والحاصل أن حركية الفعل السياسي والاجتماعي والجمعوي والثقافي وغيرها، كلها أضحت إما في حكم المجمد لما بعد إفراز صناديق الرئاسيات وأداء اليمين الدستورية من قبل الرئيس بوتفليقة العام القادم إذا أعيد انتخابه، أو أي رئيس آخر إذا ما فشلت جهود البوتفليقيين وخابت مساعيهم نتيجة إفراز الصناديق لغير ما تشتهي أنفسهم. أو نتيجة لرفض بوتفليقة الترشح وتخييب أملهم ورجائهم فيه، في حال ترك مضمار السباق قبل انطلاقه وفضل الزهد في العهدة الثالثة وعف عنها وعفا، ولو أن ذلك نظريا أمر مستبعد الحدوث.
إن كل المواعيد والبرامج والمشاريع مؤجلة إلى ما بعد الرئاسيات أو قل إنها كلها أضحت في حكم مهام أجلت لرئيس عام 2009 سواء كان هذا الرئيس هو بوتفليقة أو غيره. وقد اختزلت السياسة الجزائرية برمتها هذه الأيام في دعم الرئيس لعهدة ثالثة أو معارضة ذلك. وإذا كان الواقع يؤكد أن أي شخصية يستهويها دخول معترك الرئاسيات لمنافسة بوتفليقة لن تكون إلا أرنب سباق. فذلك لا يمنع من أن "أرنب عن أرنب يختلف". فهناك أرانب صغيرة وأخرى كبيرة. صحيح أن الكبير منها لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون ندا للمرشح الأوفر حظا و لكن هذا لا ينفي أيضا أن يحسب للكبار حسابهم ولو كانوا أرانبا .
نحن هنا لا نريد بالأرانب حطا من قيمة أي من الذين ستمكنهم الـ75 ألف إمضاء من الترشح لطرق باب قصر المرادية وتجريب الحظ الديمقراطي .
فكلمة أرنب ليست عيبا و لا نقصد بها ذلك. وهذا الحزب الديمقراطي الحاكم اليوم في أكبر دولة في العالم يتخذ من الحمار صورة واسما وعنوانا له. فما بال كل الذين يعتزمون الترشح للرئاسيات الجزائرية القادمة كلهم يتخذون من موال "لن أكون أرنب سباق" لازمة لأحاديثهم وخطاباتهم وتصريحاتهم. من موسى التواتي زعيم الجبهة الوطنية الجزائرية إلى علي فوزي رباعين مرورا بعبد الله جاب الله. ثم لماذا يبدو كل من يتحدث منهم عن الرئاسة مدافعا عن نفسه ومرافعا بأنه لن يكون أرنبا من فرط حساسياتهم من فوبيا هذا الوصف؟
هذا عن جبهات معارضة الرئيس. أما على الصعيد الداخلي لجبهة أو كتلة المساندة. فشأنها شأن آخر يكفي أنها أصبحت تشكل فسيفساء من الأحزاب والجماعات والجمعيات والشخصيات يحير ذوي الألباب. فمن كشافة الأطفال والأناشيد إلى جمعيات الزوايا والتكايا والوعدات والزردات. لا أحد يتخلف عن الدعم والمساندة. ولأن الكل تساوى في دعم العهدة الثالثة فقد زالت الفوارق وبطلت الحسابات. حيث لم يعد هناك أي فرق بين أكبر حزب في الجزائر يدعم ويساند وبين رهط كشافة ينافسه في هذا المسعى. فما الفرق بين رئيس حزب وطفل في الكشافة؟! وما الفرق الآن بين "حضرة" قرآنية في جنازة و بين تجمع سياسي لمناضلي وإطارات حزب مساند؟! طبعا لا فرق إطلاقا.
عبد الله الرافعي
30 ديسمبر 2008