“ماذا أعرف عن الإسلام؟”
« Que sais-je de l’Islam.. ? »
محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا
طلب منا بعض أساتذتنا وطلبتنا أن نقدم كلمة لطلبتهم في إحدى الجامعات الاوروبية، حول موضوع ” دروس نهاية رمضان للشاب المسلم في الغرب و مشاريع المسلم بصفة عامة بعد هذا الشهر الفضيل” !!.. وكان هذا الأخ التركي الفاضل، قد حضر معنا صلاة العيد، أين خطب كاتب هذه السطور، خطبتي عيد الفطر باللغتين – العربية والفرنسية- كالعادة في هذه الديار الغربية، فاعتذرت له في البداية، بقولي أن هذا محتوى الخطبتين قد يعني المسلمين بصفة خاصة وقد يلقيه غيري من أصحاب الاختصاص الشرعي، وممكن أحسن مني وبأدلة شرعية أوفر و أمتن!!
ولما لمست حرصه الشديد على ضرورة حضوري، قلت له ولرفاقه، ما دامت المحاضرة تتم في الجامعة، أفضل أن نتكلم عن رسالة العلم والعلماء، مستعينا ببعض أقوال المفكر الإسلامي المعاصر- ومادام الطالب تركي- قلت أمثال البروفيسور التركي نجم الدين أربكان رحمة الله تعالى عليه الذي ناشد يوما في محفل أكاديمي طلابي، الاتراك، بقوله ” تريدون مني أن أتعبد في المسجد، وأترك السياسة، وتُعلِّمون ابني كراهية الإسلام في المدرسة، ليعود ابني ويهدم المسجد فوق رأسي !؟”.. وقوله: “إذا لم تعلموا أولادكم الحلال والحرام، والدنيا والآخرة، علموهم ما شئتم، فلن تصنعوا منهم رجالاً !؟ وقوله رحمه الله: ” إذا فرقتم (هذا تركي وهذا عربي)؛ عندها لا يبقى لا تركي ولا عربي، أما إذا تحالفتم مثل تحالفكم في (جناق قلعة)؛ لا يبقى إنكليزي ولا فرنسي في أرضنا الاسلامية !!.
مسجد الطلبة ومجلته “ماذا أعرف عن الاسلام؟”.
مبينا لهذا الطالب التركي وزملاؤه الجزائريين و العرب، خاصة أن هذه الأيام، بداية شهر أفريل، و الجزائر تحتفل فيه بيوم العلم، في تاريخ 16 أفريل من كل عام، لتكون لنا فرصة أيضا للتعريف بدور المساجد الطلابية في تاريخ الأجيال السابقة، أيام معرض الكتاب الاسلامي المتنقل بين الجامعات حفلات الانشاد الإسلامي والمسرح الملتزم ألخ … خاصة أني استلمت في بداية شهر رمضان الفاضل، هدية الاخ العزيز سي عبد الواحد من الدانمارك، نسخة من مجلد ضخم لأعداد المجلة التي كان يصدرها مسجد الطلبة بجامعة الجزائر، والتي تعطيكم صور ولو موجزة عن رواد العمل الإسلامي في الجامعة ومجلتهم الاولى والتي كانت تصدر بالفرنسية بعنوان : ماذا أعرف عن الإسلام ؟
« Que sais-je de l’Islam _ ?»
وقد أعجب الطالب وزملاؤه من المغرب العربي بالفكرة ومشروع الندوة في عمومه، ويسر الله لنا أن نكون في الموعد مع طلبتنا وطالباتنا، لنحدثهم عن ضرورة العلم وبذل الجهد لتحصيله وأجر المجتهد وتاريخ بعض المؤسسات التربوية وأوائل المساجد الطلابية في العالم العربي والغربي في ستينيات القرن الماضي، منهم “مسجد الطلبة بجامعة الجزائر”، وأول مجلاته الإسلامية، طبعا كانت تصدر في بدايتها بالفرنسية لأن اللغة السائدة في الجامعة الجزائرية ايامها، كانت الفرنسية، ثم عربت بعض تخصصاتها مع مر الأجيال، وكذا عرجنا عن موضوع قصة فتح المسجد الطلابي الأول في الجزائر، من طرف كوكبة من أربع طلبة بتحريض من أستاذهم المفكر مالك بن نبي، رحمه الله.
