مباشرة بعد الاستقلال سيطر الحزب الواحد والفكر الأحادي بقبضة حديدية على المجتمع الجزائري، ولضمان بقاء واستمرارية النظام الدكتاتوري الشمولي، لم يفتح أي مجال للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، بل إن مجرد الإشارة إليها يعرض صاحبها لأخطر التهم والمتابعات وحتى التصفيات الجسدية. بالرغم من أن الجزائر صادقت وأمضت على مختلف العهود والمواثيق المتعلقة باحترام حقوق الإنسان والحريات، أما الحديث عن الأقليات وحماية حقوقها فهو من المحرمات والطابوهات التي لا يجب القفز عليها — للأسف إلى يومنا هذا — حيث أصبحت مرادفا للمطالبة بالاستقلال الذاتي وللتدخل الأجنبي!
منطقة مزاب كغيرها من المناطق في الجزائر مرت وعانت من نفس الظروف ولكن بدرجة مضاعفة نظرا للهوية الخاصة لسكان المنطقة، حيث تعيش أقلية مزابية والتي هي أقلية بامتياز:
— فهم أمازيغ أي أقلية إثنية لغوية من جهة؛
— وإباضية أي أقلية دينية من جهة أخرى.
فمنذ الاستقلال حاربت السلطة الجزائرية هذه الهوية المزابية وعملت بشتى الوسائل والطرق المباشرة منها والغير مباشرة للقضاء عليها.
1— فبالنسبة للهوية اللغوية، المزابية (الأمازيغية) فقد مارس النظام كل أنواع الاحتقار والتهميش والتمييز العنصري وحتى المنع فقد كان ممنوعا التكلم بها في الأماكن الرسمية وحتى في النشاطات الثقافية الخاصة حيث يمنع استعمال اللغة المزابية إلا بترخيص من قسمة الحزب سابقا وكذلك تم تغيير الأسماء الأمازيغية لمدن واد مزاب وحتى أسماء الشوارع والساحات.
2— أما بالنسبة للهوية الدينية للأقلية المزابية فالأمور كانت أكثر تعقيدا وصعوبة فالمذهب الإباضي الذي هو مدرسة فكرية عبر التاريخ الإسلامي، يتميز باحتوائه لثلاث محاور:
أولا— الجانب الشرعي: العبادات والمعاملات؛
ثانيا— الجانب الفلسفي والفكري: أو ما يعرف بعلم الكلام ويدعو إلى تحكيم العقل واستعمال الفكر والإقناع ونبذ العنف؛
ثالثا— الجانب السياسي: أو فقه السياسة وهو يدعو في مجمله، إلى معارضة الحكام الفاسدين والطغاة المغتصبين للحكم.
وقد حاربت السلطة الجزائرية بشدة هذا الجانب من الهوية وذلك بعدم تدريسه مطلقا في المقررات الرسمية بل بالعكس من ذلك مارست سياسة اضطهاد أتباع هذا المذهب وهذا بنعتهم بالخوارج في كتب التاريخ المدرسية (سنة ثانية متوسط) وهو وصف أقل ما يقال عنه أنه عنصري وخطر على وجود كل الإباضيين، في ظل الدعاية التي تمارسها بعض التيارات الإسلامية المتطرفة، التي تعتبر الخوارج كفرة وخارجين عن الدين وبالتالي يجب محاربتهم والقضاء عليهم!
وقد وظفت السلطة هذه المغالطات وغيرها واستغلت التركيبة البشرية لسكان المنطقة لخلق جو من الخوف والرعب وعدم الاستقرار، لتمرير كل مخططاتها الرامية للقضاء على الهوية المزابية، وهذا بتحريك الصراعات الطائفية بين الأقلية المزابية والعرب المالكيين الساكنين بالمنطقة. بطريقة دورية: بني يزجن 1975 ثم 2004 والقرارة 1975 ثم 1989 ثم 2004 وغرداية 1985 ثم 2008 ومليكة 2004 وبريان 1991 ومن مارس 2008 إلى يومنا هذا. حيث غالبا ما يكون نهب وحرق للممتلكات واعتداءات جسدية وسقوط ضحايا بين قتلى وجرحى ومشردين من بيوتهم، أخطرها ما وقع في مدينة بريان لمدة أكثر من عام ونصف، والقاسم المشترك لكل هذه الأحداث هو وقوف السلطة ضد المزابيين.
