حـوار مع ممثل رابطة العالم الإسلامي بالأمم المتحدة سعادة السفير أحمد بياري
يلاحظ الدارس العادي للجغرافيا وتاريخ الأمم أن أكثر من ثلث المسلمين يعيشون اليوم في بلاد غير إسلامية، وتنتشر بينهم جملة من الأفكار ورثوها من تراثنا الإسلامي الزاخر، لكن بعضها كان متأثراً بظروف الأمة التاريخية، ويحتاج اليوم إلى الكثير من النقد والتصحيح، حتى يكون منسجماً مع المبادئ الشرعية الثابتة. فلقد جاء المسلمون من بلادهم بتراث متنوع وهائل جداً، فيه من الإسلام النقي الشيء الكثير، ولكن فيه أيضاً الشيء الكثير مما ورثناه عن أجدادنا من عصور التعصّب والتخلّف، بل فيها من المواقف والمشاعر والأفكار التي لا تعبّر عن الإسلام في هذا العصر. وقد تكون مفيدة في وقتها ومناسبة له، لكنها لا يمكن أن تكون صورة الإسلام في هذا العصر، ومع ذلك حملها بعضنا في قلوبهم وعقولهم إلى هذه البلاد وهم يظنون أنها جزء من الإسلام لا ينفكّ عنه، بينما هي في الحقيقة جزء من تاريخنا لا غير، وإذا كانت مقبولة من أجيال الأمّة السابقة، فليس حتماً علينا أن نقبلها في هذا العصر، اللهمّ إلاّ لو كانت من ثوابت الإسلام القاطعة، وأنّى لها أن تكون؟
واليوم يعيش بعضنا فعلا أزمة فكرية شديدة ناتجة عن قناعتهم بكثير من الأفكار التي تلقّوها في بلادهم الإسلامية، والتي تتعارض تماماً مع ظروفهم الجديدة في ديار الغرب، ومع مصالحهم الآنية. وقد حصل الكثير منهم على جنسية تلك البلاد فلم يعد من السهل مطالبتهم بالرجوع إلى بلادهم. كما أنّ الكثير منهم أصبح يقيم هناك بشكل دائم لسبب أو لآخر. فضلاً عن أنّ كثيراً من أبناء الغرب الأصليين قد اهتدوا للإسلام، وليس من المعقول أن نطالبهم بترك أوطانهم في ظروف الحرية التي يتمتّعون بها هناك. واضعين في الحسبان أن المسلم جزء من أمّته الإسلامية، وعلى هذا الأساس فمن الطبيعي أن يفكّر بمشاكلها، وأن يشعر بهمومها وأحزانها، وأن يتفاعل معها.
وجميع هؤلاء بحاجة إلى ثقافة إسلامية أصيلة تنظّم عيشهم في مجتمعات غير إسلامية خاصة منهم الإمام الداعية.. إذ لا شكَّ أن الداعية إلى الله تعالى لا يكون ناجحًا موفقًا مسددًا في دعوته إلا بإخلاص عمله كله لله، وباتباعه لنهج رسول الله (ص) في كل أموره وفق مبدأ الوسطية المعروف “لا إفراط ولا تفريط”. ولا ريب أن معرفة الداعية للمقوِّمات التي تجعله ناجحًا في دعوته في محيطه ببلاد الغرب من أهم المهمّات وأصعبها؛ لأن نجاح دعوته، تتفرّع منه جميع المقوِّمات.
وموضوع “الدعوة في الغرب” والتعريف بسماحة الإسلام في دياره مهم جدًا، ينبغي أن يُبيَّن ويُبرز من قبل المهتمين في سبيل نشر هذا الدين، وإيصاله للناس بالوسائل والطرق النافعة المشروعة المواكبة للعصر.
فالداعية في بلاد الغرب يعمل في ميدان فسيح ومتشابك، ويرتبط بإدارات وهيئات وبيئات مختلفة، ولكل واحدةٍ منها تكاليفُ ومهامُّ قد تصل إلى حدِّ التناقض والتنافر مظهريا في بعض الأحيان كموضوع المساهمة في قبول الآخر وفق مبدأ نبيل ” متساوون و مختلفون” – متساوون في الحقوق والواجبات ومختلفون في الثقافات و الديانات، ومواضيع “التقريب بين الأديان” والتعامل مع السلطات في ملفات التربية والتعليم و السجون والمستشفيات والجنائز.. وهو مع ذلك – أي الداعية- مسؤول عن تطويرِ الميدان الدعوي، ومكلَّفٌ بعلاج حالات القصور، يُضاف لهذا وجوب تبنيَ علاقات إيجابية طبيعية وسلسة مع المجتمع المدني من جهة والهيئات الديبلوماسية والجالية المسلمة متعددة الجنسيات واللغات من جهة أخرى، وأن تكونَ الدعوة أداة وحلقة وصلٍ فيما بين الطرفين، مع حاجتها المستمرة في ذات الوقت لتنمية وتطوير مستوى أدائها “الإعلامي التنويري التبشيري” في المجتمع والمحيط؛ ليكون الداعية أو الإمام أهلاً للمسؤولية المنوطة به ، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة..
