نشب الذعر في كل المخافر العربية والدوائر التسلّطية، فقد تُعمّ البلوى وتتفشى العدوى. لقد استطاع سجين من بين السجناء الفرار بجلده، والتخلص من قبضة جلاده، وقد يحاول البقية محاكاة الفارّ الهارب، آن للسجين أن يتحرر كما آن للظالم أن يفرّ.
بدأت على التوّ الأنظمة التسلطية التي لا تعي الدرس جيدا، بخفض الأسعار فأعلنت الحكومة الجزائرية أنها بصدد تخفيض رسوم الاستيراد والضرائب على السكر وزيت الطعام، كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مرسوم حكومي قوله: لا يمكن لأيٍّ كان أن يشكّك في عزم الدولة الحازم تحت قيادة السيد الرئيس، كلما كان ضروريا، من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطنين أمام أيّ زيادات للأسعار منبثقة عن تقلبات السوق الدولية.
كما تسارعت ليبيا لإلغاء الضرائب والرسوم الجمركية على المنتجات الغذائية، وقدّم المغرب تعويضات لمستوردي الدقيق للحفاظ على استقرار الإمدادات بعد ارتفاع في أسعار الحبوب، كما عزف على نفس النغم في أقصى دول العالم العربي رئيس الوزراء الموريتاني سيمفونية تخفيض الأسعار الأساسية أمام المواطنين لدعم القدرة الشرائية، وتابعتها الأردن نقلا عن عاهلها إذ أكّد على ضرورة أن تكون الخطوات ذات اثر سريع يلمسه المواطنون – طبعا خوفا على سقوطه السريع لو لم تخفض الأسعار – خصوصا فيما يتعلّق بتوفير السلع الأساسية بأفضل الأسعار الممكنة.
ما بالهم يتهافتون على مصلحة الشعوب ما بالهم؟ إنّ الأنظمة الجائرة لا تفهم لغة العقل عند المخاطبة، إنها لتجنح للعنف عند أيّ نزاع، حتى إذا بلغ السيل الزبى، أطلقت الحبل قليلا خوفا منها أن يلتف الحبل على رقبتها وتعلّق على أعواد المشانق، أو تهرب ذليلة تبحث لها عن ملجإ آمن يبعد عنها الملاحقات القضائية.
إنّ من المفارقات العجيبة التي نستخلصها في خضم أحداث ثورة الحرية في تونس أن يلجأ من كان يحارب الزيّ الإسلامي إلى بلاد العري فترفضه، ويبقى معلّقا في السماء فيعود ذليلا ويطلب اللجوء إلى بلاد الحرمين التي لا تسمح بخروج زوجته إلا بخمار تضعه غصبا عنها فوق رأسها،كما لا تسمح لها بقيادة السيارة، ذلك أنّ قيادة السيارة في بلاد الحجاز تعتبر من الموبقات حتى كتابة هذه الكلمات، ويختبئ الفارّ الهارب، طاغية قصر قرطاج، من العدالة الشعبية إلى مملكة احتضنته بدافع الشهامة العربية والكرم العربي، وهي التي نزعت الجنسية من مواطنها بن لادن عندما احتمى تحت ظل إمارة طالبان وطلبت التسليم، فكيف لها الآن أن تؤوي طاغية، شهد بذلك القريب والبعيد، العدو والصديق، وكيف تفسّر هذه المفارقة بين بن علي وبن لادن؟ ألا يعتبر هذا الكيل بمكيالين على قول الشاعر: حلال على بلابل الدوح، حرام للطير من كل جنس؟ فأين هي العدالة التي يتشدّقون بها؟ فهل عندما يتسلّط طاغية ويقتل المئات ويشرّد الآلاف خارج الديار وينهب أموال الدولة، تحمونه وتؤونه تحت مسميات مضحكة هزيلة، وإذا سرق اللّص الضعيف المغلوب على أمره أقمتم عليه الحد؟ إنَّ هذا لشيء عجاب!
حقّ لثورة الكرامة في تونس أن يسيل من أجلها المداد لنستخلص العبر، فسنن الله لا تتغيّر ولا تتبدّل، فقد نبّهتنا أنّ الجبل الجليدي بدأ في الذوبان، وأرشدتنا أنّ صوت الشعوب أقوى من هدير المدافع، وقد يكون جنبا إلى جنب في صف الشعوب إذا أحسنت الشعوب المراوغة والاستبسال من أجل قِيم عظيمة تؤمن بها، إنّ التجربة التونسية صفعت كل ناعق.. نظر إليها نظرة دونية في السابق.. واحتقر ضعفها وجعلها في ذيل البلدان التي يُرجى تغيّرها، فضربت أروع الأمثال وحازت قصب السبق وضربت تفسيرات المحلّلين عرض الحائط، تحية إجلال وإكبار إلى كل نفس سقطت من أجل قول لا فأزهقت.. وتحية لكل من ناضل وصرخ… وثبت إلى نهاية الطريق ولم يرضخ.
مراد شكري، عضو حركة رشاد
25 يناير 2011