من رمزيات “يوم العلم”، الثقة في العلم و العلماء ..
مبينا لهم، أنه يُحتفل باليوم العالمي للعلم بتواريخ مختلفة تخص كل دولة بذاتها، بحيث يسلط هذا اليوم الضوء على الدور المهم للعلم في المجتمع والحاجة إلى إشراك الجمهور على نطاق أوسع في المناقشات المتعلقة بالقضايا العلمية الناشئة. وهو إلى ذلك يؤكد – هذا اليوم – على أهمية العلم وملاءمته في معايشنا اليومية . .إذ لا يمكن تفعيل دور العلم في تشكيل مستقبلنا الجماعي إلا عندما تكون هناك ثقة فيه. فالثقة في العلم والعلماء هي التي تغذي تطوير وتطبيق الحلول القائمة على الأدلة للتحديات متعددة الأوجه التي يواجهها عالمنا عبر العصور. وإلى ذلك، فالثقة في العلم مسألة معقدة. وهو يؤثر على الطريقة التي يعمل بها العلماء والطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى العلم. ثم أن تعزيز الثقة في العلوم يعزز قرارات السياسات القائمة على العلم ودعم المجتمع لتطبيقها وتطويرها.
أي قلب لا يسقى بمياه العلم غير جدير بأن يكون موطنا للطهارة ..
لا لشيء ألا، لأن الحياة التي يعيشها المرء مليئة بالأحداث والمناسبات والذكريات، وكلما مر بالمسلمين يوم جديد، إلا وذكرنا بحدث من أحداث التاريخ الحافل بالأمجاد والمفاخر، وما أحسن وأروع الذكريات في المجتمع الاسلامي، ففي احيائها إحياء لتراثنا القومي وإصلاح لواقعنا الحالي وعلاج نافع للآفات الاجتماعية التي تنخر مجتمعاتنا، ونحن بهذه المناسبة السعيدة السارة نحتفل بذكرى يوم العلم، وهي سنة من السنن الحميدة عند الأمم المتحضرة، لما لا وأن أي قلب لا يسقى بمياه العلم غير جدير بان يكون موطنا للطهارة والعبادة ولا مغرسا للأخلاق الفاضلة فبالعلم ساد من ساد وارتفع من ارتفع وبالجهل دكت معالم أمم وخربت بيوت ودول، وما أروع قول الإمام علي – رضي الله عنه – ، في أبيات منسوبة اليه، قوله:
ما الفخرُ إلا لأهلِ العِلْم إنَّهـــم *** على الهدى لمن استهدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كلِّ أمرئ ما كان يُحْـسِنُه *** الجَاهِلُون لأهْل العلم أعَداءُ
ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبــــداً *** النَّاسَ موتى وأهلُ العِلْمِ أحْياءُ
وقادة الدنيا ترى بماذا سادوا وقادوا. لقد سادوا بالإيمان والقرآن وقادوا بالعلم والإحسان فكانوا للدنيا هداة خير ودعاة رشد وكانوا نماذج وصفهم القرآن ومدحهم فقال: مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا {الأحزاب:23}
” شغلنا بتأليف الرجال عن تأليف الكتب”
ولأن كان يوم العلم في الجزائر، يقترن بتاريخ 16 أفريل، أي تاريخ رحيل علامة الجزائر وزعيمها الروحي، المرحوم الشيخ عبد الحميد بن باديس، لأن الإمام بن باديس، كانت حياته العلم والتعليم “من المهد الى اللحد”، على حد تعبير المثل الشائع المتداول، حتى، أن أحد تلاميذه المعاصرين، شيخنا العلامة محمود بوزوز، أخبرنا يوما في مسجد جنيف الكبير، أن الإمام بن باديس، قال لطلبته في ثلاثينات القرن الماضي، أن الإمام بن باديس قال لهم بالحرف الواحد وهم شباب صغار، في عهد الاستعمار البغيض: ” لو تمس لي فرنسا التعليم، يقصد منع التعليم أو غلق مدارس جمعية العلماء، سأعلن الجهاد !!”. وهذا ساعده الأيمن الشيخ الابراهيمي يكمل مشواره بعده بالتعليم والتدريس، بحيث يذكر أنه ازدهر نشاط مدارس جمعية العلماء في عهده رفقة الشيخ العربي التبسي، رحمه الله. و لما سئل الامام الابراهيمي، أثناء الثورة، لماذا لا يكتب الجزائريون ونحن نعرف أن فيكم المتعلم المتبحر أمثالكم في علوم شتى، وفيكم أصحاب خطاب قوي وأقلام واعدة، نوابغ فقه وفرسان لغة العرب شعرا و نثرا”، فرد عليهم بقوله :” شغلنا بتأليف الرجال عن تأليف الكتب”، كما ينسب هذا القول للامام بن باديس، أي شغلنا بإعداد المجاهدين للثورة عن تأليف الكتب !!”، رغم ذلك ما كتبه الابراهيمي لوحده مجلدات ورفوف..!!