في هذا الإطار وعلى هامش الندوة التي أشرف عليها الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي في جنيف بسويسرا والخاصة بالأئمة والدعاة ومدراء المراكز، وبعد نشر حوارنا في ذات الموضوع مع الدكتور هشام أبو ميزر رئيس فدرالية المنظمات الاسلامية بسويسرا (البصائر عدد717 ص: 12-13)، نرحب اليوم بسعادة المدير العام للمؤسسة الثقافية الإسلامية و ممثل رابطة العالم الإسلامي بالأمم المتحدة سعادة السفير السعودي أحمد بياري ..
الحـوار
مرحبا بكم دكتور أحمد ، بداية لو تكرمتم بتقديم نبذة عن شخصكم الكريم؟
و بكم مرحبا .. أنا من مواليد مكة المكرمة متحصل على بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية من جامعة سنترال ميشيجان في الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك على ماجستير الشؤون الدولية من جامعة كارلتون أوتاوا في كندا وتحصلت على شهادة دراسة اللغة والأدب الفرنسي من جامعة نيوشتال في سويسرا.
و باختصار شغلت منصب سفير لخادم الحرمين الشريفين في عدة دول منها السنغال وغينيا بيساو وبوركينافاسو وجزر الرأس الأخضر وقائما بالأعمال في سفارة المملكة بكندا وجمهورية جيبوتي وممثلا للسعودية في اللجنة الاقتصادية بهيئة الأمم المتحدة في نيويورك، كما تقلدت عدة مناصب بوزارة الخارجية في المملكة منها مدير عام شؤون الموظفين بوزارة الخارجية وعضو في هيئة التدريس بمعهد الدراسات الدبلوماسية.
وما هي الاقدار التي جعلتك تنحو نحو العمل الدعوي في المؤسسة الثقافية الإسلامية، ذات العمل الدعوي الإنساني الخيري مقارنة مع تخصصكم من جهة ووظيفتكم الديبلوماسية السابقة؟
إرادة الله قبل كل شيء في أن أكون مع الجالية المسلمة في سويسرا وأحمل بعضا من مشاغلها وأسأل الله التوفيق في مهمتي التي أحاول كدبلوماسي أن أوظف خبراتي لخدمة الإسلام والمسلمين مع العلم أن العمل الدبلوماسي فيه جانب من العمل الإنساني خاصة أنني كنت ممثلا للملكة العربية السعودية في الدول التي عملت فيها والمملكة تمدّ يد العون لكل المسلمين في العالم قاطبة.
كيف ساقتكم الأقدار للعمل لرابطة العمل الإسلامي، وهل لكم أن تعرفوا القارئ العربي ببعض الصعاب التي تلقونها في ممارسة العمل الإسلامي في بلد أوروبي، و بخصوصية مثل سويسرا؟
الأقدار يسوقها الله كيف يشاء ورابطة العالم الإسلامي منظمة عريقة وكبيرة ولها أيادي بيضاء في خدمة الإسلام والمسلمين في العالم وأتمني أن يكون وجودي علي رأس أهم مراكزها في أوروبا إضافة نوعية لترسيخ الأهداف العامة التي رسمتها الرابطة في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل وخدمة الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم.
لو تعطوننا نبذة تاريخية موجزة عن المؤسسة الثقافية بجنيف وبعض الإنجازات المحققة في عهدكم بعد أزمة التسيير التي مرت بها؟
قامت المملكة العربية السعودية بأمر من الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله وطيّب الله ثراه بتشييد المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف التي افتتحها الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله وطيّب الله ثراه في تاريخ 25/6/1398 هـ الموافق لـ 1/6/1978 .
يتكون مبنى المؤسسة من مصلى للرجال وآخر للسّيدات بالطابق العلوي وقاعة للمحاضرات ومكتبة وفصول دراسية ومغسل للموتى وثمان غرف مقسمة لثلاث مباني مخصصة للسكن وطابق أرضي كان مستودعا للسيارات تمّت تهيئته مع تزايد الجالية المسلمة حتي يكون مصلى للعيدين واستقبال أكبر عدد ممكن بالملتقيات الثقافية ومطبخ مجهز للمناسبات الخاصة ولوجبات الإفطار بشهر رمضان المبارك.
