في عز هذه الأحادية القطبية الغاشمة يتجلى مصطلح “الإرهاب” و مشتقاته ككلمة ذات مفاهيم سحرية تمثل المكون الرئيسي الخام الذي يطبخ به الغرب كل طبخة سامة ضد هذه الأمة، فإذا ما قصى حاكم عربي عن قطيع الحكام العملاء وُصف بالإرهاب أو بدعمه فبُدد حكمه و خُرب عرشه، و إذا ثار شعب على أحد الحكام الظلمة الفجرة العملاء وُصف قادة ثورته بالإرهابيين و رمي بهم في السجون و المعتقلات و القبور. غير أن هذا أصبح هذه الأيام أهون، لأن البلاء إذا عم هان. ما يحدث اليوم شيء آخر تماما، و هو قمة الإرهاب الممنهج المنظم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
الجيش السوري حامي الديار أقوى قوة عسكرية عربية مناهضة للتطبيع و حاملة لواء المقاومة و الممانعة يقاتل الشعب السوري “الإرهابي”، و جيش الكيان الصهيوني و هو أكبر قوة عسكرية تكنولوجية في الشرق الأوسط يحارب الشعب الفلسطيني “الإرهابي”، و الجيش المصري أكبر قوة عربية و خير أجناد الأرض يقاتل الشعب المصري “الإرهابي”.
الأحادية (الإلحادية) القطبية الإرهابية الأمريكية جاءت بالعولمة النمطية في كل شيء حتى في الدين الذي صاغته لنا إسلاما على مقاسها و وفق هواها لا علاقة له بما جاء به محمد (ص)، و فرضت ما نأكله و كيف نأكله، بل علمتنا حتى كيف نلبس، و ما يلبس الذكر من سراويل تزداد نزولا يوما بعد الآخر حسب مدى تقدم درجة تحضر هذا الذكر توازيا مع “تنانير” تزداد صعودا حسب مدى تقدم درجة تحضر الأنثى، و نست بل تناست، والحقيقة تعمدت ألا تصف لنا – كما عودتنا- ما هو الإرهاب ليظل الكلمة السحرية التي تشهرها في وجه كل لا يكون على هواها.
إن الإمبريالية الاستعلائية بمكونيها (صهيونية/صليبية) و عملائها من المسلمين (عرب/عجم) فاتهم جميعا أنهم بسلوكاتهم فسروا أحسن و أجلى تفسير للإرهاب من خلال تعاطيهم مع الشعوب الإسلامية بهذا النحو. ففضلا عن كون إرادة الشعوب لا تقهر لأنها من إرادة الله الذي هو ناصرها لأنها مظلومة، و قد وعد تبارك و تعالى بذلكن و صدق وعده الصادق في أكثر محطة انتصرت فيها شعوب مستضعفة على قوى جبارة فتاكة فقط لأنها مظلومة بغض النظر عن عقيدتها و تلك هي العدالة الإلهية.
عندما نشاهد بأم الأعين قتلا و تدميرا بكل و بأفتك الأسلحة المسلطة على الشعوب العزلاء في سوريا و مصر بسادية و غل، ثم يقال إن ذلك الإرهاب الهمجي الوحشي يندرج ضمن إطار مكافحة الإرهاب تنتفي أي علامة استفهام بشأن تعريف ماهية الإرهاب. فالإرهاب الحقيقي هو الذي تمارسه الأنظمة العربية و ترعاه الصهيونية و الصليبية بالتواطؤ السافر و الإيعاز الخفي الماكر. و إذا أصر الغرب و عملاؤه على أن ذلك مكافحة لإرهاب تقوده “أسماء البلتاجي” في مصر و ينفذه رُضع “الغوطة” في سورية، كما كان يقوده من قبل “محمد الدرة” في الضفة (رحمهم الله جميعا)، لابدّ أن يعتذر كل مسلم بل شريف على الأرض لهؤلاء الإرهابيين لتخلفه عن المشاركة في شرف هذا الإرهاب.
إنهم لم يكتفوا بأن يدعموا الجلاد و يجلدوا الضحايا، فراحوا يصفون “العين” بالإرهابية لأنها أطرفت بلا قصد حينما فقأها مخرز الإرهاب الدولي و عملائه العرب، إنهم يعاقبون المستضعفين نفسيا و معنويا و روحيا حتى على الفطرة الطبيعية التي خلقهم الله عليها، كأنهم يريدون محاكمة لا تختلف عن أسلوب محاكم التفتيش للضحايا بتهمة أن دماءهم لطخت “البزة” النظامية لقاتليهم من الجيش و الشرطة.
ألم يعلموا – و هم أكثر علما منا- بأن بيولوجية جسم الإنسان بفطرتها تقاوم و تمانع كل جرثومة دخيلة، و تتحمل أثناء مقاومتها الحمى و السهر و تضحي بكرياتها البيض، لأن الله جهزها بجهاز مناعة؟؟ إنهم لا يريدون لجسم الأمة العربية الإسلامية أن يكون جسما عليلا فاقدا للمناعة كمصاب بالايدز – عفانا الله و إياكم- فحسب، بل يريدون أن تكون الفيروسات هي أصل هذا الجسم و مكوناته الرئيسية من أمثال إعلام مصر و فنانيها، أما الكريات البيض المقاومة الشريفة فهي الدخيلة الواجب القضاء عليها.
عبد الله الرافعي
22 سبتمبر 2013