أعلنت السلطة، عن لسان وزيها للداخلية، عن النتائج العامة للانتخابات التشريعية الأخيرة. وعقب الإعلان سلسلة من ردود فعل بين الارتياح والغضب، كما كانت هناك تعليقات مختلفة وردت في وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية.
لكن لم يطرح أحد السؤال من أين أتى وزير الداخلية بهذه النتائج، أي ما هي مصدر إحصائياته، كما أنها لم تطرح السؤال هل لوزير الداخلية السلطة الشرعية والدستورية ليعلن هو الأول عن نتائج الانتخابات؟
وللإجابة عن هذين السؤالين، نعيد قراءة قانون الانتخابات والدستور اللذين حددا بدقة مصدر جمع النتائج والهيئة المكلفة بالإعلان عنها.
وحسب المادة 98 من قانون الانتخابات، فـإن نتائج الانتخابات التشريعية يضبطها ويعلن عنها المجلس الدستوري في أجل أقصاه 72 ساعة من تاريخ استلام نتائج لجان الدوائر الانتخابية واللجان الانتخابية الولائية والمقيمين بالخارج ويبلغها إلى وزير الداخلية وعند الاقتضاء إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني.
وتؤكد هذه المادة مادة أخرى من قانون الانتخابات وهي المادة 156 التي تجبر اللجان الانتخابية الولائية أو الدوائر الانتخابية أن تنهي أشغلاها خلال 72 ساعة الموالية لاختتام الاقتراع على الأكثر، وتودع محاضرها فورا في ظرف مختوم لدى أمانة ضبط المجلس الدستوري.
وعندما نجمع بين مدة عمل اللجان الانتخابية الولائية والمجلس الدستوري، نجد أن أقصى مدة لإعلان النتائج هي ستة أيام ابتداء من العاشر ماي، أي يوم 16 ماي 2012. ولم يحترم المجلس الدستوري هذا الآجال، رغم أن المادتين باسطتين، توضحان مصدر النتائج ( اللجان الولائية، والدوائر والمقيمين بالخارج) وتحدد آجال إعلان النتائج النهائية وكذا النتائج على مستوى الولاية أو الدائرة الانتخابية. ليومنا هذا لم يعلن المجلس الدستوري عن النتائج النهائية، أي أن المجلس الدستوري خرق قانون الانتخابات، لأن قائمة الفائزين في هذه الانتخابات لا تزال مجهولة ولم يعلن عنها المجلس الدستوري.
وكما توضحه المادة القانونية المذكورة سابقا، فـإن المجلس الدستوري هو من يبلغ وزير الداخلية بالنتائج وليس العكس كما قامت به السلطة خرقا لنفس القانون. ولدى، فـإن النتائج المعلن عنها من طرف وزير الداخلية غير شرعية وهي ملغاة قانونا. وهذه النتائج هي مصطنعة مسبقا، وهي مزورة ولا تعبر عن النتائج الحقيقية.
ولهذا، فـإن السلطة، عن لسان وزير الداخلية، اصطنعت النتائج واستولت على سلطة المجلس الدستوري بـإعلانها عن نتائج مزورة، واضعة نفسها في مأزق وكل الناس أمام الأمر الواقع، ليؤمن الجميع أنها النتائج الحقيقية للانتخابات، الموصوفة بالمؤقتة قبل تزكيتها من طرف المجلس الدستوري الذي سوف يصادق عنها وتصبح النتائج المزورة هي النتائج الحقيقية، أي أن تنظيم الانتخابات كانت قناع وحجاب لتغليط كل الناس في الداخل والخارج.
ولأن النتائج محددة مسبقة وليس ناتجة عن الإرادة السيدة للشعب الجزائري، تسارعت السلطة لنشر قائمة الفائزين الجدد من النواب في جريدة “النهار” في نشرتها ليوم السبت 12 ماي، أي أنها تلقت النتائج يوم الجمعة 11 ماي، أي يوم واحد بعد تنظيم الانتخابات. وهذا الإجراء غير قانوني، لأن المجلس الدستوري هو المخول له قانونا الإعلان عن قائمة الفائزين.