ومن أهداف المؤسسة إقامة شعائر الدين الإسلامي الحنيف والمحافظة على هوية الأسرة المسلمة وأجيال المستقبل من الذوبان وتعليم أبناء وبنات المسلمين العلوم الشرعية وترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلوبهم وتعليمهم اللغة العربية ونشر الثقافة الإسلامية والرد على الشبهات التي تثار حول الإسلام والمسلمين وتحقيق رسالة المسجد العظيمة بالخطب والمواعظ والمحاضرات وتحفيظ القرآن الكريم والألفة والمحبة بين أبناء المسلمين ونبذ الخلافات بينهم..
كما نحاول التعاون مع جميع المراكز والمؤسسات والجمعيات الإسلامية والثقافية في سويسرا لتحقيق الأهداف الخيرة والنبيلة في خدمة الإسلام والمسلمين.
قبل أن ننتقل لموضوع حوار الأديان، لأن سويسرا متعددة الديانات، حبذ لو تكلمنا عن الحوار الإسلامي/ الإسلامي، في البيت الواحد عند أهل السنة والجماعة، وما هي المذاهب المنتشرة في مؤسستكم ونسبها وتأثيراتها على المجتمع السويسري؟
معروف عن مؤسستنا انتهاجها للمذهب السني ومن يأتي عندنا يلتزم هذا الخيار ولم نلاحظ وجود فرق ومذاهب بين الجالية فالكل يقيم شعائره الدينية بسلام واحترام لبعضنا البعض.
وكيف تتعاملون أنتم كأكبر مؤسسة دينية سويسرية مع بعض الوافدين العرب السنة و حتى من المذاهب الأخرى، إن وجدت، كالشيعة أو الطرق الصوفية وغيرها؟
المسجد مفتوح لكل النّاس ومن يطلب منّا المساعدة نقدمها له في حدود امكانياتنا سواءً بإرشادهم للمكاتب الحكومية المهتمة بالأجانب أو بعض المساعدات المالية المتاحة.
“حوار الأديان” عنوان كبير، و يعد حسب بعض الدارسين من الأمور الواجب أخذها بعين الإعتبار، خاصة في ديار الغرب عموما، فكيف تتعاملون مع الديانات الأخرى كالمسيحية بشقيها و اليهودية و..؟
نلتقي دوريا مع مسؤولي الديانات الأخرى وتربطنا بهم علاقة احترام متبادل ونتحاور دائما فيما ينفع الإنسانية كمحاربة الفقر والجهل وانتشار الجريمة ومعالجة الفكر المتطرف والإرهاب.
ما علاقاتكم بالمنظمات والجامعات الإسلامية في عالمنا العربي و مؤسساتها الدينية الفاعلة كالأزهر الشريف في مصر و المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (الإسيسكو) والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) و جمعية العلماء المسلمين في الجزائر وغيرها؟ وما هي علاقاتكم بالسفراء وممثلي الدول الاسلامية عموما على تعدد لغاتها ومذاهبها في قصر الأمم المتحدة المجاور لكم؟
علاقتنا طيبة مع الجميع، منظمات وجمعيات وسفراء وبعثات نحاول من خلال الإتصال بهم خدمة الجالية المسلمة ونشر الوعي الديني والإحترام المتبادل.
مع تفاقم الإسلاموفوبيا في دول الجوار كفرنسا ما هي التحديات التي تواجهكم كمسلمين أوروبيين، خاصة في تربية وتوعية الأجيال القادمة؟
مع انتشار الإسلاموفوبيا تزيد مسؤوليتنا كمسلمين فهذا شعور الطرف الآخر بالخوف لجهله بحقيقة اسلامنا المعتدل المحب للسلام والتعايش السلمي بين الجميع فجهدنا يجب أن يتضاعف لرفع شبهة الإرهاب والجهل والتخلف العالقة في أذهان البعض عن المسلمين وعملنا يكون مع المسلمين أولا حتى يبرزوا للعالم أحسن ما في ديننا الحنيف : إشاعة السلام والمحبة والخُلُق الحسن واللين في التعامل مع الناس ونشر الكلمة الطيّبة مع الأوروبيين، حتى نبين لهم حقيقة ديننا ونرفع عنه الشبهات والله ولي التوفيق في ذلك.