ومارست السلطة واستعملت بقوة ومنذ الاستقلال الضغوطات الشديدة والتهديد والابتزاز على مسؤولي الهيئات التقليدية وهذا بالتهديد بالقضاء نهائيا على الهوية المزابية بغلق المدارس الحرة والمساجد ومصادرة الأوقاف الإباضية لتمرير مخططاتها الدنيئة وذلك بمنع تدريس كل محاور المذهب الإباضي في المدارس الخاصة، فصار لا يدرس إلا الجانب الشرعي في المذهب مما جعل الفكر الإباضي مجهولا حتى لدى أبناء أتباعه. وأيضا لا نجد في القوانين أو الدستور الجزائري أي أثر لوجود أقلية دينية إباضية في الجزائر، مما جعل هذا الجانب من الهوية لدى الأقلية المزابية يواجه خطر الاندثار والزوال وهذا يعتبر خرقا صارخا لحق أساسي من حقوق الأقليات وهو حقها في التمتع بخصوصيتها بكل حرية مع وجود التدابير التشريعية اللازمة لذلك أي الاعتراف الرسمي. وبهذا ستفقد الجزائر والحضارة العالمية جانبا من موروثها الثقافي والفكري والحضاري.
غرداية بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 وسقوط جدار برلين، بداية المطالبة بالحقوق
بعد انتفاضة 5 أكتوبر 1988 في الجزائر وسقوط جدار برلين، ظهر جيل شاب من أبناء منطقة مزاب انخرط في المنظمات الحقوقية والأحزاب الديمقراطية، وتشبع بثقافة المطالبة بطريقة سلمية، بتطبيق الديمقراطية واحترام الحقوق واحترام الحريات وعمل على المحافظة على مكونات الهوية المزابية (الأمازيغية والإباضية) وقد لقيت هذه المطالب تجاوبا واسعا لدى أبناء المنطقة، واستطاعت هذه الحركة الشبانية أن تتبنى المعاناة التاريخية لسكان المنطقة من ظلم وتهميش وإحساس بالكبت والوقوع ضحية للتمييز العنصري وهذا أمام إصرار السلطة في خططها الرامية إلى إلغاء الهوية المزابية، كما هو مبينا أعلاه، وكذلك الانشغالات والمعانات اليومية من مشاكل اجتماعية مثل السكن والشغل ومشاكل بيئية ونقص فادح في البنية التحتية، وحتى معانات التجار.
وقد استطاعت أن تؤطر كل هذه المعاناة وتترجمها بمطالبة سلمية بالحقوق وفعّلت هذه المطالبة من خلال حزب جبهة القوى الاشتراكية والمنتخبين المحليين وأيضا الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك استعمال الفضاء الإعلامي المحلي والدولي. وبذلك جنّبت ومنعت من انزلاق المنطقة إلى العنف والمجهول وهذا ما لم ولن تغفره السلطة أبدا، فقابلت هذه الأفكار وهذا الوعي السياسي والمطالبة السلمية بالحقوق بحرب قاسية خبيثة استعملت فيها كل الوسائل الممكنة، خاصة التوظيف التام لجهازي العدالة والأمن الذين صارا بحكم انصياعهما التام للسلطة التنفيذية، العصا الغليظة وأداة القمع بامتياز للقضاء وفي المهد على هذه النهضة الجديدة في منطقة مزاب، وقابلت إطارات هذه الحركة بالقمع الشديد والمضايقات البوليسية والمتابعات القضائية المفبركة والماراطونية وحتى الزج بهم في السجون، فكانت أحداث غرداية 2004، قضية بابا نجار والمتابعات القضائية المفبركة مؤخرا.