وقد يلحظ الانسان، ان ما كتبته الأقلام الجزائرية في عمومها – أثناء و بعد الثورة – من كتب ومراجع بالعربية يرتبط ارتباطا وثيقا بالقيم ، أي بالإسلام و حرية الوطن، أما بالفرنسية فهي أيضا متوفرة إلا أنها تعد على الأصابع أيضا، ومن المجلات الجزائرية التي يمكن الرجوع إليها – اليوم كطلبة – وبالفرنسية، أهمها ثلاثة ، “مجلة الشاب المسلم (عام 1952-1954 ) ”
Le Jeune Musulman
ثم مجلة “التهذيب الإسلامي”
Humanisme Musulman
التي كانت تصدرها جمعية القيم (عام 1963/1965) بإشراف شيخنا الدكتور الهاشمي التيجاني،
وأخيرا وليس آخرا، مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام؟
« Que sais-je de l’Islam ?»
“ماذا أعرف عن الاسلام؟ صفحات وصفعات:
مجلة رغم أنها معاصرة من سبعينات القرن الماضي (عام 1970/1980)، إلا أنها غير معروفة وبالتالي صفحاتها تصفعنا لتوقظنا، وهي المجلة الإسلامية الوحيدة التي كانت تصدر عن “مسجد الطلبة بجامعة الجزائر” ، بطلبة أمثالكم، والموسومة: “ماذا أعرف عن الإسلام؟”، والتي يسر الله هذه السنة لجمع أعدادها في مجلد ضخم في 570 صفحة من الحجم المتوسط، وقد عنى بنشرها في الجزائر، دار نشر صغيرة وواعدة ( الأصالة للنشر)، و قدم للمجلد أستاذنا الكبير الشيخ الدكتور عمار طالبي، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، مع ترجمة أستاذنا الفاضل الصادق سلام ، المؤرخ الجزائري المقيم في فرنسا، والمعروف لدى العديد من الطلبة المغاربة في أوروبا بكتبه التاريخية عن الاسلام في فرنسا خاصة، رفقة تقديمات كوكبة اقلام بعض قدماء طلبة مالك بن نبي أيامها ..
ومادامت المجلة غير معروفة كثيرًا، رغم أنها معاصرة وصدرت أعدادها، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إذ تعد المجلة الإسلامية الوحيدة التي تصدرها مؤسسة طلابية مستقلة، أي بسواعد و أفكار طلابية شباب امثالكم، تحت إشراف إدارة مسجدهم الطلابي، أي “مسجد الطلبة بجامعة الجزائر”، بوسائل متواضعة وبعنوان متواضع، ينم عن قدرة كبيرة لأصحابها في الدعوة في بداية الصحوة المباركة، لا يملكون يومها ما نملك نحن من وسائل وأدوات النشر والطبع، وقد كتب بعض افتتاحياتها مالك بن نبي، كما بوابة المجلة بأركان قارة، كعلوم القرآن والحديث، ثم العلوم الاقتصادية والنظام الاسلامي، وركن خاص باللغة والحضارة، وركن قصص وسير شخصيات اسلامية وأخرى اعتنقت الاسلام حديثا .. الخ.
