نزلتُ في المحطة المركزية ومن ثَمّ بدأتُ السؤال عن بيت مالك. كنت أنا وصديق لي في هذه الرحلة نسأل المارّين فكان جوابهم العجيب: لا أدري سَلْ غيري! قرّرنا أن نوجّه سؤالنا لكبار السنّ فتوجّهنا إلى القصبة التي توجد بداخل الصور الروماني، ذلك أنّ مدينة تبسّة تُعتبر من المدن التي تسكن التاريخ إذ تتواجد بداخل المدينة التي بناها الرومان وما زال الصور الذي يحاصرها مثل القيد الذي يحيط بالمعصم، سألنا أحد الشيوخ عن بيت مالك فأجابنا بوجه حزين، أوَ تبحثون عن بيت مالك؟ وبدأ بسرد كلّ ما يعرفه عن تاريخ مالك وعن حالة بيته التي وصلت إلى ما وصلت إليه، أخبرنا أنّ بيته أصبح مرتعا للرذيلة ووكرا لأصحاب النفوس الخسيسة، لقد أصبح مكانا لتعاطي المخدرات وشرب الخمور وللدعارة! وحتى تتجلّى الصورة لنا أشار بيده أن اتبعوني. بدأنا نتبّع الشيخ الذي لم نعرف له اسما وهو يقودنا في دهاليز القصبة بين أزقة ضيقة إلى أن وصلنا إلى شارع ضيق وأشار صاحبنا بيده إلى بيت من طابقين وكأنه من العصور الوسطى، فلا بابٌ ولا نافذةٌ وإنما هي أكوامٌ من الإسمنت وُضعت للحيلولة دون ولوج المفسدين لداخل البيت. عرفنا فيما بعد أنّ السلطات قد أزعجتها بعض الكتابات حول المآل الذي أصبح فيه بيت مالك، فوضعت هذه المساحيق الرديئة علّها تخفي بعض الحقائق للظهور بالوجه اللائق أمام الرأي العام، علمًا أنه قد وصل لأسماعنا أنه قد أُرسلَت برقية أمضى عليها أزيَد من عشرين شخصية ثقافية في العالم الإسلامي تطالب رئيس الجمهورية للالتفات لوضع حدا لهذه المهزلة ولكن… أنت تنفخ في رماد!
لم يلبث معنا هذا الشيخ كثيرا فعلامات الأسى كانت ظاهرة على محياه، وتركَنا أمام بيت مالك مذهولين ومضى إلى حاله. أول ما نطقتُ به لصاحبي هو: هل تعرف آنّا فرانك؟ فقال مَن؟ قلتُ له إنها قصة محزنة لمقارنتها بهذا المشهد الذي نعيشه الآن. إنها قصة فتاة يهودية ألمانية وُلدت في مدينة فرانكفورت على نهر الماين، عاشت معظم حياتها في أمستردام في هولندا، واكتسبت شهرة دولية بعد وفاتها، بعد نشر مذكراتها التي توثّق تجربتها في الاختباء خلال الاحتلال الألماني لهولندا في الحرب العالمية الثانية.
إنّ اليهود يستثمرون حكاية البنت آنّا فرانك لابتزاز تعاطف الملايين بنفس القدر التي تبتزّ به جيوبهم. نسجوا الأساطير حول آنّا فرانك واختلقوا قصصا باعوها وأفلاما روّجوها حول فتاة كانت تختبئ من الألمان. إنك لو ذهبتَ إلى متحف الشمع المتواجد في مدام تيسو لتتعجّب من الوضع المقصود لزعماء العالم في غرفة صغيرة بينما تتواجد آنّا فرانك في صالة كبيرة مجهّزة بصوت آنّا تحكي مأساتها للزائرين، وأصوات أقدام الجنود الألمان وهم يصعدون السلم الخشبي للبحث عنها وعن أسرتها. إنّ بيت آنّا فرانك أصبح مزارا للسياح يُجنى منه مال وفير وإنك لتعجب عند زيارة البيت أنّ زوّاره يتساوون مع زوار الرسام الهولندي الشهير فان خوخ ولا لشيء إلا لأنّ مروّج السلعة كان بارعا في عرض سلعته بينما نسمع عن محاولة نسف مدرسة إسلامية لا تبعد كثيرا عن بيت آنّا فرانك المتواجدة بمدينة أيندهوفن فلم تستغلّ الجالية الإسلامية الحدث لتوظّفه لتحقيق مصالح سياسية، وبالموازاة تمّ حرق مسجد بمدينة نايميخن في هولندا كذلك لم تحسن الجالية استغلال الحدث، ذلك لأنّ محاميينا يملكون قضية عادلة ولكن المدافعين عنها فاشلون.
