محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا
تقوم جمعيات الكشافة في ربوع العالم العربي و الغربي باحتفال بيوم في السنة تخليدا لدور الكشافة التربوي والإنساني، وفي الجزائر من جهتها تقوم الكشافة الإسلامية الجزائرية بالاحتفال باليوم الوطني الخاص بها بشكل دوري ومتكرر وسنوي، حيث يتزامن هذا اليوم مع تاريخ استشهاد أول رؤسائها البطل الشهيد محمد بوراس، حيث جاء أخيرا منذ سنة فقط قرار رئاسي لتخصيص يوماً وطنياً للكشافة الإسلامية الجزائرية وهذا بتخصيص اليوم السابع والعشرين من شهر مايو/أيار من كل عام يوماً وطنياً، والذي يعمل هذا اليوم على تعزيز روح العطاء وغرسها في نفوس الأفراد.
معلوم أنه ظهرت قبل ذلك منذ عدة عقود بحوث ودراسات حول أدوات و روافد الثورة الجزائرية المباركة منها العمل الكشفي تحديدا، كما خصصت بعض هذه الدراسات للتأريخ للحركات الوطنية منذ الحرب العالمية الأولى، و تناولت هذه البحوث حركة الأمير خالد (1918-1923) و نجم شمال افريقيا (1926-1936) وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين (1931-1962) و حزب الشعب الجزائري و حركة انتصار الحريات الديمقراطية (1936-1962) وبيان الشعب الجزائري (1942-1962) و الطلبة الجزائريين (1945-1962)، وكان ضمن هذه الدراسات جميعها إشارات للكشافة الإسلامية الجزائرية ودورها في المقاومة و التربية، ونشرت مقالات في بعض المناسبات ولكن لا توجد دراسة تاريخية شاملة كاملة، حسب ما ذكره المرحوم الدكتور بوعمران الشيخ في كتاب “الكشافة الإسلامية الجزائرية ( 1935-1955)”، أين استطاع جمع بعض ما نشر في تلك الفترة عن الحركة الكشفية، مذكرا على ضرورة العمل على جمع تراثها والاستفادة منها، وما واجهها من عوائق أثناء الثورة وبعدها، لا لشيء الا لأن الكشافة الإسلامية في الجزائر، تعد مدرسة تربوية وطنية يعترف الجميع بأهميتها في تكوين الشبيبة، و يمكن القول أنها تمثل في بلادنا مع حركة الطلبة، المنظمة الأساسية الوحيدة للشبيبة التي مهدت لتأسيس أول أفواج جيش الثورة المباركة قبل اندلاعها بعقد أو تزيد، و هذا الذي ذهب اليه المرشد العام للكشافة الإسلامية في أربعينات القرن الماضي، شيخنا العلامة الشيخ محمود بوزوزو رحمه الله، مع بداية تأسيسها، حيث نقرأ في صفحات كتاب «الكشافة الإسلامية الجزائرية» الصادر سنة 2007م، والذي أعدّه وأشرف عليه الدكتور أبو عمران الشيخ بمعية الأستاذ محمد جيجلي، وردت فيه مقالات قيّمة حرّرها الأستاذ محمود بوزوزو حول الكشافة الإسلامية سنة 1946م. وهناك رسائل شخصية أرسلها الأستاذ محمود بوزوزو لصديقه الشيخ المهدي البوعبدلي، خلال سنوات عديدة قبل الاستقلال، منها رسالة مطوّلة ذكر فيها معلومات هامة حول محنته في المغرب، مشيرا فيها أيضا إلى وصول بعض الانتهازيين إلى قيادة الثورة، لم يعرفوا دوره الرائد في زرع الوعي السياسي الوطني، وتحت عنوان ” من توجيهات المرشد العام لجامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية،” الذي تولى هذه المهمة سنة 1946، في الصفحات 223-234، معرفا بمصطلحات أساسية في العمل الكشفي وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي وما ينص عليها الشرع الحكيم، لِم لا وهو الإعلامي والامام الذي تتلمذ في مدرسة الشيخين ابن باديس و الابراهيمي، حيث يعرف في مقدمة المقال مصطلح الارشاد أو التربية الدينية، مستعملا نفس تساؤل معلمه بن باديس ردا على سؤال ” لمن أعيش؟
