(كتبت هذا النص ردا على الداعية السعودي سعيد بن فروة الذي وصف كل من يسمح لابنته بدراسة الطب والصيدلة بالمجرم).
أنت أول شخص يتجرأ ليلقب أبي بالمجرم يا فضيلة الشيخ! لكن لعلك محق، لعلني لم أعرف أبي كما عرفته أنت!! ولعلني أعرفه أفضل منك ولم أنتبه لجرائمه كما يجب!!
أجل سمِّ أبي مجرما لأنه كان يخبرني منذ طفولتي كم أن خزانتي ينقصها اللون الأبيض!! كم أنه يتمنى رؤيتي أصلح قلبا أفسدته العصبية الزائدة أو هموم الحياة… أن أعيد يد مهندس إلى مسطرته وقلمه بعد أن شلت… أن أنير المصابيح في عين كانت ترى بضوء الشموع، أو أن أسهر ليلة أو اثنتين لأتأكد أن ملكا من ملائكة الرحمن قد نام دونما ألم!!
سمِّ أبي مجرما لأنه كان يحمسني لأجمع الإسفلت والحجارة تحت قدمي وأبتغي به طريقا بينا في لحظات القتور التي عصفت بطريقي!! لأنه كان يقتطع غصنا تلو آخر من شجر إرادته ليغرسه في جوفي كلما ماتت شجرتي، حتى بات في داخلي بستان من الأشجار الميتة يجاوره بستان وافر الظلال..
سمِّه مجرما لأنه لم يتردد يوما في أن يسمح لي بمغادرة خليتنا الصغيرة، كي أعود بما علمته ولم أعلمه، من حين لآخر، وأتأمل تفاصيل عينه المحمرة أو قدمه المتورمة و أجيب في تردد: لا لم ندرس هذا بعد!!
سمِّه مجرما لأن عينه الضعيفة ترى الجامعة محل علم، و لأنه يفتقر إلى بصيرتكم الواعية التي تراها محل مجون!!
سمِّه مجرما لأنه آمن بقدرتي على أن أصنع بنفسي سلمي نحو العلو!!
سمِّه مجرما لأنه لم يضعني يوما على الهامش، سمه مجرما لأنه لا يخجل أن يفتتح باسمي مقدمة طموحاته ولا أن يعنون الفصول باسمي أيضا!!
سمِّه مجرما لأنه يرى فيَّ هضبة لا تقل عن الجبل صلابة ولا ارتفاعا! وأن الناس إنما أخطأوا تقدير الاثنين لأنهم أخطأوا زاوية النظر!
سمِّه مجرما لأنه يدرك أن الكتاب مذكر ولكن المكتبة مؤنث…
سمِّه مجرما لأنه يرى أن أرضية المستشفى دون نقر رقيق للفراشات أرض جرداء، وأن رائحة الإيدوفورم بداخله دون رائحة الورد هي أقرب إلى رائحة المقابر!
سمِّه مجرما لأنه ذاته اختار أن يقوم بتدريس بنات مئات المجرمين أمثاله!
أفلا أخبرك عن جرائمه الأخرى؟
أبي مجرم لأنه يرى في مصافحة متسول و ملأ صجن وإسناد جدار مشرد حبا لله أكبر مما يراه في سواك وقميص!
مجرم لأنه يرى أن الصلاة خلف أمثالكم لا تقربه من الله زلفى!
مجرم لأنه لا يطيق المكيال الذي تزنون به الإسلام، لا يطيق قصر ألسنتكم عن وعظ الظلمة، ولا يطيق تطاولها لقمع أعمدة المجتمع !
مجرم لأنه يمقت سادتكم وكبرائكم، ولا يرضى أن يضل معكم لأنهم قد أضلوكم السبيل وزدتوهم أنتم ضلالا!!
مجرم لأنه يبغض تجارتكم ولا يشتري أقمشتكم!
سمِّه مجرما لأن صلاحك وتقواك، يا أدام الله فضلك، يخولانك إنزال كل إنسان منزلته!
أجل أبي مجرم، تزوج مجرمة وأنجب ثلاث مجرمين يحملون جميعهم نفس أفكاره ومبادئه! مجرم وورثني جينات الجريمة!
أوقفه عند حده إذن يا فضيلة الشيخ! أعط مكافأة لمن يقبض على فكره حيا أو ميتا! وكِّل مبادئه إلى أعتى جلاديك! أعدم عقيدته شنقا أمام الملأ إن استطعت، ولنرى كم مجرما يتبقى لديك لتحاربه!
سمِّه مجرما أجل، ولكن لتعلم، أن ما تراه عيناك إجراما، تراه عيناي أقصى درجات الفضيلة!
سلسبيل شادلي (سنة ثانية طب)
سبتمبر 2017 الجزائر