فقد ظـلّ الجزائريون يطاولون أشقاءهم بنعمة ثورة المليون شهيد التي تباهت بها الأمّة كلها، في وجه غـرب له يد تصفـع و بطن ـ من حق و باطل ـ لا يـشبع!
ولم ينج ُمن هذا المآل لا عــراق، و قد صار عـُـراقا، ولا فـلسطين ـ قبل أن يُــقـبل ليل لبنان الـزاحـف منذ أكثر من عامين.
فـرح الأمريكان بعد أن بدا للدنيا أنّ الجوّ خلا لهم اثر سقوط بيت العنكبوت الشيوعي، فــرَاحوا يتبخترون في العراق قبل أن تـذيقهم المقاومة وبال أمرهم، إلى أن انتهى بهـا المطاف أحيانا إلى التعبد الفاسد بقتل المسلمين أنفسهم، وسط بيوت الله تعالى وفي الأسواق، بأحزمة ناسفة لا تفرق بين طفل و امرأة و شيخ من أمّة الرسول العزيز…
فعـشـرات الآلاف من ضحايا العراق الذين سقطوا بعد الاحتلال الأمريكي، إنما قتـلهم أساسا معـقـّــدون من هنا و حاقـدون من هناك ـ وقد انطلقوا جميعا من نفسية معـتـلة و من ذهنية مخـتـلة.
فالمسلم المسكين في العراق يقـتـله اليوم النصرانيّ الغـريبُ… و المسلم القريبُ ـ تقريـبا على حد سواء!
و لكن الانهيار العام لم يبدأ انطلاقا من بلاد الرافدين.
لقد كان بعض الإسلاميين الجزائريين حيارى، بل كانت أنفاسهم حرّى، و هم ينظرون إلى المظلومين يـشطون في استرجاع حقهم الانتخابي، من خلال ردّ فعل، أعملوا عبره السيف في غير اكـتـــناه نص شرعي و لا تقدير مصلحة.
فكان من المحرقة الجزائرية أن نجا منها الجاني، و هلك فيها المستضعف ـ من الجانبين ـ مع الشيخ الفاني…
و كم كنا نغـبط أبناء الشهيد الغالي أحمد ياسين و قد ابتعدوا عن الدم الفلسطيني، رغم ما كان لدى الطرف الآخر من داء و خطايا و أخطاء.
و لكن إلى حين.
إلى أن جاءت أحداث غزة، فلم يعد معها الخـاطـئَ الوحيدَ لا فريق أوسلو المتهافت و لا ذاك العقيد المتصهين التـليد!
و شاهد الناس أســـودا تعبث في غـزة.
و في تعجـل من أمرها، راحت تـقترب قـليلا من فخ تقليد الذئاب و الثعالب.
وإذا كان الناس يضحكون ـ و بعض الضحك بكاء ـ و هم يشاهدون سـُـلــيـْـطة الضفة وهي تفتح السجن و تنشئ محكمة أمن "الدولة" العليا، في غياب مجرد دولة جنينية، فقد حزنت الأمـّة وهي ترى طلاب جنة الخلد يحملون العـصـيّ، يضربون بها ظهور الأهل ـ ولو كانوا من الطرف السياسي الآخر.
أحـَـشفا و سوء كيلة؟ بل أمولودا خديجا و مشاغبا؟
إنّ الحـرّ يأبى ظلم الناس و لو كان قـويا ذا سطوة أو سلطة، فما بالك و هو مسـتـضعـف من قبل شذاذ الآفاق؟
ضعـُـف الظالم و المظلوم!
و لكن ما الحال في لبنان، بعد هـزّة مايو 2008؟
مهما كانت المبالغة في حجم رد فعل المقاومة، فإنّ قراري الحكومة اللبنانية هما اللذان كانا الشرارة المباشرة أو الظاهرة في اندلاع هذا الفصل من أزمة قديمة معقدة.
و مع ذلك، فإنّ الصورة اليوم بها غـبش، بخلاف صفائها المطلق في 2000 و نقائها الغـالب في 2006.
ممّا نصاعة النصر الرباني في 2000، وجدت الأمّة نفسها في إجماع حول المقاومة ضد العدو المستكبر في الأرض، وقد سحب عسكره مندحرا إلى حدود فلسطين الشمالية.
لكنّ نتيجة 2006 لم تكن بنفس البياض، رغم حرمان الصهاينة فيها لأول مرة من الانتصار العـملياتـي.