الطرق والوسائل المعتمدة من طرف السلطة للقضاء على الصحوة في غرداية
الوسيلة الأولى: المواجهة والقمع المباشر من السلطة ضد رموز هذا الفكر
في سنة 2004 وبالتحديد بتاريخ 17 أكتوبر 2004 صدرت أوامر بالقبض بالجملة من طرف جهاز العدالة ضد أعضاء المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وإطارات حزب جبهة القوى الاشتراكية ومنتخبيه ولفقت ضدهم تهم خطيرة تصل في مجملها إلى الحكم بالسجن المؤبد !! وقد استغل والي غرداية أحداث العنف المفتعلة بعد الإضراب الناجح والسلمي لتجار غرداية بتاريخ 12 أكتوبر 2004 احتجاجا على الممارسات المجحفة والمذلة لأعوان مراقبة الأسعار. وهذا لتصفية الحسابات مع مؤطري حركة الاحتجاج السلمي الذي شل مدينة غرداية ليوم كامل بتاريخ 27 أبريل 2004 نظرا لتردي الأوضاع الاجتماعية والبيئية بغرداية وأعطوها طابعا سلميا حضاريا تلخصت في عارضة للمطالب قدمت للسلطات المحلية والرأي العام الوطني والدولي. وبتاريخ 12 مارس 2005 جرت محاكمة صورية أمام جمع من المحامين وقيادات ومنتخبي حزب جبهة القوى الاشتراكية وكذلك قيادات الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وتم إدانتهم بخمسة أشهر نافذة، بدون أي دليل حتى ولو كان بسيطا أو مفبركا، وسرعان ما أخذت أحداث غرداية بعدا وطنيا ودوليا واسعا، بعد هذه المحاكمة.
الوسيلة الثانية: اعتماد أسلوب المؤامرات الدنيئة، وفبركة التهم
1— قابلت السلطة المحلية وعلى رأسها والي الولاية تموقع حزب الأفافاس بغرداية، بحذر وترقب وخاصة وقت الانتخابات الرئاسية 1999 وانسحاب المرشحين الستة في آخر دقيقة من المنافسة وقد اعتبر الوالي، تقيد فخار كمال الدين (عضو اللجنة الولائية لمراقبة الانتخابات) بالتعليمات الحزبية بمثابة تحدّ له واقسم أمام الملأ أنه سيلقنه درسا لن ينساه أبدا، وهذا ما كان، ففي أول فرصة وفي ملف مفبرك بالجملة أتهم الدكتور فخار كمال الدين بتزوير شهادة طبية لصالح مواطن وحكم عليه بسنة سجن نافذة بالرغم من أنه كان الطبيب المناوب تلك الليلة في مستشفى غرداية والشهادة كانت تحمل إمضاؤه الشخصي، وقد تلقى نفس المريض شهادة مماثلة لنفس الأسباب (الضرب والجرح العمدي) يوما قبل ذلك من طبيب آخر وبعده تحصل على عطلة لمدة ثلاثة أشهر من مستشفى عيسات إيدير بالعاصمة بعد أن أجريت له عملية ولنفس السبب المذكور أعلاه!