“فيرد بقوله: أعيش للإسلام والجزائر، قد يقول قائل: إنّ هذا ضيق في النظر، وتعصّب للنفس، وقصور في العمل، وتقصير في النفع. فليس الإسلام وحده دينًا للبشرية، ولا الجزائر وحدها وطن الإنسان، ولأوطان الإنسانية كلها حق على كل واحد من أبناء الإنسانية، ولكل دين من أديانها حقه من الاحترام. ”
من جهته يتساءل الشيخ بوزوزو المرشد العام للكشافة الإسلامية، بقول: ” ماذا نعني بكلمة الارشاد؟ ثم يستطرد بقوله: “يظن البعض أن الارشاد تعليم عقائدي للدين بطريقة مدرسية، أي تعليم النشء آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وإقامة الصلاة. ويظن البعض الاخر أنه إلقاء خطب ومواعظ دينية، ودروس حول حياة الرسول (ص)، وإنجازات العلماء! و كلا الفريقين بعيد عن الجادة، فهما يعلمان الدين ولا يربيان الروح والخلق، فالإرشاد هو صوغ روح و بث فكرة وخلق حياة نفسية داخل الطفل، كل ذلك بإحياء الضمير الخلقي فيه.. إن الذين يفهمون الارشاد بهذا المعنى يوشكون يؤدوا دور مدرس لا مرشد، و هذا الفهم الخاطئ لا يمكن أن يعطي ثمارا طيبة، و قد دلّت التجربة على ذلك باستمرار، فكم من مسلم رأيناه يعرف جيدا مبادئ الإسلام لكنه يهمل واجباته نحو الله والعباد، لأنه تلقى تعليما و لم يتلق تربية!! ”
ضرورة الارشاد في صفوف الكشافة
ثم ينطلق في التعريف بضرورة الارشاد في صفوف الكشافة، معرجا على بعض مواد القانون الكشفي، منها:
1- إن المادتين (الثانية و السادسة) اللتين تذكران الله وتوصيان بالوفاء له، فكيف يمكن الوفاء لله بغير دين؟
2- قائلا:” يأمر العهد الكشفي بطاعة الله ( وهذه الفقرة لا تحتاج منا الى تفسير).
3- إن النشأ الذي تعهدنا بتربيته ينتمي الى شعب متمسك بالإسلام تمسكا بليغا ولا حق لنا أن نهمل هذا الارتباط.
4- يجب أن نبقى أوفياء لمبادئ بادل بأول الذي أراد محاربة اللادينية بواسطة الكشافة .
5- إن الاسم الذي اخترناه وهو ” الكشافة الإسلامية الجزائرية”، ينفي كل فكرة لادينية، و يدل على أن حركتنا ذات عقيدة وطيدة الا وهي الإسلام.
6- توظيف جامعتنا للمرشدين دليل ملموس على ارتباطنا بالإسلام.
7- وفي الأخير لقد برهن ديننا الإسلامي على صلاحه، والتاريخ شاهد على عظمته، فكم أخرج من رجال و نساء من الجاهلية ومن الظلمات الى النور ..
منابع الارشاد ودور المرشدين والمرشدات:
ثم خصص فصلا كاملا عن ” منابع الارشاد” قائلا:” تستلهم الارشاد من القرآن والحديث وسيرة الصحابة، ثم من كل ما بني عليه الإسلام من حسن معاملة وعظمة..”.. مضيفا بقوله” يظن بعض المسلمين اليوم أن إسلامهم يتم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وكفى، فإنهم مخطئون..”
ثم شرح دور المرشد في محاور منها: المرشد والتقنية الكشفية، مسؤولية المرشد، مع تقييم للحالة الراهنة والمقبلة للإرشاد، مذيلة بالإنجازات واستشراف المستقبل، دون أن ينسى توجيهات خاصة للفتيات الكشافات، مبرزا دور المرأة في الإسلام.
وتـُعنى مسؤولية المرشد العام بالتكوين التربوي والخلقي للكشـّاف، في حين يتولى القائد العام المهام التقنية والإدارية للكشافة.