و لكثرة هزائم قيادات الجيوش العربية مع تل أبيب، فقد انـتـشر قهرا في أجهزة الإعلام العربية لفظ "انتصار"، على اثر صمود المقاومة البطلة ـ بدل مفهوم "عدم انتصار" الصهاينة في ما سـمّي "حرب تموز"…
و لئن ارتضت الجماهير مثل هذا التقويم السياسي المشبع لجوعة نفسية عميقة لدى أصحابه، فإنّ أمانة الحسابات الاستراتجية تفرض الصدق مع الأمّة و مع النفس اللوامة اليقظة، لكيلا تكتوي الشعوب الطيبة من أي ربا أخلاقي يجعل ضحاياه يقتربون من الذين […و يحـبـون أن يـُحمدوا بما لم يفعلوا].
إنّ حسرات حكومة الاستيطان في حرب 2006 و عويل الصهاينة في المخابئ حقيقتان لا يحق لنا من خلالهما أن ننسى إسكات جبهة الجنوب اللبناني عن طريق الاستجابة السريعة للقرار الأمميّ الداعي إلى منع القتال، و ما تبع ذلك من فصل المعسكرين بقوات اليونيفال.
فقد استوى بذلك جنوب بجولان و بسيناء…
ولا يغرنك بعد ذلك تباكي أو مسكنة يهود عبر تقرير فينوغراد الذي ينتظر العرب مثيلا له من جهة المقاومة. أم أنّ الصهاينة أصدق مع شعبهم من رساليـّين مع أمـّـتهم؟
أما هذا الفصل، فقد يأتي بعده زمان يقول فيه الناس للمقاومة: الصيف ضيعت اللبن، بعد أن بدا لكثير من المؤمنين أنها في 2008 أدارت ظهر المجن!
فالحديث عن قرار قيادة المقاومة اجتياح بيروت الغـربـية ـ ذات الأغلبية "السنية" ـ حـق لكل مسلم، لما في الأمر من تداعـيات لا تتوقـف عند الحدود اللبنانية…
و ليس أقل هذه التداعيات تلك المخاطر المنذرة بانتقال الفتنة من العراق إلى بلاد الأوزاعي…
إنّ هناك على الأقل أمرين يبرران الصدق المؤلم المريح مع قيادة المقاومة.
أولهما نصرة الأخ بإسداء النصيحة له لكيلا يطمع التلوث في بياض ثوبه.
و ثانيهما أنّ تعليق إمضاء الحدود الشرعية وقت الحرب، كما قال أحناف و إمامية، لم يعُـد له محل اليوم، و لبنان كله تقريبا ملك يد المقاومة التي انزاح عنها الاستضعاف.
و فوق هذا و ذاك، فإنـّه آن للأمّة أن يتصالح كل أفرادها ـ في الحياة عموما و في السياسة خصوصا ـ مع تلك الذهنية التي كانت، أيـّام النبوة الكريمة، ملآى بثـنائي المحـبة الناقـدة الذي عبرت عنه حكمة "أحبب صديقك هـونا ما ، عسى أن يكون خصمك يوما ما، و أبغض خصمك هـونا ما، عسى أن يكون صديقك يوما ما".
إنّ العصمة عند معظم المسلمين لا تكون إلا لنبيّ.
و صدق الإمام عليّ عندما رد على مُـبغـض حاقد جاء يتملقه: "يا هذا، أنا دون ما تقول و خيـر مـما في نفسك!"
و هذا ما حاول الاقـتراب منه الكاتب الفرنسي بومرشي بقوله : بدون حرية القـدح، لا قيمة للمدح!
و الذي درج عليه الصحابة الكرام في هذا المجال ـ من يقظة ذهنية ـ هو ما أدركته بعد ذلك الشعوب الغربية ـ عبر ثقافتها المدنية ـ و هي تحب الشخص اليوم و قد تطيحه بعد غد!
فمتى يتخلص المسلم ـ بدوره ـ من كل أشكال الوثــنـيّـة السياسية المنصبة على التنظيم أو الفكر أو الشخص، فيستطيع حينئذ حب قائد مع نقده، و الإعجاب بعالم يبدي اختلافه معه، و رفض اختيار مرشح تنظيم رغم الانتماء إليه؟
أما حكاية "الزعيم الخالد" و "القائد المعلم"، فهي متروكة لأهل الاسـتـنعاج السياسي في أوساط النخب المرتـشـية التي أفسدت جزءا معتبرا من الرأي العام…
إنـّّه لا أوقاف في السياسة.
و ناخبك أو محبـّـك بالأمس قد يصبح خصمك غدا.