2— مباشرة بعد خروج آخر مساجين أحداث غرداية 2004 عمت الفرحة والابتهاج كل واد مزاب وجرت احتفالات كبيرة ومهرجانات، زادت من شعبية المناضلين فأسقط في يد السلطة بسب حدوث عكس ما كان مخططا، فغيرت من طريقة تعاملها وانتهجت أسلوب المؤامرة وفبركة التهم والقضايا. ففي سنة 2005 وقعت جريمة قتل بشعة هزت أرجاء غرداية راح ضحيتها المرحوم إبراهيم بازين عضو سابق في الأفافاس، بسرعة بعد يومين اتهم الشاب محمد بابا نجار بارتكاب هذه الجريمة وقد حاولت الشرطة أن تعقد معه اتفاق يقضي بإلصاق تهمة التحريض على القتل بفخار كمال الدين أو أحد قيادي الأفافاس بغرداية مقابل إطلاق سراحه وهو ما رفضه الشاب الشجاع محمد بابا نجار وهذا ما نجد أثره خلال أطوار التحقيق، حيث اعتبر وجود مجلة دورية لفدرالية غرداية بمثابة دليل إثبات!! وقد طرح عليه قاضي التحقيق أسئلة مباشرة عن انتمائه السياسي ومعرفته لقيادات الأفافاس. وأثناء المحاكمة بتاريخ 6 جوان 2006، اتضح فيها ضعف ملف الاتهام وغياب أي دليل مادي لإدانته ما عدا أقوال متناقضة لقصر أحدهم الابن القاصر للضحية، كان الجميع ينتظر إعلان براءة محمد بابا نجار ولكن سقط نطق القاضي “معمري” بالحكم بالإعدام كالصاعقة على الجميع ووقعت مسيرات للتنديد بهذا الظلم وهذا الحكم الجائر وبما صار يعرف بــ”عدالة التلفون”، وبعد قبول الطعن بالنقض لدى المحكمة العليا، وبعد عدة تأجيلات وتعرضه للضرب وللتعذيب في سجن غرداية، أعيدت محاكمة بابا نجار بالمدية، بتاريخ 3 جوان 2009 واتضح مرة أخرى غياب أي دليل إثبات وكذلك التصريحات الجديدة لأحد أبناء الضحية عن وجود شخص معروف هدد والده بالقتل قبل وفاته وبأنه قدم شكوى بذلك ولكن بقيت دون متابعة!؟ ولكن بعد مداولة قصيرة نطق القاضي بحكم السجن المؤبد في حق محمد بابا نجار. لم يصدق أحد ما جرى ولكن تأكد مرة أخرى الانصياع التام وبدون أي خجل أو حياء لجهاز العدالة للسلطة التنفيذية.
3— تزامنا مع قضية محمد بابا نجار فبركت السلطة تهمة خيالية لإطارين في حزب جبهة القوى الاشتراكية وهما “بوحديبة قاسم” و”فخار عبد الرحمن” وتتلخص في اتهامهما بحرق سيارة المرحوم بزين براهيم وهذا عاما قبل وفاته وللعلم فإن أحد لم يودع شكوى بحرق السيارة لا حين وقوعها ولا بعد ذلك ولا يوجد أي دليل حتى على وجود سيارة تعرضت للحرق! ودليل الإدانة الوحيد هو تصريحات ابن الضحية القاصر(نفس الابن القاصر في قضية بابا نجار محمد)! وبالرغم من ذلك فالمناضلين ضلا تحت الرقابة القضائية منذ حوالي أربع سنوات وقد جدولت قضيتهما في دورة الجنايات الحالية بتاريخ 9 نوفمبر 2009 وينتظرهما حكما قد يصل إلى 20 سنة سجن نافدا!
4— بتاريخ 16 جوان 2009 وبدون سابق إنذار أو تقديم أي وثيقة هاجمت جماعة من رجال الشرطة بالزى المدني د. فخار كمال الدين وألقت القبض عليه وعند الوصول إلى مخفر الشرطة اكتشف المؤامرة والمسرحية المفبركة، فقد وضعت(جهة ما!) خطة محكمة لإلصاق تهمة التحريض على حرق سيارة للشرطة، بفخار كمال الدين وهذا باعتماد تصريح لـ(حموده علي) صاحب سوابق عدلية ويعمل كمخبر لدى شرطة غرداية، قال فيه: بأنه سمع (لمدهكل عمر) صاحب سوابق عدلية مدمن عل المخدرات والكحول ويعاني من اضطرابات نفسية مما كلفه الإستشفاء في مصحات للأمراض العقلية (مستشفى البليدة)! يقول بأن “فخار كمال الدين حرضه على حرق سيارة تابعة للشرطة مقابل مبلغ مالي” وبالرغم من أن لمدهكل عمر نفى أمام قاضي التحقيق معرفته لفخار كمال الدين ونفى التهمة الموجهة له ونفى التصريح الذي نسب إليه، إلا أن فخار كمال الدين هو متابع حاليا لدى مجلس قضاء غرداية بجناية التحريض على حرق سيارة للشرطة وهو تحت الرقابة القضائية ومنع من السفر حيث حجز جواز سفره وينتظره حكما قد يصل إلى 20 سنة سجنا نافذة!
