” طوفان الأقصى” يروّع فضائيات أوروبا ويعمي أبصار محلليها عن قول الحقيقة:
يا لضعف القلم حينما يطلب منه أيام المحن أن يسجل كلمة الحق ويبارز المنكر
محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا
يا لضعف القلم حينما يطلب منه أيام المحن أن يسجل كلمة الحق ويبارز المنكر دفاعاً عن الخير وأهل الخير المغدور بهم في حلبة الاعلام المتطور أمام زخم “راجمات” الفضائيات الفتاكة، التي تأتي على الأخضر واليابس في لحظات البرق قبل أن يرتد إليك طرفك!!
هكذا كان شعوري مع كوكبة من المثقفين يوم السبت المنصرم، ونحن نتابع الفضائيات، وهي تنقل ” طوفان الأقصى” الذي وصلت مياهه إلى أوروبا لتكدر صفو ” يوم كيبور
“، علما أنها في مجملها تزعم أنها لائكية ولا دينية، ناهيك أنها عبرية !! مرة أخرى تبث مساندة جل دول العالم لمساندة ودعم إسرائيل، القوة الذرية الوحيدة في المنطقة، بل ذهبت حتى للنجدة التاريخية كتوقيع الرئيس الامريكي الأسبق ترامب على إهانة المسلمين ومقدساتهم، أقصد القدس والأقصى الأسير، لمّا وافق على جعلها عاصمة إسرائيل بدل تل أبيب، كما يرغب المحتل بل سارع بفتح سفارة هناك، إضافة لهذا برزت يوم أمس نعرة أوروبية في جل قنواتها الإخبارية – دون استثناء- باكية على ما حل بإسرائيل متناسية أن الشعب الفلسطيني الأعزل صار مستعبدا من طرف مستعمر يدك شعبا برمته لا يفرق بين أطفال و نساء و شيوخ، ناهيك عن غزة السجن المفتوح الذي تمنع عنه حتى إعانات أهل الخير من الشعوب وليس الحكام العرب كما يعرفه العام و الخاص.
تاريخ الإسلام يذكر لنا بجلاء ملاحم ناصعة لحملة الرسالة، عندما يغضب رجالها:
فقلت لهم، أين نحن من السلف، وردود فعل جيوشهم دفاعا عن الحرمات ونصرة المقدسات، تاريخ الإسلام يذكر لنا بجلاء ملاحم ناصعة، فعندما غضب معاوية بن أبي سفيان غزا الروم بالسفن لأول مرة في تاريخ المسلمين، وعندما غضب المعتصم بالله فتح مدينة “عمورية” أكبر معقل للبيزنطيين، وعندما غضب صلاح الدين الايوبي أقسم ألا يبتسم حتى يعيد فلسطين للمسلمين، وعندما غضب عبد الرحمن الغافقي والي الاندلس وصل بجيش المسلمين إلى آخر مدينة تور قبيل باريس، وعندما غضب محمد الفاتح فتح مدينة “القسطنطينية” أكبر معقل للروم. وعندما يغضب أمراء وملوك العرب اليوم يرسلوا خطاب استنكار للأمم المتحدة! رحم الله أياماً كان غضب المسلمين جيوشِاً لا يُرى آخرها.
هذه هي نخوة الرجال، وعظمة حملة الرسالة، مصداقا لقوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (123-124) سورة طـه، هذه معادلة الحياة وما على الإنسان إلا أن يختار!!
نحن أمة تحتضر ولا تموت و قد أحتضرت الف مرة ومرة ولم تمت !!
في رسالة مفقودة عثر عليها وانفردت بنشرها مجلة عربية قديمة – نقلا عن موقع كواليس -، كانت جوابا بليغا مشحونا بالحكمة عن سؤال وجه إليه ملخصه : ” مَن أنتم ..؟ “، فكتب جبران_خليل_جبران (العربي المسيحي المتشبع بالثقافة الإسلامية)، يقول:
” نحن أمة تحتضر ولا تموت، قد أحتضرت ألف مرة ومرة ولم تمت، وستحتضر الف مرة ومرة وتظل حية، نحن شعوب تغلب وتخضع في ظاهرها، ولكنها تبقى ظافرة في طويتها، نحن الأقوياء بضعفنا، المنتصرون بإنكسارنا، نحن الذين نأكل قلوبنا طعاما ونشرب دموعنا خمرا غير أننا لا نلوي أعناقنا ولا نحول وجوهنا عن الكواكب.
