من المتوقع أن يصوت البرلمان البريطاني هذا المساء على ضمان حق المثليين في الزواج، بعد أن كانت قوانين سابقة قد أعترفت للمِثليين بكثير من الحقوق بما فيها الحق في العيش المشترك تحت مُسمى الوحدة المدنية Civil Union.
من المفترض أن يمر هذا القانون رغم الإعتراض الكبير عليه، ليس فقط من طرف أقلية كبيرة داخل البرلمان، ولكن أيضا من جهات متعددة وعلى رأسها الكنيسة الأنجليكانية، وباقي قيادات أهم الديانات، بما فيها المسيحيين، واليهود، والمسلمين، إضافة الى اعتراض قطاع واسع من الشعب البريطاني.
نفس الأمر حدث في فرنسا قبل أسابيع، عندما مررت الأغلبية الإشتراكية وحُلفاءها اليساريون، وحتى بعض المُحافظين، قانُونا مُشابها تماما، يعترف للمِثليين بنفس حقوق الزواج التقليدي، بما فيها أن يصبح لهم أطفال (عن طريق التبني والذين سيُعتبَرون أبناءهم كما هو الحال في الأُسَر الطبيعية).
تمر هذه القوانين في برلمانات أوروبية ” عريقة “، وستمتد الى أكثر البلدان الأوروبية على الرغم من وجود معارضة شعبية كبيرة كما شاهدنا ذلك في شوارع فرنسا في الأشهر الماضية.
ومن الملاحظات ما يمكن اختصاره في:
أولا: لقد انتهى الأمر بالحكومات ” الديموقراطية ” إلى إعطائها حقوق لفِئة من الناس، كانت قبل بِضع عشرات السنين تُجرِم أفعالهم وتُعاقِبهم عليها، بما فيها عقوبات بالسجن.
ثم انتقلت هذه الحكومات لتَعتبِر تلك السلوكيات غير طبيعية ومرَضية (حتى 1973 حسب الإنسكلوبيديا الأمريكية للأمراض العقلية)، وَجَبَ مُعالجتها، لنصل في النهاية إلى ، ليس فقط ” التحرير” الكامل لهذه الممارسات الشاذة – كما فَعَلت من قبل مع ” تحرير ” الجنس التقليدي بين المرأة والرجل – ولكن لتُعطي لهم حقوقا، بل كل حقوق الأسرة الطبيعية.
ثانيا: هذا يعطي مزيدا من قوة الحُجَة للذين ينتقدون حكم البرلمانات الديموقراطية، لأنها لا تُعبر أحيانا عن إرادة الأغلبية الشعبية وهو مناط وجودها، وأيضا لأن نفس البرلمانات التي كانت تُجرِم هذه الأفعال باعتبارها ” سلوكات إجرامية ” تقوم بإنقلاب على نفسها، وتَعتَبِرها طبيعية، وتدخل في إطار “احترام حقوق الإنسان وحرياته”.
ثالثا: أن المُعتَرضِين على الديموقراطية الغربية كثيرا ما اعتبروا أن البرلمانات قد لا تُعَبِر عن رأي الأغلبية الناخبة لها بقدر ما تُعَبِر عن قناعات أعضاء البرلمان ، و الأسوأ أنه أحيانا لا تُعَبِر إلا على أقلية قليلة جدا، ولكنها فاعِلة، ونافذة مثل ما هو لوبي ” المِثلِيين “، وهم الذين لا يُمثِلون إلا ما بين 5 و 10 بالمئة من المجتمع (حسب البلدان) وفق أكثر الإحصاءات دقة.
رابعا: إن هذه القوانين تدعم حُجَة المُعترضين عليها داخل المجتمعات الأخرى ذات الحضارات المختلفة، وهو ما من شأنه أن يعمق خلافات المجتمعات على المستوى العالمي، وتَعَصُبِها ضد بعضها البعض، بحيث تُصبح القضايا ” الشاذة ” هي مثار الجدل والتنازع.
خامسا: إن بعض الحكومات الإستبدادية تجدها فرصة لإقناع شعوبها “أن الديموقراطية شذوذ وخروج عن الطبيعة والدين ، والداعين لها يريدوننا أن نبني مجتمعا للشواذ”.
سادسا: إن كثير من المُتديِنِين، بما فيهم المُعتَدلين جِدًا، يَعتبِرون ذلك كُفرا وفُسوقا، وانحرافا سيُدمر الإنسانية، بل إن حتى بعض الذين لا يؤمنون بالله يَعترِضُون على هذا الأمر بحُجَة أن البشرية ستَفنَى في عقود لو أن كل إنسان قرر أن يتخذ شريكا مُشابها له في الجنس.
الواقع أن الغرب الذي وصل بالمَدنية المادية الى آفاق هائلة غير مسبوقة في حياة البشرية، هو نفسه الذي أضعف الحياة الروحية الى حدود بالغة الخطورة في مسار الإنسانية، بجعله بعض القيم الأخلاقية والروحية مطّاطَة، ومرِنَة ومُتغيِرة الى حد التناقض.
تَجِد البشرية نفسها، في الربع الأول من هذا القرن، أمام تحديات متسارعة، بعضها جديد، وبعضها متجدد، ويَجِد الغرب نفسه، قد بدأت سيطرته، التي انتشرت مع الثورة الصناعية، تتجِه إلى الإضمحلال، خاصة مع الأزمة المالية و الإقتصادية التي تَتَفاقم بشكل يُنذِر بإفلاس دول كبرى كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، على غرار ما حدث لقبرص، واليونان، وإسبانيا.
على الغرب أن يُدرِك أن زمن رِيَادَتِه للعالم قد وَلَّت، وأن مشاركة الحضارات الأخرى ليس مِنَّة منه، ولكنه حق لها، وضرورة لإنقاذ الإنسانية من ضَلَالٍ أسدل خيوطه على البشرية جمعاء.
إن الإسلام الذي اعترف الغرب بماضيه المزدهر، واعترف مؤخرا بأنه يتضمن حلولا إبداعية للأزمات المالية العاصفة، يمكن أن يُساهم بشكل أكبر وأبرز لحل مآسي الإنسانية، وعلى رأسها ذات البُعدِ الإجتماعي والأخلاقي، حيث يمتلك قدرة خلّاقَة للحلول، وحيث الأسرة الطبيعية هي أساس المجتمع وفق قواعد صارمة للزواج.
إن على أبناء الإسلام، أينما كانوا في زمن القرية الواحدة، أن يُبرِزوا الوجوه المشرقة للإسلام الحضاري القادر- مرة أخرى – على فتح آفاق جديدة يَتصَالح فيها العلم والدِّين، العقل والنَّص، الرُّوح والمادة، في اتساق وتناسق وتوافق قل نظيرهم، بعيدا عن التفسيرات المُتخلِفة والمُغالية التي حرمت البشرية من نور الهدى، وجعلتها في كثير من الأحيان تتخذ أهواءها آلهة لها، وتتيه في رحلة شذوذ وعذاب لا تنتهي.
محمد العربي زيتوت
21 ما ي 2013