الوسيلة الثالثة: تكليف الأعيان بالمهام القذرة
للتشويش والحد من انتشار هذه الأفكار داخل المجتمع أنشأت السلطة في غرداية خلية ما يعرف ب”الأعيان” وقد اختارتهم السلطة من ذوي المصالح والوصوليين والانتهازيين والانبطاحيين، لتمثيل المجتمع بدلا من المنتخبين الشرعيين وكذلك لتمرير إملاءات السلطة داخل المجتمع، وهذا يدخل ضمن الخطط وطرق التعامل الجديدة للسلطة: لتقسيم الأدوار حتى لا تظهر مباشرة في واجهة الأحداث، وفي نفس الوقت للتضييق على المعارضين والناشطين الحقوقيين والنقابيين ،فصارت تشجع أحيانا وفي الغالب تأمر أذنابها في المجتمع المنضوين تحت راية الأعيان بالقيام بالمهام القذرة ومنها تقديم شكاوي ضد المعارضين والحقوقيين والنقابيين، ويأتي بعدها دور جهاز الأمن والمحاكم للتكفل بالباقي والزج بهم في السجون!
1— قضية النقابي حمودي فخار: فبعد الإضراب الناجح للتجار الذي شل مدينة غرداية بتاريخ 17 ماي 2007 احتجاجا على القوانين المجحفة ضد التجار والتي تصل إلى غرامات مالية خيالية وحتى السجن النافذ بسبب مخالفات بسيطة، فمباشرة بعد ذلك حرك “دبدابه محمد” المسؤول عن جناح اتحاد التجار التابع للسلطة دعوى قضائية ضد حمودي فخار وفي نفس الوقت وفي نفس القضية وجه والي غرداية رسالة مباشرة لوكيل الجمهورية يأمره بمتابعة النقابي “حمودي فخار” وكيّف السيد الوالي التهمة التي ستوجه له وهي النشاط في جمعية غير مرخصة، في خرق صارخ لقوانين الجمهورية وللدستور!
2— في الوقت الذي شاهد العالم كله عبر أشرطة الفيديو في مواقع الإنترنيت والفضائيات، صورا لرجال الشرطة بالزي الرسمي في بريان يقومون بتصرفات عنصرية يندى لها الجبين ضد المزابيين، وهذا في نفس اليوم الذي قتل فيه السكرتير الأول لفرع الأفافاس ببريان، السيد “كروشي عمر” بطريقة بشعة . وبدلا من معاقبة ومتابعة المتسببين في هذه الأعمال الغير مسبوقة، استغلت السلطة التي كانت السبب الرئيسي في إشعال أحداث بريان، هذه المأساة الإنسانية، للقضاء على أي نشاط سياسي جدي أو حديث عن حقوق الإنسان وبالتعاون مع أذنابها وبناء على تبليغاتهم المبرمجة الكاذبة، وفي محاكمات صورية، بدون أي دليل أو قرينة تليق بالعصور الوسطى، حكم على مناضلي حزب جبهة القوى الاشتراكية وكذلك الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في بريان: بن عبدا لله عبدا لله وبطوله توفيق وفخار عمر… بالسجن النافذ بتهم واهية فضفاضة (التحريض، الإخلال بالأمن العام…) وبذلك أغلق مقر فرع الأفافاس في بريان، وصار المناضلون يخافون حتى من إعلان انتمائهم الحزبي أو علاقتهم بالمنظمات الحقوقية!
3— رفعت دعاوي قضائية بالجملة، ضد إطارات ومنتخبي الأفافاس بغرداية بعد الإضراب الأخير للتجار تضامنا مع الشاب المظلوم محمد بابا نجار قد رفع هذا الدعاوي القضائية الغير مؤسسة والغير معقولة أذناب السلطة المنضوين تحت راية الأعيان وجناح اتحاد التجار التابع للسلطة، وقد تمت جدولتها على مدى أربعة أشهر أي إلى حوالي فيفري 2010.
