في مقابل هذا الاهتمام البالغ وفي مرحلة تشهد طفرة كبرى في الدول التي لها أسرى بسجن العار غوانتانامو، نشهد صمتا رهيبا حول الجزائريين المتواجدين في زنازين بالقاعدة العسكرية الأمريكية بكوبا، الذين يأتون في المرتبة الثانية من حيث العدد بعد اليمن، ولحد الساعة لم يوجه لهم أي اتهام رسمي من قبل الولايات المتحدة، ولا هم مصنفون في دائرة المقاتلين الأعداء، بل الكل يعرف أنه يوجد من برأه القضاء البوسني من قبل، ولم يثبت عليهم أي شيء ولكن بعدما أطلق سراحهم سلموا إلى أمريكا بتواطؤ السلطات البوسنية، هؤلاء أسرى أبرياء ساقتهم أقدارهم إلى هذا المكان المشؤوم… فترى ماذا فعلت السلطات الجزائرية لهم كما يجري اليوم مع مساجين الحق العام والمدانين نهائيا في ليبيا؟
لقد أعطت السودان درسا يمكن أن يحتذى به، حيث ظلت تستقبل أسراها وتوفر لهم الظروف الحسنة ولم تتابعهم قضائيا، أو وضعتهم في مخافر المخابرات أو اي شيء من هذا القبيل، ولكن في الجزائر ظلت السلطات تهدد وتتوعد بأن أسراها في غوانتانامو لما يسلمون إليها فلن تفرش لهم الأرض بالورود أو يوضعون في قصور كما صرح بجاوي وزير الخارجية الأسبق، بل سيخضعون للقانون الداخلي الذي يعرف الجميع أنهم سيتابعون ويحكم عليهم بتهم الانتماء إلى منظمات إرهابية تنشط في الخارج طبقا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وهو الذي لم يشمله قانون ميثاق السلم فيوجد الكثيرون ممن تسلمتهم الجزائر من قبل ولا يزالون يقبعون من وراء القضبان كما يحدث مع عمر جدي الذي عاد للجزائر ولم يسبق متابعته وبعد اشهر قبض عليه ولم يستفد من العفو وجمال الدين بوذراع الذي كاد أن يكون من معتقلي غوانتانامو سلمته أمريكا إلى السلطات الجزائرية بعد سنتين في معتقلاتها بأفغانستان… الخ، بل ذهبت السلطات أيضا إلى التبجح بأن موضوع الأسرى جزائري بحت وسيادي كما يزعمون ولا يحق لأي كان التدخل فيه وخاصة المنظمات الحقوقية التي لها دور كبير في تحرير الكثيرين وعلى رأسهم التنسيق العالمي لإغلاق غوانتانامو، وقد وفق في تحرير سامي الحاج مؤخرا بعد حرب ضروس مع البنتاغون والبيت الأبيض، ففي حديث جمعنا بالدكتور هيثم مناع الذي هو منسق هذا التجمع العالمي الحقوقي الكبير، ظل يؤكد لنا استعداده للتعاون مع السلطات الجزائرية لأجل توصيل أسراها سالمين، ولكن ظلت هذه الحكومة رافضة لكل المبادرات وما تريده سوى تسلم هؤلاء الذين هم في نظرها إرهابيون خطيرون للغاية، والنظام الذي له مشاكل كبيرة مع الإسلاميين منذ سنوات صار ينظر بمنظار واحد إلى الجميع، والكل عنده متهم يستحق السحق والإعدام، وهو خطأ جسيم يجب أن يتم تداركه قبل فوات الأوان، أليس من العار أن يرفض بلباشا تسليمه للجزائر ويفضل البقاء في غونتانامو؟ أليس من العيب والعار والشنار أن تهب الدولة بكل مؤسساتها للإفراج عن مهربي المخدرات والقتلة واللصوص الذين جرمهم القانون الليبي في حين تتجاهل أسرى كل العالم يجمع على براءتهم حتى السلطات الأمريكية لم تجد ما تتابعهم به؟