نظر إليّ صديقي وقال كم هو مسكين مالك! فقلتُ له: نعم هذا هو بيت أو قلْ خراب صاحب “التأملات” و”شاهد على القرن” و”المسلم في عالم الاقتصاد”، فمصيره هو مصير شيخه الذي قلّ مَن يعرفه، حمودة بن ساعي، الذي لم تُأخذ له ولا صورة، وفي الأخير انتهت فصول حياته كما تنتهي فصول الروايات الإنجليزية الحزينة، مات شيخا وحيدا ولم يملك ولو شقة تؤويه بل كان يقطن عند عائلته بباتنة!
بدأنا نتفحّص البيت من الخارج وبدأت بعض الوجوه تحملق تجاهنا، رأينا بعض المحلات التي تقابل البيت تروّج للخمور والمخدرات في الزنقة التي تحمل اسم مجاهد من مجاهدي الجزائر، محمد بخوش السدراتي. يؤكد الحاج كافي عبد القادر، وهو صاحب البيت المقابل لبيت مالك، أنّ الوضع الذي وصل إليه بيت مالك يُعتبر جريمة في حقّ التاريخ وفي حقّ العلماء والمفكرين.
إنه لمن نافلة القول أننا نطالب لا السلطات ولكن ذوي الهمم العالية من النخب الجزائرية الذين يحملون مشعل الثقافة أن يقوموا ببادرة لجعل بيت مالك كغيره من بقايا العظماء. إنّ بيت الفيلسوف الألماني “قوثا” هو الآن متحف، على غرار ما هو حاصل في مصر، حيث تمّ تحويل فيلا رامتان للأديب طه حسين إلى متحف، وبيت فيليبس الهولندي كذلك وكل الأبطال والعظماء .
انتهت زيارتي لهذه المدينة وفي نفسي أسى لما وصل إليه الوعي الثقافي في بلادنا، ولا يعرف قدر فضل الرجال إلا الرجال…
مراد شكري
27 يناير 2011
تعليقان
المقارنة خاطئة
ما وجه الشبة بين أنّا فرانك والمفكر مالك بن نبي حتى توضوع هذه المقارنة؟
الحقيقة أن مالك بن نبي منذ وفاته مهمش ومن قبل النظام الشمولي حورب محاربة شديدة, وأني أتذكر كيف أن في مكتبة الثانوية العامة التي درست فيها كل الكتب متوفرة حتى كتب سيد قطب وحسن البنا ولكن لا أثر لكتب مالك بن نبي.نحن نعرف هذا الشيء من زمان.
أنّا فرانك تدخل في اطار ما يعرف بصناعة الهولوكست وهي توفيت وعمرها لم يتعدى الخامسة عشر .. وهل ما يعرف بدفتر يومياتها صحيح أو مختلق فهو يدخل في اطار سياسة عامة شاركت فيها الدولة الصهيونية والمؤتمر اليهودي العالمي وقبل هذا عائلتها في اطار تلك السياسة المعروفة للجميع
ما هو دور بنتا مالك بن نبي في عملية الترميم وخاصة ابنته رحمة ألتي تتصرف مع موروثه الفكري باحتكار مقيت, هي وسيء الذكر التاجر نور الدين بوكروح ألذان ليوم الناس هذا يخفون وثائق تعود لمالك؟ فيه بعض الأشياء لم تنشر الى اليوم.. الا اذا تكرم التاجر بوكروح ونشرها..
لما1ا لم تطلب ابنته رحمة من التاجر نور الدين بوكروح الذي اعطته صك أبيض للتعامل مع فكر أبيها, لماذا لم تطلب منه ـ حتى في اطار التسويق ـ ترميم بيت أبيها..
نحن شعب لا يصلح لشيء فقط Bla Bla
يا كاتب النص ولكل من يتباكى على مالك بن بني ومنهم هذه العشرين شخصية ثقافية وسياسية التافهة, تعالوا نجمع بعض المال لترميم بيته ثم غلقه ان عجزنا في تحويله الى متحف. نجمع بعض المال ونعطيه لابنتيه ـ بعد ان تتعهد ابنته رحمة أن لا تسلم المال الى نور الدين بوكروح ـ لكي يكلفن مقاول يرمم البيت وأنتهى..
اذا فكرتم في الموضوع بجدية فشخصيا مستعد للمساهمة وشكرا جزيلا..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
القصة حقيقة مرة نجرعها كل يوم ، الأسف لا يكفي و العتاب غير مجدي والقول لا ينتهي فهلنا من أفعال؟ هناك من يشك بأن الجزائر مجتمع في الأصل لأنه يرى انعدام الروابط الاجتماعية أصلا.. فمقام السلطة شفاف والأفراد صم بكم عمي ، والأقلية ذات القلوب الحية لا تستطيع أن تحرك ساكنا …انه الواقع ..ولا أظن أنه سيتغير بين ليلة وضحاها الا اذا جاء قوم آخرون وحركوه فكما قال مال بن نبي المجتمع الساكن هو في مرحلة ما فبل الحضارة …ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، فلا الرجولة بقيت ولاالحياء ظل قائما، ولا حياة لمن تنادي .