أذهلت المشاهد المأساوية والغير المتوقعة كل المتتبعين للحدث المصري، حيث تحولت فجأة قوات الأمن مصرية المدعومة بذراعها السري البلطجية إلى وحوش آدمية عبرت عن كامل وحشيتها وهمجيتها وتعطشها للدماء فقامت وبكل برودة وبسبق إصرار وترصد مسبوقا وبكل وقاحة بإعلان نيتها عن جريمتها، باغتيال وقتل العشرات من المواطنين المصريين المحتجين السلميين في رابعة العدوية وهذا بإطلاق النار عليهم عن قرب واستهداف الراس والصدر مباشرة كمن نظم رحلة صيد ويتباهى بعدد الطرائد والضحايا…
والمحبط أكثر هو السكوت المتواطئ عن هذه الجريمة ضد الانسانية لحكومات الدول الغربية الديمقراطية بسبب الحسابات الاستراتيجة والمنفعية الضيقة وخوفها من انتشار المد الديمقراطي إلى مناطق مخازنها واحتياطاتها البترولية أو مايسمى دول الخليج العربي، وكذلك هو حال الكثير ممن يشكلون ما يسمى بالطبقة المثقفة المصرية من شخصيات وصحافيين أو النخب السياسية بمختلف توجهاتها تحت مبررات مختلفة واهية ومضحكة.
إن هذا الانقلاب العسكري على الشرعية الانتخابية والديمقراطية والجرائم الخطيرة العلنية ضد الانسانية في مصر في كل من منصة رابعة العدوية ومسجد القائد ابراهيم وقبله الحرس الجمهوري والتكالب على الديمقراطية والشرعية في تكرار لسيناريو الانقلاب العسكري في الجزائر على الشرعية الديمقراطية منذ واحد وعشرين عاما، يدعونا للتساؤل عن ماذا بقي من الامل الذي احياه ما سمي بالربيع العربي في شعوب شمال إفريقيا والشرق الاوسط. هذا الربيع العربي الذي اشعله غضب وثورة “البوعزيزي” على الظلم منذ عامين في تونس والذي جعلنا نظن وبكل سذاجة لفترة من الزمان أن قد تخلصنا من الدكتاتوريات المطلقة وحكم العسكر القامع للحريات وللابد، وأحيت الامل في غد افضل خاصة للاجيال القادمة.
إن مايجري في مصر يشكل منعرجا تاريخيا لتحول شعوب المنطقة كلها للديمقراطية، فإذا لم يقف جميع المواطنين متخطين للحدود الجغرافية والاختلافات الاديولوجية في كل دول المنطقة ضد الانقلاب العسكري ويدينوه بكل حزم بمختلف الوسائل، فسيكون التقهقر والانتكاسة والعودة عقود إلى الوراء وإلى الماضي المظلم والحكم الديكتاتوري العسكري المطلق، وفي حالة استرجاع الشرعية الانتخابية والديمقراطية في مصر سيكون دفعا عظيما للتحول الديمقراطي لكل شعوب ودول شمال إفريقيا والشرق الاوسط.
كمال الدين فخار
31 جويلية 2013