والسؤال المطروح هو من أين تحصلت جريدة النهار على القائمة أسماء النواب الجدد، إن لم تكن محضرة ومحددة مسبقا. وهذا مؤشر آخر على التزوير المسبق لهذه الانتخابات.
وحدد الدستور، في مادته 163، البند الثاني، أن المجلس الدستوري يسهر على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات.
ليومنا هذا، لم يلاحظ المجلس الدستوري ولو خرق واحد للقانون الانتخابي، أي أن الانتخابات جرت في أحسن الظروف وفي احترام ديني لقانون الانتخابات، رغم أن وزير الداخلية قدم الدليل المعاكس على ذلك أمام جميع العالم، دون أن يعاين المجلس الدستوري ذلك الخرق لقانون الانتخابات والدستور. وبسكوته، يزكي المجلس الدستوري، نزع السلطة الدستورية والشرعية منه من طرف وزير الداخلية.
توزيع المقاعد
حدد قانون الانتخابات في مادتيه 86 و87 مفتاح توزيع المقاعد على الناجحين ومستواه. وتوضح المادة 86 أن طريقة حساب المعامل الانتخابي، وهو حاصل قسمة عدد الأصوات المعبر عنها، منقوصة منه عند الاقتضاء الأصوات التي حصلت عليها القوائم التي لم تصل إلى حد المذكور في الفقرة 2 من المادة 85 أعلاه، على عدد المقاعد المطلوب شغلها.
يتم حساب المعامل الانتخابي لكل دائرة انتخابية كما توضحه المادة 86 وتؤكده المادة 87. وهو أساس وقاعدة توزيع المقاعد على مستوى الدائرة الانتخابية أو الولاية. ولهذا، فـإن اللجنة الولائية أو لجنة الدائرة الانتخابية هي التي لها سلطة القيام بهذه المهمة. ويعزز المجلس الدستوري النتائج المقدمة منها ويعلنها بعد التصديق عليها.
والنتائج المعلن عنها من طرف وزير الداخلية تعطي عدد المقاعد على المستوى الوطني وليس على مستوى الولاية أو الدائرة الانتخابية. وهذا مؤشر آخر على تزوير نتائج الانتخابات وتحدديها مسبقا. ويطرح السؤال حول مفتاح توزيع المقاعد، حيث أن وزير الداخلية لم يعط عدد الأصوات المحصل عنها من طرف كل مشارك على المستوى الوطني، وعلى مستوى كل دائرة أو ولاية انتخابية لكل مرشح. وهذا مؤشر آخر على ترتيب النتائج مسبقا، أي أنها مزورة، لأنها محددة من قبل السلطة.
وأوردت الصحف ( لصوار دالجيري في نشرتها ليوم 13 ماي 2012) بعض التفاصيل عن توزيع المقاعد في ولاية بومرداس والنزاع بين حزب القوى الاشتراكية والتجمع الوطني الديمقراطي. والمعامل الانتخابي المصرح به هو 5243. وهذا غير صحيح، لأنه ناتج عن طريقة حساب غير تلك المنصوص عليها في المادة 88 من قانون الانتخابات التي توضح أن المعامل الانتخابي يساوي القسمة بين عدد الأصوات المعبر عنها، منقوصة ، عند الاقتضاء، من الأصوات التي تحصلت عليها القوائم التي لم تصل الحد الأدنى لـ5 بالمئة، المشار لها في البند الثاني من المادة 85، وعدد المقاعد التي يجب شغلها.