هذه المجلة “ماذا أعرف عن الإسلام” التي يسر الله – السنة الماضي – جمع أعدادها في عمل ضخم يقع في 570 صفحة من الحجم المتوسط، صدر في الجزائر، عن دار نشر صغيرة واعدة في عموما منهجية مطبوعاتها الدراسية الحضارية التاريخية. هذا العمل الضخم، أشرف على تقديمه، رجل علم وتعليم، إنه أستاذنا الكبير الشيخ الدكتور عمار الطالبي الرئيس السابق لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسنطينة، حفظه الله بصحة عافية رغم تقدمه في السن. والأستاذ الصادق سلام كان له شرف القيام بالترجمة مصحوبة بمقدمات أخرى مختصرة من السادة الكرام قدماء تلاميذ المفكر مالك بن نبي السابقين منذ بداية افتتاح المسجد سنة 1968، أمثال كل من: الشيخ الدكتور محمد جاب الله الطبيب من ولاية الوادي. الشيخ الدكتور محمد مولاي السعيد، من جامعة الجزائر، بباب الزوار، والوزير الأسبق عبد القادر حميتو. والأستاذ عبد الرحمان بن عمارة الذي وفر للناشر مجموعته الشخصية المكونة من 13 عددا من مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام؟”، والأستاذ أحمد جوادي، أحد قدماء طلبة مالك بن نابي، والأستاذ عبد اللطيف سيفاوي من جمعية العلماء. وشخصيات أخرى عديدة ساهمت في المشروع قد نعود اليه، في عدد قادم – بحول الله – ، مع شرح مستفيض لمحتويات المجلد..
” المسجد الطلبة” مفتاح الدعوة ومحصن الدعاة ..
وقد أنهينا الندوة بحمد الله بتصفح سريع مع طلبة الجامعة السويسرية للأعداد الـ 13 ” لمجلة “ماذا أعرف عن الإسلام؟”، مع سرد تاريخي ملهم ومهم، لجيل الصحوة الأول في جزائر ما بعد الاستقلال، والسنة الحميدة في فتح المساجد الطلابية داخل الجامعات في العالم العربي والغربي، هذا الأخير الذي لا تزال بعض جامعاته كفرنسا، تعارض على استحياء السماح للطلبة المسلمين أن تكون لهم معابدهم الخاصة، مثل أقرانهم المسيحيين حتى في بلد يزعم أنه “لائكي/ علماني”، علما أن كل الجامعات الغربية فيها أو بجوارها ” كنائس” تخص المسيحيين، وفيهم من خصص أماكن للعبادة لكل الديانات لكن وفق مواقيت محددة وغير مناسبة للمسلمين الذين يصلون خمسة صلوات في اليوم…
أخيرا، ندعو الله أن يوفق طلبتنا المغتربين في أصقاع المعمورة في يوم عيدهم هذا – يوم العلم – الى مزيد من التحصيل العلمي و والمثابرة الجادة .. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وقد اختتمت الندوة بدعاء أحد الائمة الأفاضل المرافقين لنا، و مما جاء فيه، بعد تلاوته قول الله تعالى :
(وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا). و قوله (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
مبتهلا بقوله: “اللهمّ ارزقنا وطلبتنا العلم النّافع الذي يقربنا مِنك، وينفعنا في حياتنا الدنيا، ويؤنس وحدتنا بها..
اللهمّ علّمنا ما جهلنا، وذكّرنا ما نُسينا، وافتح علينا من بركات السماء والأرض، إنك أنت السميع العليم..
اللهمّ انفعنا بما علّمتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وزدنا علمًا وبارك لنا فيه..
اللهم افتح لنا أبواب حكمتك، واكتب لنا من رحمتك، وامنن علينا بالحفظ والفهم، سُبحانك لا عِلمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم..
اللهمّ يا حيّ يا قيوم، أكرمنا بجودة الحفظ وسرعة الفهم، وارزقنا الحكمة والمعرفة والعلم والحلم بحق سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهمّ نور بالكتاب أبصارنا، واشرح به صدورنا، واستعمل به أبداننا، وأطلق به ألسنتنا، وقوّي به عزمنا بحولك وقوتك، فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك يا أرحم الراحمين.
اللهمّ يا معلم موسى علمنا، ويا مُفهّم سليمان فهّمنا، ويا مؤتي لقمان الحكمة وفصل الخطاب، آتينا الحكمة وفصل الخطاب.. و صل الله اللهم على معلم الناس الخير، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمين، والحمد لله رب العالمين.