و اشهدي اليوم يا استطلاعات الرأي حول انهيار شعبية الفرنسي سـركوزي أو الأمريكي بوش، رغم انتخابهما الحـر…
و لذلك سيظل أداء المقاومة اللبنانية فوق ما يقوله الأعداء، و لكن ـ أيضا ـ تحت مستوى ما يروّجه الأولياء!
لم يألف الناس رؤية فرسان الجنوب و هم يظهرون بعض قـوّتهم في بيروت!
فقد كانت ساحة الوغى عندهم تسمّى بنت جبيل و مرجعيون و حاصبيا!
و هـَـب الهدف نبيلا عبر إخافة الحكومة، فإنّ قيادة المقاومة أخطأت في تحديد الوسيلة!
و كيف لا، و قد اجتاحت بيروت الغـربية ـ دون الشرقية ـ مما أعطى للناس صورة مسلم يستضعـف مسلما!
و الحقّ أنّ أشخاصا مسلمين من الأكثرية كانوا عند الاجتياح أكثر رزانة من قيادة المعارضة، ذلك أنّ افتقادهم القـوّة لا يفسر وحده ما بدا للناس من حرصهم على تفادي الكارثة.
"شيعي" يسـتعـلي على "سنـّّي"… تماما مثل "سـنـّي" يتطاول على "شـيعي"!
يا للغـنيمة!
أ فلم يكن بوسع المقاومة أن تـتدرج ـ قرآنيا ـ في إبطال القرار الجائر المنصب على شبكة الاتصالات؟ بل و أن تعطـّـله بمجرد تجاهله؟
أما حكاية عميد المطار المعزول، فقد سكـتـت قيادة المقاومة عن الذين قــُــتـل عندهم من هو أكبر: الحاج رضوان، صاحب القبر الذي اهتز أمامه بعض الجزائريين!
و الذي زاد في الفتنة علة، أيها المضحون، أنّ امتشاق السيف ذاك لم يكن بقـوة ذاتية، بقدر ما كان بإمداد و عتاد لم تمنحكم إياهما إيـران إلا بـنيـّة استعمالهما أساسا ضد المحـتـلّ الصهيوني…
إنـه ليس عـيبا، في مثل حالتكم، أن يستعين أخ بأخ لكم أكبر ـ ما ظل الأمر ضد العـدوّ المشترك.
ذلك أنّ سلاح أمريكا الذي تمد به تـل أبيب، لا يستعمله يهود الأشكناز ضد يهود السيفراد ولا حتى ضد يهود الفلاشا!
إنّ إيران مقبلة على استمرار مواجهتها مع الغرب المؤسساتي.
و لذلك فهي لا تحتاج إلى من يلح في تذكيرها بأن حليفها المنطقي ـ إيمانيا و جغرافيا ـ في أوساط معـظم المسلمين غير "الشيعة" قد ينقـلب إلى خـصـم أو إلى أخ غير شقيق لا يهمه إلا بيته!
طهران لن تخيف أولياءها إن حرصت على حقيقة الظهور بهذا الترتيب: مسلمة شـيعـية إيـرانية!
و طهران قد تفقد محيط تحركها الخـَـليقـي الأخويّ إن أحس منها ترتيبا جاهليا معكوسا مثل: إيرانية شيعية مسلمة!
و هل تردد الأعداء في ضرب إيران "الشيعية" إلا بفضل الله تعالى عبر دروس ضربات المقاومة "السنية" الموجعة للأمريكان، رغـم أخطائها و خطاياها؟
إنّ التعاون بين أجنحة المسلمين عبادة أو على الأقل إنسانية و مصلحة…
و لا شيء أحسن هنا مـِـن حــَـان على ذريـّة عمر أو سلمان!
فالطمأنة، الطمأنة! يا بعض عشاق أبناء فاطمة!
و الشرع المنـزّل قبل وَ فـوق الشرع المـُـؤوّل ـ بتعـبير أحد علماء دمشق.
و في لبنان و في الخليج!
"خليج القرآن" ـ كما اقترحها تسمية أحد المغاربـيـيـن، بما يريح فــُـرسا و عـربا…
فبمثل هذا المسلك، تهدأ النفوس تدريجيا، فلا يجعل بعض القوميين حينئذ مسألة جزيرة طـنب الصغرى، قرب الإمارات المتحدة، مقدَََمة في الهمّ على فلسطين الكبرى ـ مثلما قالها لهم أحد الجزائريين في الخليج في 2006، و على الجزيرة/مباشر.
بل و حينئذ لن يطالب الأخ َالجارَ بالجزر المتنازع عليها في الخليج ـ وفق النصوص الشرعية ـ إلا من يجرؤ على طلب فلسطين كلها من العدوّ الغريب ـ و ليس بالضفة و القطاع وحدهما، كما ألـِـف ذلك أبناء أبي جهل من حلفاء أنظمة الطغيان و العجز والتخلف!