وحسب المعطيات التي نشرتها الجريدة المذكورة، فـإن، عدد الأصوات المعبر عنها هو 156334 صوت. وعدد الأصوات التي تحصلت عليها القوائم التي لم تتعد نسبة 5 بالمئة هو 68246 صوت. والعدد الذي يستعمل لحساب المعامل الانتخابي يساوي 156334 ناقص 68246، أي 88088. وعدد المقاعد هو 10. ويساوي المعامل الانتخابي 88088 على 10، أي 8808،8
والمعامل الانتخابي الذي نشرتها الجريدة المذكورة متحصل عليه بعد حذف الأصوات الملغاة وأصوات القوائم التي لم تتحصل على نسبة 5 بالمئة. وهذه الطريقة غير قانونية، لأنها غير مطابقة للطريقة الحسابية المحددة في المادة 86 من قانون الانتخابات.
إن الأصوات الملغاة هي أصوات معبر عنها، لا يمكن حذفها. ولهذا، قمت بـإعادة حساب المقاعد التي تحصل عليها حزب القوى الاشتراكية والتجمع الوطني الديمقراطي طبقا لهذة الطريقة القانونية المحددة في المادة 87 من قانون الانتخابات، البند الثاني التي توضح أن كل قائمة تتحصل على عدد المقاعد كل ما تحصلت من مرة على المعامل الانتخابي، أي أن عدد المقاعد يساوي عدد المعامل الانتخابي.
وحسب معطيات هذه الجريدة، فـإن حزب جبهة التحرير تحصل على 15775 صوت، التجمع الوطني الديمقراطي على 13348 صوت وحزب جبهة القوى الديمقراطية على 11025 صوت. وعدد هذه الأصوات يقسم على المعامل الانتخابي للحصول على عدد المقاعد. وقمت بحساب جديد، وتدلنا النتائج أن عدد المقاعد الموزعة على الأحزاب غير صحيح، حيث يتحصل كل من هذه الأحزاب الثلاثة على مقعد واحد لكل منها. ولم تنال قائمي الأحرار وجبهة التغيير على أي مقعد. وتبقى 7 مقاعد تتوزع طبقا للطريقة الموصوفة في البند الثالث من المادة 87 من قانون الانتخابات، وهي أهمية عدد الأصوات المحصل عليها.
وحسب هذه الطريقة، يأتي حزب جبهة التحرير في المرتبة الأولى بـ 7908 صوت، قائمة الأحرار بـ7078 صوت، جبهة التغيير بـ 6867 صوت، التجمع الوطني الديمقراطي بـ5154 صوت، وأخيرا حزب جبهة القوى الاشتراكية بـ 2515 صوت. وتوزيع المقاعد تصبح كما يلي: حزبا جبهة التحرير والقوى الاشتراكية والتجمع الوطني الديمقراطي، مقعدان لكل واحد. وتتحصل القائمة المستقلة وجبهة التغيير على مقعد واحد لكل واحدة، ليصبح عدد المقاعد الموزعة 8. ومن يحصل على المقعدين المتبقيين؟
هذه النتائج تدلنا أن الأصوات الموزعة على كل تشكيلة سياسية غير صحيحة، لأنها مصطنعة. وهذا دليل آخر أن النتائج المعلن عنها من طرف السلطة هي نتيجة أهوائها وشهواتها وخياليها الغير خصب الذي كشف على تزييفها للأرقام والإحصائيات.
وهذا يتأكد مرة أخرى في جمع الأصوات الموزعة لكل قائمة: حزب جبهة التحرير (15775)، التجمع الوطني الديمقراطي (13348)، جبهة القوى الاشتراكية (11025)، الأحرار (6235)، جبهة التغيير(6049)، القوائم التي لم تتعد حاجز 5 بالمئة (68246). والجمع هو 120678 صوت، قليل على الرقم الرسمي وهو 156334 صوت، الذي نصل له بإضافة عدد الأصوات الملغاة.
انتخابات غير حرة
جاء في المادة 192 من قانون الانتخابات أن تنظيم التجمعات والاجتماعات الانتخابية يتم طبقا لأحكام قانون التجمعات والتظاهرات العمومية، أي القانون 91-19 المؤرخ في 2 ديسمبر 1991 الذي يجبر كل منظم لتجمع أو مظاهرة عمومية أن يطلب الترخيص من الوالي أو رئيس البلدية. وهذا الإجراء خاص بالمشاركين فقط، لأن الممتنعين الذين وصفوا، خطأ، هذا التصرف بالمقاطعة، فهم ممنعون من طلب الترخيص، لأنهم لا يعتبرون جزائريين ولا مواطنين لهم حق التصويت أو الامتناع.
