت حبيس قرارات تشغيل مجحفة في حجمها الساعي الكبير وعائدها المادي الزهيد. زد على ذلك لما كان دائم الشعور بأنه مهدد من صاحب العمل (الشيكور) فإنه يدخل في مساومات تمس بكرامته كمواطن الذي كان من المفروض أن عمله حق من مكاسب المواطنة وأي حياد أو تعسف هو مساس بأهم مبدأ في دستور البلاد وتعاليم رب العباد، فالاختيار والأسلوب المتبع في التعيين والتكليف المنوط بهما غالبًا ما يعدو بأن يكون غير ممارسات مجحفة وديكتاتورية تنقص من كبرياء وعنفوان شاب مقبل على مستقبل ينشد فيه الأمل والحياة الكريمة ولو بشق الأنفس وطول انتظار. إيه… إنه السفر عبر الزمن نحو عالم المجهول! فيلم خيالي…
لكن هيهات! الراحة والطمأنينة، فالإحساس بالذل والمهانة ذلك هو إحساس دائم لكل من تسوّل له نفسه طلب صدقة، وظيفة مؤقتة من “الرب ” – استغفر الله – دلالة على أرباب العمل. إذن ذلك الإلهاء هو سلعة الاستعباد الوحيدة المعروضة والتي لا يمكن لهم الاستغناء عنها في جزائر العزة والكرامة… لا قانون يحمي غير الخضوع والاستكانة، هما الملاذ الأوحد لكل من تسوّل له نفسه الهروب من واقع مرير! فمستقبل هذا شاب يبقى مؤقت، لا زواج ولا خدمة عسكرية ولا سكن ولا حتى مجرد التفكير فيهم. “يتلفت يلعبو كرعيه”.
وا أسفاه! بكل مرارة هذا هو الحال الذي استحال إلى محال!
ولما نتمعّن جيدًا في هذا الأسلوب من التشغيل المسمى إدماج “للأنديجان” في غالبه يمس “الجنس الآخر” من دون أيّ مبررات يمكن أن يسوقها صاحب العمل غير الصمت أحيانًا أو ترديد القول المبتذل في كل مرة “راهي كامل المؤسسات كيما هاك”… وكأنها أصبحت منافسة لمن يوظف أكثرهن رغم اليقين التام بأن ذلك وضع شاذ وغير صحي… وفي وضع كهذا ونظرًا لعزوف الشباب عن الزواج وكثرة العنوسة، الأجدى كان تشجيع الشباب “الرجال” للإقبال على العمل وتسهيل فرص الحصول على السكن. إننا ندفع بهذا الكلام بقوة ليقين بأن هناك أناس يهمهم أمر هذا الوطن وشبابه ويفكرون باجتهاد في إيجاد السبل الكفيلة بحلحلة الأزمات الاجتماعية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الجيل قبل أن ينتهي الطريق ونصل إلى عمق الهاوية.. فالاستمرار بمثل هذا التوجه لن يكون الهدف إلا تحطيم المرأة.. ولن نكون أبدًا أكثر بعدًا عما حدث لهن في جاهلية قريش وحينها سنسأل: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت”!
والغريب أيضا.. لما دولة بحجم الجزائر.. غريب أمر هذا الوطن! أين أكثر من ثلث السكان شباب والغالبية إناث تعجز عن إرساء قيم وقواعد ثابتة للتكفل ببعض الشؤون التي يمكن أن تتجاوز هذا الشرخ الكبير في إدارة أوضاع المجتمع كالتشغيل والإسكان والصحة وترشيد النفقات العمومية.. أمر لا تجد له مبرر، ليس لعجز في القدرات الخلاقة لبعض المسؤولين أو التشكيك في كفاءات البعض الآخر، ولا نقص الإمكانيات، ولكن هي سياسة عرجاء متميزة بقانون اللاقانون وحتى هذا “الحكم الراشد” ممكن التطبيق على البعض لكن في نفس الوقت غير قابل المساس بآخرين.. منطق اللامنطق! أنماط من تسيير توحي في معظمها باللامبالاة الخلاقة التي تساعد على نشر الفساد وتحفيز المسؤول على التلاعب والاحتيال، بل انه فعلا “حكم فايق حاصل” يطلق يد المتصرف في شؤون العامة بدون حسيب ولا رقيب لغياب الرادع، هنا لا نتكلم عن الوازع الديني أو الأخلاقي فلا المنصب، ولا المسؤولية ولا حتى قراراتهم تسمح بذلك.. إنه ذلك الشعور بالرهبة أو الخوف من عواقب بعض التصرفات الضارة والتعسف في استخدام السلطة والمنصب ليس إلا.. إنها، كما يراها البعض، وحوش آدمية ذوات ضمير سحري “غريب الأطوار” مختبئة في غياهب كهوف الظلم المظلمة.. من تلك الكهوف، لا أحد يرى عبر النفق أي بصيص ضوء يخرج.. ليبقى الأمل معلقا والعمل مؤقتا.. وكل شيء! وسنبقى على هذا الحال إلى أن يغير الله من حال إلى حال ولسان حالنا:
اعبثوا ما شئتم بجيل خنوع تحت أقدام مسخ منتشٍ بكل أصناف الخداع والابتزاز.. واستمروا في خلق اللقطات.. لقطة ساحر. وما هو بــ”ساحر عليم”.. وما ذلك النائب عنا ببعيد.. مع كل هذا الإبداع وهذه الحلول السحرية.. لماذا يحرم الآلاف من اللقطات؟ لقطات وتشغيل.. ولتنشرها كل القنوات وكل المواقع..
لا عجزت مثل هذه اللقطات لتبادر بتوظيف عشرات الشباب! ليت سحرة الوطن.. عفوًا نواب الأمة.. يوظفون سحر اللقطات.. فقط لقطات..
مبروك بن فتاشة
7 ماي 2016