كما أنّ الذي زاد في الطين بلة، ذلك الابتهاج الناريّ بعد إلغاء القرارين الحكوميين ـ و هو فـرح لم يشاهده الناس اثـر انتصار لبنان كله على نفسه بعـد اتفاق الدوحة.
إنه تقديم الثمرة على الشجرة أو النواة قبل الثمرة…
فما هكذا إذن تكون أخلاق "النصر" ـ إن كان هناك نصر!
والنصر على من؟
على حكومة عميلة؟
أهي التي تفاوضُ اليوم تل أبيب عبر قدماء الإسلاميين الأتـراك؟ و هل هناك سِــفاح غير مباشر حتى تغـضوا الطـرف عن مفاوضات سياسية "غير مباشرة"؟
و يا خـصوم ما سـُميّ "اتفاق 17 أيار" [1983] المشؤوم، ، لماذا السكوت اليوم عن شقيق كمب ديفد الذي قد يُـسمّى غدا "كمب اسطـنبول"؟
ثم لمَ التوقيع إذن مع هذه الحكومة "العميلة" على صلح الدوحة الجميل؟
بل و لـمَ السكوت أو الرضا عن حكومة بغداد؟ أليست هي أيضا مَـرْضيا عنها أمريكيا؟
إنّ المرء يغالب نفسه هنا أيضا لإبطال شبهة المذهبية عن مثل هذا الموقف، ولكنـّـكم لا تمدوننا بما نطرد به الشيطان أو نـُـكذب به الواقع…
بل إنّ مثل هذا التمييز في توزيع العمالة يذكرنا بتمييز آخر ـ على مستوى المحاكمة.
ذلك أنّ رفض القبعة الأمريكية في محاكمة قـتلة الحريري يقتضي ـ إيمانيا و أخلاقيا ـ رفض محاكمة صدام تحت إشراف أمريكي، مهما كان مَـقـتـنا لجرائره التي ختمها بفراره أمام الجيش الأمريكي يوم الزحف في 9 أبريل 2003.
بل و كيف يكون البعث بعـثين : بعثا طـيبا ـ "شبه شيعيّ" ـ في دمشق، و بعثا خبيثا ـ "شبه سنيّ" ـ في بغـداد؟
فلقد انزعج كثير من الطيـبـين وهم يسمعـون قيادة المقاومة تكيل المديح لجهة ـ حليفة ـ لم تـتردد ذات يوم، سنوات بعـد تل الزعتر، في هدم المساجد و قتل آلاف المسلمين الآمنين!
و كيف يجمع المرء الواحد ـ لا سيما إن ظهر للناس بوجه الرساليّ ـ بين بـُغـض جور الصهاينة الـقـتـلة و بين السكوت عن طغيان الجيران الظلمة؟
ذلك أنّ الحرية لا تتجزأ.
و أيّ كرامة تبقى للرجل إن خـلصه الله العزيز من قهر الخارج ليوقع نفسه في استعباد الداخـل؟
وإنّ الظلم ـ أيضا ـ لا يُـبعّـض.
و الحـرّ ـ الكامل الحـرورة ـ لا ينظر إلى الظلم حسب الجهة الآتي منها.
لأنـّه لا يوجد ظلم تقدمي، و لا ظلم وطنيّ.
بـل و لا وجود في الدين القـيّم لظلم باسم الإسـلام الحق نفسه.
و الأبيّ هو الذي يرفض كل أنواع الضيم: فـسيّان عنده عـتـوّ يـَـزيد و جبروت هولاكو!
ذلك أنـّّـه لا يوجد بغـي الوليّ ـ فـيـُـسكت عنه ـ، و عتو العدوّ ـ فــيُــنتفض عليه وحده.
و لا سبيل للمفاضلة بينهما هنا. بل إنـّها لو تـمّـت، لما نجا من نتائجها السلبية أشباه الوطنـيين و دعاة القومية المقيتة!
و اسألوا إن شئتم معـتـقـليْ عـسقلان و النقب الرهيـبيـن إن كانا يغبطان أطلال سجن تـدمـُـر الجهنمي؟
ولا يزيدنّ أحـد في وجع قـلوبنا بخـفـة شاعـر انكسر أمام قومه ـ و إن عليه جاروا!