المجلس الدستوري يقبل الطعون في نتائج مجهولة ويزكي التزوير
حسب التقارير الصحفية، تلقى المجلس الدستوري أكثر من مئة طعن للمرشحين. وطبقا للمادة 166 من قانون الانتخابات, فـإن المجلس الدستوري يفصل في الطعن في المدة الزمنية التي حددتها هذه المادة. لكن الواقع يدلنا أن المجلس الدستوري سيفصل في طعون نتائج مجهولة، حيث أن المجلس الدستوري لم يعلن بعد عن نتائج الانتخابات، واكتفى بالإعلان عن عدد المقاعد والأصوات التي منحتها السلطة لكل تشكيلة.
وتنص المادة 166 صراحة أن الطعن هو في انتخاب النائب وليس الحزب. ولكن قائمة النواب الفائزين غير معلن عنها، أي أن المجلس الدستوري خرق هذه المادة وقبل الطعون. كما زكى المجلس الدستوري الإحصائيات الانتخابية وبعض النتائج التي أعلن عنها وزير الداخلية مع بعض التغييرات الطفيفة التي لا تؤثر عليها.
و النتائج التي أعلن عنها المجلس الدستوري غير مطابقة للطريقة القانونية الموصوفة في المواد 84 إلى 87 من قانون الانتخابات التي تنص صراحة أن توزيع المقاعد تجري على مستوى الدائرة الانتخابية وليس على المستوى الوطني. وليس هناك قائمة النواب الفائزين وعدد الأصوات التي تحصل كل واحد أو قائمته عليها، ولا عدد المقاعد التي تحصلت عليها كل قائمة في الدائرة الانتخابية، ولا عدد الممتنعين، والأصوات الملغاة ولا عدد الأصوات للقوائم التي لم تتحصل على نسبة 5 بالمئة في كل دائرة انتخابية.
ولهذا، فـإن النتائج التي أعلن عنها المجلس الدستوري ل تعبر عن الواقع، لكنها مصطنعة، ومحددة مسبقة، لهذا فهي مزورة.
اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات لم تر شيئا
كلف قانون الانتخابات، في مادته 170، في بندها الثاني، النظر في كل خرق لأحكامه. وتم خرقه من قبل وزير الداخلية والمجلس الدستوري. لكن لم تر هذه اللجنة شيئا، رغم أنها مكونة من قضاة فقط يعيينهم رئيس الجمهورية. ليومنا هذا، لم تلاحظ هذه اللجنة أي خرق. وبسكوتها، فهي تزكي التزوير.
خرق الدستور مرة أخرى
جاء في المادة 113 من الدستور أن الفترة التشريعية تبدأ وجوبا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخاب المجلس الشعبي الوطني….و تمت الانتخابات في 10 ماي. ووجب بدأ الفترة التشريعية في 20 ماي. لكن ليوم تحرير هذه الدراسة، أي يوم 23 ماي، لم تبدأ الفترة التشريعية. وهذا خرق للدستور، يحجب حجم التزوير.
كالمعتاد
باصطناعه هذه النتائج، بقت السلطة وفية لمنهجيتها منذ 1999، خارقة قانون الانتخابات والدستور. وفي كل استحقاق انتخابي، منها لرئيس الجمهورية أو استفتاء أو للمجلس الشعبي الوطني، يعلن وزير الداخلية على النتائج قبل المجلس الدستوري، خارقا المواد 117 و167 و171 من قانون الانتخابات لسنة 1997.
وبهذه الطريقة، تؤكد السلطة أنها لم تقم بـأي إصلاح، بل بقت على عهدها.
معمر بوضرسه
24 ماي 2012