ظاهرة اعتناق الإسلام في الغرب ظاهرة عامة، فبماذا تتميز سويسرا وهل لكم إحصائيات مشجعة وما هي أسباب اعتناقهم للإسلام عموما؟
تختلف الأسباب في اعتناق الإسلام وهي قبل كل شيء هداية من الله سبحانه وتعالى ونتيجة لبحث متواصل عند العديد منهم ممن جرّب الأديان الأخرى وجرّب حتى الكفر ووجد سعادته وراحته في الإسلام فهنيئا لهم . أما العدد فهو يتراوح بين الثلاثين والأربعين معتنقا للإسلام سنويا بفضل الله، ويلتحقون جلهم بالدروس الأسبوعية التي تنظمها المؤسسة لمعتنقي الإسلام لتوجيههم وتعليمهم أصول دينهم خاصة الصلاة.
أشرفتم مع معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أخيرا على لقاء هام للأئمة والدعاة ومدراء المراكز الإسلامية السويسرية، ما هي النتائج التي خرجتم بها، والمشاريع المستقبلية؟
لقاء معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بالأئمة والدعاة ورؤساء المراكز الإسلامية كان هدفه توحيد جهود المسلمين والتنسيق بينهم خدمة للإسلام والمسلمين وحتى نكون جسدا واحدا متآلفا متماسكا. ومن ابرز ما خرجنا به في هذا اللقاء المبارك بعد طرح الصعوبات وعوائق العمل الإسلامي في سويسرا هو العمل علي تكوين هيئة تنسيقية لتوحيد جهود الجميع والإستفادة من خبرات بعضنا حتى نتقدم بالجالية المسلمة نحو الأفضل بإذن الله.
كلمة ختامية؟
شكرا لهذا اللقاء وأسأل الله لكم التوفيق والسداد..
جزاكم الله خيرا.
تعليقان
عجب لهذه المقالات!!!
[b]قرأت فقط مقدمة الحوار فوجدته مملوءا بالمغالطات
لم تكن الجالية في أوروبا تحمل ما تسمونها باﻷفكار التي تصفونها بالتراث الذي ‘ورثناه عن أجدادنا من عصور التعصّب والتخلّف’ : هل أنتم جادين أم أنكم تستفزون مشاعر القارئ فقط؟
منذ قرنين و الأمة منهزمة نفسيا و فكريا و عقديا ترى الإسلام بعيون غيرها من أعدائها، أمة كانت غالبيتها إلى زمن قريب ﻻ تصلي و ﻻ تعرف ألف باء هذا الدين.
ثم لمّا عاد الناس و الشباب خاصة إلى الرشد اهتزت دوائر صناع القرار في الغرب و هذا يفسر الحملة الشرسة ضد مفاهيم الاسلام اليوم
إن كراهية الإسلام ﻻ تنتج عن جهل بخلاف ما تدعونه بل عن علم و خيار و بينة فقد درسوا الإسلام قرونا و قرونا و منهم من يفقه العربية و أصول الدين أكثر ممن يدعي الاعتدال و الوسطية من منهزمي بني جلدتنا و ما لويس ماسينيو و ليون روش و جاك برك و دينيز ماسون و …عنكم ببعيد
كل عباراتكم تدل دﻻلة قاطعة عن رغبة في بث فكر عصرنة الإسلام أو عصرنة مفاهيم الإسلام و هي الأرضية النظرية للعلمانية ﻻ أقل و ﻻ اكثر
من المؤسف أن نرى من كان يزعم الانتماء إلى المشروع الإسلامي يأتي بترديد هذه الشنشة القديمة التي نعرفها من عقود انهيار المجتمعات المسلمة أمام الحملة الإستعمارية الفكرية منها قبل العسكرية
هذا الخطاب الانهزامي السكير(سكرة و عقدة الاستصغار) ولى عليه الزمن يا صاحب المقال و الشباب اليوم انتفضوا، جيل جديد متيقن تماما أن سبب كل المأسات و الذل هو انحرافنا عن ديننا و أن الخلاص يكمن في الرجوع إلى ما كان عليه )الرسول(ص) و صحابة (ر) وليس ‘تحجرنا و تشددنا’ كما تزعمون بلا خجل!!! [/b]
رد فعل فارغ !
رد فعل بعيد كل البعد عن الموضوع ،فارغ من كل تحليل وخال من كل موضوعية.
و قد إعتدناه وللأسف في كثير من المنتديات.
وهذا المستوى الضعيف لا يسمح بأي نوع من الحوار و التبادل الفكري المفيد.
رد فعل كهذا زاد في مصداقية الموضوع وشدد على أهميته.