المرشد العام شخصية جمعت بين النضال السياسي والفكري
من خلال هذا السرد اليسير من توجيهات أول مرشد عام للكشافة الإسلامية، نلاحظ أن الامام العلامة محمود بوزوزو شخصية من الشخصيات التي جمعت بين النضال السياسي والفكري، وخاض معركة النضال والتجاوب مع الحركة الوطنية بالتأييد والقلم من خلال نشاطه في الصحافة المتنوعة، وجمع بين استيعابه وفهمه للأحداث وقدرته على التنظيم من خلال انخراطه في الكشافة الإسلامية ثم قيادته لها، أعطى للكشافة مفاهيم وقيم إنسانية واتخذها وسيلة للتربية وغرس الروح الوطنية بين الناشئة. وكانت شخصيته المتنقلة بين ربوع الوطن لطلب العلم والرزق ونبوغه في الكشافة وعلاقاته الوثيقة مع الإصلاحيين والتيار الاستقلالي أن صقل منه مناضلًا متفتحًا واسع الثقافة والأفق قريبًا من الجميع، تجسدت هذه الملامح في القيم التي حملها، والقلم الذي استوعب الواقع الوطني والمغاربي، ساعيًا لكل المشاريع الوحدوية وتوحيد الجهود لبناء الفرد فكريًا وسياسيًا. وقد كلفته مواقفه الوطنية الكثير من الأذى: السجن والتعذيب ثم النفي في منتصف الخمسينيات (1955)، فهاجر إلى المغرب الأقصى، ثم إلى أوروبا حيث أقام في عدة مدن حتى استقر به الأمر في مدينة جنيف التي نذر نفسه بها لخدمة الجالية الإسلامية وتعليم اللغة العربية والتعريف بالإسلام دينًا وحضارة.
….صاحب نشيد” أأرض الجزائر، يا أمنا”، وديوان ثري ينم عن ملكة شعرية خصبة
كما كانت للشيخ بوزوزو ملكة شعرية قوية خصبة، وقد نشر بعض أشعاره ابتداءً من إعلان الحرب العالمية الثانية سنة 1939م حين طلب الفرنسيون من المسلمين الجزائريين أن يتطوّعوا في الجيش الفرنسي، كان مطلع قصيدة له في هذا الشأن
رأيت جنود المسلمين تأهبـــوا *** إلى غزوة ليســـت إلى الله تنســب
فقلت لجنديّ مررت به ضحى *** بعيشك اخبرنـــي إلى أين تذهـــب
أأنت امرئ مثل الأحرار مدافع *** عن المثل العليــــا إذن لك مذهـــب
وإن لم تكن من هؤلاء آدميــة *** بها الغرب يلهو كيف شاء ويلعـب
كما أنشد أيضا العلامة محمود بوزوزو يقول في أحد أشعاره، التي مطلعها ” أأرض الجزائر، يا أمنا” التي كان يحفظها جل شباب الجزائر، قبيل وبعد الاستقلال، وينطقونها خطأ” (يا) أرض الجزائر، يا أمنا”، والتي لحنها الملحن المبدع الجزائري المرحوم عبد الرحمان عزيز (المصدر: أناشيد وطنية، من إعداد المتحف الوطني للمجاهد، وزارة المجاهدين، الجزائر2002)
أأرضَ الجزائر يا أمَّنا *** علوُّك للمجد كل المُنى
فحبّك يلهج في دمِنا *** أحقُّ بأرواحنا أمُّنا
نعاهدْ على دفعِ كلِّ بَل *** عن الأمّ بالمُهَج الغالية
حياة الشعوب بشُبّانها *** ونحن لشعبنا شُبّانه
لنا همّةٌ سوف نعلو بها *** إلى أن يعمّ الورى شأنه
ويجني العُلا من أراد العُلا *** كذا قضت الهمّة العالية
فعُقْبَةُ في المجد كمْ ضربا *** مثال الوفا، والفدا، والإبا
وطارق نحو العُلا وثبا *** بإجادنا أسدًا أغلبا
وفي عروقنا دم أجدادِنا *** يهيب بهمّتنا العالية
هُمُ زيّنوا الذكر بالشرف *** وزانوا جبينهم بالذهب
ونحن نُشيد ولا نكتفي *** بكان جُدودي، وكان أبي
لنا همّة سوف نعلو بها *** كذا قضت الهمّة
أرسل تعليقاً