نحن عقدة لم تحلها الأيام وستبقى غير محلولة، نحن باب ضاعت مفاتيحه وسنظل بابا موصدا يحجب وراء مصراعيه أسرار الأزمنة الغابرة واسرار الأزمنة الآتية، نحن نندب وفي ندبنا همس الحياة، وغيرنا يهلل وفي تهاليله تأوه الموت ..
نحن صرخة تخترق غلاف الأثير، أما سوانا فضوضاء تزعج الهواء، تقلق الأزقة والشوارع ..
نحن أغنية قديمة ترددها الذكرى كل صباح وكل مساء، أما غيرنا فلغط في لجة ولفظ في هاوية ..
نحن جبل راسخ مقيم، أما سوانا فأشباح تأتي مع الظلام وتضمحل بإضمحلال الظلام ..
نحن أمة قوية بضعفها، جليلة بأضمارها، تتكلم وهي صامتة وتعطي وهي تتسول، نحن حمل اجمة، أما عدونا فينظر إلينا من شاهق ثم يهبط ويقبض علينا بمخالبه وينهش أجسادنا بمنقاره مستطيبا طعمنا، ولكنه لا يستطيع ابتلاعنا ولن يستطيع ابتلاعنا ..
نحن نسكن على ملتقى الطرق، فما مر بنا فاتح إلا وغرس السيوف في حدائقنا والرماح في حقولنا متوّهما أنها ستنبت غارا يكلل بها رأسه، ولكنها لا تنبت سوى الشوك والحسك ..
تقولون إننا فقراء محتاجون. نعم، نحن فقراء لأننا لم نتعلم السرقة وفنون الإحتيال والغزو والنهب، فلم نحصد قط سوى ما زرعنا ولم نلبس سوى ما غزلنا ..
نحن قوم نبتسم لمن يضحك لنا ولكننا لا نضحك معه، نحن قوم نتقلد ضيوفنا والوفود المبعوثة إلينا، ولكننا لا نلبث أن نعود إلى ما بنا عندما يرحلون عنا، ونحن قوم في جلودنا لين ونعومة، أما عظامنا فكثيفة كعروق السنديان، ونحن قوم نلبس لكل حالة لبوسها أما قلوبنا فتظل في مأمن من الأطوار والتطور، وأما ارواحنا فتظل في جوار الله ” .
فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا !!
وهذا العلامة الابراهيمي يقرع مسامعنا ويحملنا المسؤولية بقوله:
“إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون !! “(البشير الابراهيمي – الاثار 445/3).
لقد أصابني يومها مدة ساعات طوال دوار شديد و أنا أتأمل هذا الكلام البليغ الذي كتب في بداية احتلال فلسطين، أعقب هذه الحالة تخبط في النفس، وتصدع في المشاعر والأفكار، فلم أعد أملك وسيلة لجمع شتاتها في ذهني، ولا سبيلاً للتعبير عنها بلساني وبناني، لا لشيء إلا لأن لغة الخشب العربية “زودتها” تهديدا وشجبا ضد بني صهيون، حيث سارعت أبواق حكامنا دون حياء و لا خجل إمعانا في الجريمة، على حد قول المثل ” يقتلون الميت و يمشون في جنازته”.
لهذا تراني أحمل الساعة هذا القلم، سلاحي الوحيد، بين أصابع ترتجف، وفي القلب طوفان من اللهب الذي لا يهدأ، وفي الصدر نحيب يختنق، ولوعة لا تبين. وفي الحلق غصة، وفي اللسان عقدة، لأني أعرف الى أين هم ذاهبون بنا، هؤلاء القوم الـ ..، سلالة ” العام سام” وزبانيتهم في المنطقة.
المسجد الأقصى بوابة السماء وملتقى المرسلين
لأن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بمثابة وتكراره اليوم “إعلان من لا يملك لمن لا يستحق”، – كما كنت قد أشرت اليه في مقال قديم سابق بذات المناسبة – لما للأقصى من حرمة وقدسية، فالقدس عاصمة فلسطين كانت وستبقى بإذن الله دينيا وتاريخيا وواقعاً.
والمسجد الأقصى هو القبلة الأولى، وهو المسجد الذي بني بعد المسجد الحرام على الأرض المبارك فيها، أرض الأنبياء ومهبط الرسالات وأرض الرباط إلى يوم الدين، والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى”.
والمسجد الأقصى بوابة السماء وملتقى المرسلين الذين عقدوا فيه بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم مؤتمر في ليلة الإسراء والمعراج حيث كانت البيعة التي تؤكد وفاء الأنبياء والرسل بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله تعالى:” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ((آل عمران /81 )).
