كان يكفي أن تتساقط 60 ملم من الأمطار، التي وُصِفت بالطوفانية، لكي تَغرق مدينة بحجم الجزائر العاصمة، والتي يقارب عدد سكانها الخمسة ملايين، في المياه والأوحال.
ولم يكن الوضع بأفضل حال في المدن والقرى المجاورة، التي تقطعت أوصالها هي الأخرى.
لم تتضرر فقط الأحياء الشعبية كباب الواد، والقصبة، ووادي قريش وحسين داي، وإنما كافة أحياء العاصمة، بما فيها تلك التي تأوي الطبقة المخملية، وإن كان الفقراء والمهمشون هم الأكثر تضررا، وهم من يشكل ثلثي أحياء العاصمة، التي تحولت في السنين الأخيرة إلى مدينة تملأها أحياء القصدير والصفيح، بعد أن كانت تُعرَف بالجزائر البيضاء، وعروس البحر، حتى في الزمن الكولونيالي.
كما تحولت الطرقات السريعة المحيطة بالعاصمة الى بِرَكٍ مائية غَرقَت فيها مئات السيارات والحافلات، وشكلت خطرا حقيقيا على سالكيها.
تتساقط الأمطار في كل أنحاء العالم، وأحيانا بكميات هائلة تفوق أضعاف ما تساقط بالأمس في الجزائر، ومع ذلك قَلَّ أن يحدث دمارا مشابها كهذا الذي حدث، وسبب ذلك ببساطة هو الرداءة التي عمت البلاد.
وإذا كنا لا نعرف لحد الآن حجم الأضرار البشرية بالتحديد، والذي لا يُستبعد معه وقوع قتلى وجرحى، فإن الأضرار المادية بادية للعيان، بما فيها المباني المنكوبة والسيارات الغارقة، والتجهيزات المنزلية التالفة.
وإذا كانت المسؤولية المباشرة تقع على مسيري البلديات الذين لا يُقدِمون الحد الأدنى من الخدمات للسكان، فإن المسؤولية، الأكبر والأعظم، تقع على ” نظام ” حكم يُدِير البلاد بعقلية شديدة التخلف، ويُوكل المسؤولية في كافة المستويات الى أسوأ الجزائريين وأقلهم خِبرة وكفاءة وعِلما، ولكنهم الأكثر طاعة وخضوعا وفسادا.
إننا عندما نصرخ بأن الجزائر تغرق، فإننا نعني الغرق بأوسع معانيه. فهي تغرق في حرارة الصيف بانقطاع الكهرباء على كثير من المدن، وتغرق في فصل الشتاء في الأوحال والثلوج، وتغرق في كل وقت في الأوساخ والقاذورات التي تلتهم الشوارع والأحياء، كما أنها تغرق في العنف الإجتماعي، والسلب والنهب، والمخذرات…، وبعبارة أخرى تغرق في كل أنواع الفساد .
لقد ملأت العصابات الحاكمة دنيا الجزائريين بؤسا وخرابا ودمارا فاق في بعض جوانبه ذاك الذي ساد في زمن الإستدمار الفرنسي، وأثبتت أنها لن تتأخر على تحطيم ما تبقى من أرض الشهداء، وتحويل يوميات الناس الى حياة ضنكى بكل معاني الكلمة.
محمد العربي زيتوت
22 ماي 2013