انطلاقا من خطورة هذه الممارسات وهذه الحقائق المرة، التي تناقض تماما مع المنطق والعقل وخرق صارخ لكل وأبسط حقوق الإنسان ولكل القوانين والأعراف وعلى رأسها الدستور الجزائري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونظرا لأن ضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي والسياسي والازدهار الثقافي والاقتصادي لأي دولة في العالم لا يتحقق إلا بالتطبيق الفعلي للديمقراطية، ومعرفة ونشر ثقافة احترام حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الأساسية: حرية الرأي، حرية المعتقد، حرية التعبير والحق في الاختلاف لكل مواطنيها والعمل على الدفاع عنها وهذا بتطبيق وتجسيد مختلف العهود والمواثيق الدولية وهذا لضمان الاعتراف بها والمحافظة عليها ومنها الاعتراف بالأقليات وحماية حقوقها.
كل هذا يدفعنا إلى طرح جملة من التساؤلات:
— لماذا كل هذا التحامل والإصرار والتعنت والتخطيط وتغيير للخطط من طرف السلطة إلى درجة الحرب المعلنة ضد مواطنين لا حول لهم ولا قوة، ذنبهم الوحيد أنهم يطالبون بحقوقهم بطريقة سلمية وحضارية؟
— لماذا يحصل هذا في منطقة مزاب بالذات؟
— هل صار النشاط السياسي والحقوقي جرما ويعاقب عليه القانون في غرداية؟
— هل ممنوع على المزابيين دون غيرهم من الجزائريين النشاط والانضمام إلى الأحزاب السياسية المستقلة وكذلك المنظمات الحقوقية؟ خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التصريحات العنصرية للوزير المنتدب: “إن المزابيين عليهم أن يشتغلوا بالتجارة! ” وكذلك نصائح للنائب العام عندما كنت مسجونا ومضربا عن الطعام بسجن غرداية في أحداث غرداية 2004 ” من الأحسن لك أن تترك حزب الأفافاس والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان إذا كنت تريد أن تخرج يوما ما من السجن!”
— لماذا تخاف السلطة إلى درجة لا تصدق من ظهور وانتشار الوعي السياسي والمعرفة بالحقوق والقوانين لدى سكان منطقة مزاب المسالمين والمعروفين بنبذهم للعنف والتطرف؟
— وما الذي تخاف منه بالذات؟ هل من اتساع نطاق الجهات والمواطنين المطالبين بتطبيق الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان كل الحقوق في الجزائر ومنها ترسيم اللغة الأمازيغية؟
— أم هل تخاف من معرفة الجميع لخصوصيات المذهب الإباضي، والذي تعمل السلطة جاهدة منذ الاستقلال على محوها ثم القضاء عليها خاصة ما يتعلق بالجانب الفكري والسياسي في المذهب الإباضي؟
— هل السلطة تحاول تعميم تجاربها وخططها – الماكرة – في بريان إلى كل مدن ولاية غرداية ومن ثم إلى باقي مناطق الجزائر؟
— هل ستبقى أغلبية الجزائريين تتفرج على هذه الحرب المعلنة الظالمة، الغير المبررة والغير متوازنة القوى إطلاقا ولا تحاول حتى مجرد الفهم؟ خاصة الطبقة المثقفة والشخصيات الوطنية؟ مع العلم بأن كل المناطق وكل الجزائريين يعانون بطرق مختلفة من تصرفات هذا النظام الحاكم الفاسد والمفسد.
— إلى متى تبقى الدول الديمقراطية والمنظمات الغير حكومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان منها تتفرج على هذه الحرب بين داوود وجالوت؟
— ألم يحن أوان فتح تحقيق دولي جدي وشامل، لمعرفة حقيقة ما يجري في منطقة مزاب ولإنقاذ موروث حضاري ثقافي وفكري عالمي يدعو إلى تحكيم العقل والعمل السلمي وإلى التسامح وتقبل الآخر ونبذ العنف من الاندثار والزوال القسري؟
فخار كمال الدين
23 أكتوبر 2009