أما عن أمانة القدس عند الصحابة، قال أنس بن مالك:” إن الجنة لتحن شوقاً إلى بيت المقدس وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس”، وقال عبدالله ابن عباس:”البيت المقدس بَنَتْهُ الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبيّ أو قام فيه ملَكٌ”، وقال عمر بن الخطاب: ”نِعم المسكن بيت المقدس، وليأتين زمانٌ يقول احدهم ليتني لبنة في بيت المقدس”
التطبيع ضربة في العمود الفقري لكي تصاب الأمة بشلل كلي:
لكن من جرأ الغزاة الصعاليك على فعل ذلك، إنهم بنو جلدتنا، ومن صفوفنا، من شعوبنا وحكامنا من المشرق كما من المغرب، أي من عقر دارنا، و هذا الفعل متمم وموّضح لما كنت كتبته منذ أزيد من 23 سنة خلت (جريدة الحياة اللندنية، بتاريخ 01.10.2000 / ص:8) بأن قناعتي أن الضربات الموجعة في العمق، تأتي دائماً من وراء الظهر أقصد الجوار – ولم تُطّبع حينها العديد من الدول العربية مثل اليوم – وليس بالضرورة من وراء الحدود والبحار، وليس القصد منها التخفي بقدر ما هي ضربة في العمود الفقري لكي تصاب الأمة بشلل كلي وتنمو مع مر الأيام والسنين مقعدة ساكنة حتى يأتي الله بأمره. فإن حاولت القفز الى العلياء في سلم القيم، تدحرجت “كجلمود صخر حطه السيل من عل.”
أو كما وصف خيانتهم، أستاذنا الدكتور توفيق الشاوي في مذكراته “نصف قرن من العمل الإسلامي” لمشهد مماثل عاشه هو عن فلسطين ومصر، حيث كتب -رحمه الله- “… هناك دلائل كثيرة اكتشفتها في ما بعد وأقنعتني بأن الهجوم على الإخوان المسلمين في مصر سنوات 1945 ثم 1954 و1956، قد ساهمت فيه ومهدت له واستفادت منه قوى أجنبية عالمية متعددة فلم يكن حدثاً محلياً من صنع جمال عبدالناصر وعبدالرحمان عمار و…، أو غيرهم ممن يوقعون على قرارات قد أعدت في أروقة المخابرات الأجنبية المعادية للإسلام… مثل قرارات إلغاء الجامعات الإسلامية في ليبيا والسودان وفاس، أو ما يسمى تطوير الأزهر” (ص:321 ).
ستبقى القدس الشمعة المضيئة في عتمة الامة
فعلاً لقد سقطت فعلاً حضارة المسلمين منذ قرون! ولم يشفع للمسلمين اسلامهم، لأنها فقدت “فاعلية المسلم” كما يقول مالك بن نبي رحمه الله، وسقط بها كيانهم السياسي منذ أكثر من نصف قرن جزاءً وفاقاً من رب عادل. وهو ما أقره العلامة الابراهيمي في مذكراته، بقوله: تالله ما ضاعت فلسطين اليوم، ولكنها ضاعت يوم وُعدوا بها، فركنوا إلى العمل، وركنتم إلى الكلام، بل ضاعت قبل ذلك بقرون، منذ نبت قرن صهيون، فتماريتم بالنذر، ولم تأخذُوا الحذر..” (البشير الابراهيمي؛ الاثار 533/3)
لأن قومنا خالفوا سنن الله التشريعية والاجتماعية والكونية مصداقاً لقوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
لله المشتكى، فمدار الاحداث يؤكد بدايات سورة الاسراء على أرضية واقعنا.. وستبقى القدس الشمعة المضيئة في عتمة فرقة الظلام لتوحد هذه الامة الظالم أهلها.. وشكرا لزعيم الصهيونية العالمية المسمى ترامب – أيام حكمه – على صك منحة توحيد أمتنا لان تحرير الشعوب لا يتم الا بثورة طويلة النفس ، غالية الثمن..
آهاتى وزفراتي ليست صيحة في واد، ونفخة في رماد !!
وبعد كل هذه الآهات والزفرات، فهل من كلام؟ نقول بأمل وثقة في الله، لا يداخلها شك” رب ضارة نافعة” !! وحق بعدها للمغرضين من الذين يعنيهم مقالي هذا أن يقولوا ما شاؤوا كعادتهم عن الإسلام ومحنة أرض الاسلام. أما العبد لله فحسبه قول العلامة عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله: “صيحة في واد، ونفخة في رماد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فستأتي غداً بالأوتاد!”، وإن غدا لناضره قريب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين.
أرسل تعليقاً