الكيل بمكيالين بين مساجين الحق العام في ليبيا وبين أسرى غوانتانامو يؤكد مدى حرص النظام على مصالح أخرى لا تتعلق أبدا بقيمة المواطن الجزائري، فهي تريد الضغط على ليبيا لتحقيق مكاسب ربما تتعلق بالإتحاد المتوسطي، أو تريد تمويه الشعب الجزائري عن قضاياه الرئيسة وذلك بشغله بقضايا هامشية، أو بأشياء أخرى لم يتم الكشف عنها ولا هي موضوعنا الآن، فضلا من كل ذلك أنه يوجد بعض المساجين في ليبيا لهم أقارب نافذين في السلطة ومن أرباب المال والثراء، أو حتى مهربين للمخدرات يعملون لحساب بارونات يسيطرون على البعض من القرار، أما عائلات أسرى غوانتانامو فهم من البسطاء والفقراء وعامة الشعب والذين لا يد لهم حتى في البلديات التي يقطنون بها…
ان النظام الذي يتحرك عن بكرة أبيه لإنقاذ قاتل أو مهرب سموم أو لص سارق من الحكم المتابع به، وفي الوقت نفسه يتجاهل أسرى حرب لا ناقة لهم ولا جمل أجمع المحامون ورجال القانون في كل العالم وحتى الحقوقيون على براءتهم، لهو نظام فاسد يحتاج إلى تغيير ومحاكمة، فهو يتلاعب بمصير الجزائريين الأبرياء، ولكن كما نعلم أن اللص يدافع عن لص مثله، والقاتل يحب القاتل مثله، ومهرب السموم من المخدرات والهروين يحمي زميله أو الذي يعمل لحسابه… فكيف يسمح لعائلات مساجين الحق العام بالتظاهر بل يستقبلون في الوزارات والدوائر الحكومية في حين عائلات أسرى غوانتانامو لا مكان ولا نصير لهم؟
هذه كلمة نسجلها لله ثم للتاريخ ونعلم الجزائريين وعائلات المعتقلين في غوانتانامو – بصفتنا نحن المقربين كثيرا ممن ينشطون في هذا المجال – أن حكومتكم هي التي ترفض أن يتحرر هؤلاء، فهي تفضل لهم الموت من العودة إلى أبنائهم وديارهم، فإن كانت تقيم الدنيا من أن مساجين الحق العام تسوست أسنانهم بالسجن المركزي بطرابلس فهي لم تتحرك ومن بين أسراها من أصيب بالجنون وصار يقتات من الفضلات بالمراحيض… ونزيد تأكيدا على أن الجزائريين على قائمة الذين سيفرج عنهم قريبا ولكن المشكلة العالقة في المكان الذي سينقلون إليه، فحكومة الجزائر تعد لهم الزنازين بمخافر التعذيب والاستنطاق والأحكام القاسية، ومن لا يجد مكانا في بلده فترى هل سيجده في مكان آخر؟…
أقولها بصراحة أنني لست ضد تحويل مساجين الجزائر بليبيا إلى بلادهم أو العفو عنهم بل من حقهم على الأقل أن يقضوا باقي أحكامهم في سجون قريبة من أهاليهم حتى لا يكلفونهم مشقة السفر، ولكن يجب أن يتحقق العدل بين الجميع مهما كانت تهمهم ومهما كانت الأحكام التي صدرت عليهم، يجب أن ينظر لجزائريتهم ولا يحاكموا مسبقا ومن دون أدلة أو براهين… أليس ما فعله ساركوزي في تشاد لما تنقل وعاد وعلى متن طائرته أبناء بلده عبرة لكم يا من تقدسون كل ما يأتي من عند هؤلاء.
الجزائر ليست لكم وحدكم حتى تحرمون أبناءها منها، ولم يقاتل عليها آباؤكم حتى تجعلونها في عداد ممتلكاتكم العقارية… الجزائر لنا ولن نصمت أبدا حتى نحررها منكم مهما كلفنا الأمر، ودماؤنا عربون لا نتأخر فيه وإن حرصتم.
أنور مالك
7 جوان 2008