مشاهد الصمود و الإقدام على الشهادة، و حشية القمع التي يواجهها المصريون في الميادين بصدور عارية ملأى بالإيمان – رغم عظمها- و الهبة الشعبية التي ثار خلالها الشعب المصري عن بكرة أبيه ضد كل آليات و أدوات الانقلابيين، كلها ليست بالمفاجئة. حتى أننا إذا قسناها على سلم “شدة الخبر” إعلاميا فإنها لا تندرج إلا ضمن ما هو متوقع. أما الحدث الحقيقي، أو بمعنى أصح الحدثين الأهمين على الإطلاق اللذان بإمكانهما تغيير المعادلة برمتها باعتبارهما أهم نقطتي تحول في تاريخ مصر ما بعد 25 جانفي، هما نقل الثورة على الانقلابيين وتمددها وشموليتها من ميداني رابعة العدوية والنهضة بالعاصمة إلى كل “بيت وحارة شارع”، أو تعبير البائد معمر القذافي ” فرد فرد، بيت بيت،زنقة زنقة…”. والثانية هي ثورة مباركة داخل الثورة نفسها قد تحجبها فظاعة إرهاب الدولة “المباركية – السيسية” الإنقلابية، هي ثورة لا تقل أهمية عن ثورة 25 جانفي. لأن ثورة جانفي كانت تعني لبعض الشرائح والفئات حركة تستهدف إسقاط “حسني باراك” مع الإعتزاز – بل تقديس كوارث اقترفها سلفيه ناصر والسادات- كنكسة جوان 1965 و خيانة “كامب ديفيد” 1978. غير أن الثورة التي انفجرت داخل الثورة هي ثورة الأزاهرة، وما أدراك ما الأزاهرة و الأزهر؟
رغم ما يحسب الناصريون لملهمهم عبد الناصر من انجازات، ورغم ما يحسبه عليه من نكل بهم من خطايا، إلا أن تأميمه للأزهر بعد ثورة 23 جويلية 1952 يعتبر أهم ضربة قاصمة للأمة. لأنها استهدفت أهم مقوماتها ممثلة في هذه المرجعية الروحية التي كانت على الدوام منارة إشعاع ديني ومحرك رئيسي للجهاد منذ انهيار دولة الفاطميين “الروافض” على يد الناصر صلاح الدين رحمه الله. فقد كان محور القوة و المنعة في تاريخ الإسلام و مآثره الجهادية. ولأن الجهاد يقوم على عدتين، جهادية (عسكرية) و إيمانية (دينية)، فإن العلماء الأزاهرة كانوا دوما “المحرضين عليه” والواقفين في الصفوف الأولى في ساح الوغى في كل ملاحم العرب والمسلمين من “حطين” إلى الحملة الفرنسية، مرورا بـ”عين جالوت” وغيرها. ولم يجرؤ قادة عظام من أمثال صلاح الدين وعمه أسد الدين الأيوبيين، ولا “قطز” أو “بيبرس” سلطاني المماليك قاهري التتار، ولا حتى محمد علي باشا أن تكون لهم كلمة فوق كلمة الأزهر إلا بعد أن دجنة ناصر وجعل منه آلية تافهة بيد النظام، رغم أن مكانته عالمية ومكانه مصري. ثم جاء “حسني باراك” فاستثمر في كون شيخ الأزهر ينصب بقرار جمهوري و جعل منه أداة طيعة في خدمة “الصهيوصليبية” من خلال أمثال “الحاخام” الأكبر أحمد الطيب و سلفه طنطاوي.
الأزاهرة ثاروا على “الحاخام” و على الدولة العميقة و على “السيسي” و تخندقوا مع إخوانهم ليحرروا أزهرهم من “الحاخام”، و به تتحرر مصر من “السيسي” و الانقلابيين، وبتلك الحريتين تُفتح الطريق أمام الحرية في باقي بلاد العرب. فإذا حررت لم يعد بين الشعوب العربية والصهاينة من حائل ولا مانع، لأن تحرير فلسطين يمر عبر تحرير باقي البلاد العربية من أنظمة عميلة سادت تزامنا مع قيام الكيان الصهيوني و تاجرت بالقضية الفلسطينية ليستمر بقاءها.
إن معركة المصريين ضد الانقلابيين القتلة هي معركة استرجاع الجيش المصري، إنها ومعركة الأمة برمتها ضد أعدائها، إنها أم المعارك، والدليل أن المصريين ثاروا “فرد فرد،بيت بيت ،زنقة زنقة”
عبد الله الرافعي
14 أوت 2013