إنـّه ظلم ذوي القربى الذي ينبغي اجـتـثاثــــه قبل الصفح الجميل عنهــم…
فلقد آن الأوان ليسمعها الناس: إنـّـه من سوء فقه الولاء والبراء أن يُـقدم العفلقيّ اللائكي/العلماني، لمجرد أنـّـه من أصل "سنـّي"، على الإسلامي الشيعي، أو أن يـُحـتـفى بالعـفـلقيّ اللائكي/العلماني "المتـشايع"، تضحية ً بالإسلاميّ الإخوانيّ، طريد الإعدام لمجرد الانتماء ـ وفق النص 49 الذي لا نظير له في كيان الصهاينة المجرمين أنفسهم!
قد يكون لمجاهدي الجنوب أدلتهم أو حججهم المبنية على الواقعية التي قد تهادن الباطل دون أن تـُمسخ وقــوعــــيّـة ـ كما كتب أحدنا ذلك في ربيع 1997 عبر أسبوعية جزائرية.
و لكننا لا نستطيع في هذا المجال ألا نقرأ قوله تعالى: [و ما كنتُ متخذ المضلـّـين عـضُـدا]، [قال ربّ بما أنعمتَ عليّ فـلن أكون ظهيرا للمجرمين]…
فأيّ مصلحة شرعـيّة راجحة ـ تـُرضي الله تعالى ـ، تلك التي جعلت إسلاميـّـيـن يضعـون أيديهم إلى هذا المدى، من أجل كيلومترات مربعة في الجنوب، على مكانتها، في أيد لا يـُخـفـي أصحابها ترسـيم معاداة تطبـيق الإسلام الخالد؟
ءآلطين مقـدّم على الديـن؟
و علامَ إذن تـشـنيع أهل المذهب الإمامي على القاضي شـُـريح مثلا و قد التحق بـمُُـلك بني أمـيّّة؟
ثم أنـّى لأعداء توريث يـَـزيد المـُـلكَ أن يفرحوا بما حصل من إمضاء ولاية عهد في دمشق ـ نفسها ـ بعد أن تـُوفي قبل سـنين أحد رموز حـزب أنشأه ميـشال عـفـلـق؟
و قالوا مـمـانعة!
بل هي المــُــــــنـــاعـمـة!
هي التنازل بالتقـسيط!
هو الصلح بـسلاسة!
و لو قالوا: إنـّه التمـنـّـع لكـان أقـل كـذبا على الأمـّة.
إذ كيف يقبل "الممانعـون" استعادة الجولان بالمفاوضات ـ وكأنـّه لا صوت يعلو فوق صوت "الممانعة" ـ بينما يصرّون على مساعدة المقاومة بالسلاح في لبنان؟
فهل هي محاولة التكفير عن ترك جبهة الجولان خرساء منذ 34 سنة؟
لعلّ من لطف الله تعالى بعماد مُـغــنيه ـ أحد سادة المقاومة التي لا سيدودة فيها اليوم لبشر قبل الشهداء ـ أنـّه لم يحضر أحداث بيروت الأخيرة التي كان الطرف الرابح فيها خاسرا.
بل خسرت فيها الأمـّة و المقاومة!
خسرت فيها الأمـّة الكبرى عندما رأت جماعة صامدة قاتلت في الجنوب تلاميذ جالـوت، و هي تكاد تغـرق في وحل بيروت!
و خسرت ألأمـّة الكبرى و هي تشاهد الفتنة تطلّ برأس آخر في لبنان!
و خسرت المقاومة بعد أن حولت الإجماع الذي كان حولها "طـيـْـفـيا" جميلا ـ يشمل كل الألوان ـ إلى تـفـوّق "طـائـفـيّ" ضـيّـق!
و خسرت المقاومة بعد أن تحولت من فـرقـة مستطابة تحارب عالميا، إلى جماعة نسيت إبعاد بندقيتها عن الأشرفية و الروشه ـ دون تمييز!
كانت المقاومة في الجنوب إنجازات فرسان، ولم تكن أبـدا ضـبعـا.
ولكن يبدو أنّ قيادتها كادت تنـسى تحذير الإمام عليّ: و الله لا أكون مثل الضبع، تسمع صوت اللـّـدم حتى تخرج فــتـُـصاد!
بل لا جعلها الله تعالى ظهرا يـُركب ـ لا سيما من قِـبـل الجوار اللائكي/العلماني العاتي ـ و لا ضرعا يـُحلب!
و لكن من منـّا يدري؟ فربّ ضارة نافعة!
إنّ الفرقاء لم يلتقوا لينطـلقـوا من جديد في مسيرة التصالح إلا بعد أحداث مايو 2008.
ثم من قال أنّ قيادة المقاومة لن تـُـقبل على استخلاص العـبر فـتـزداد قوة إلى قوتها بتقريب الجار ذي القربى دون أن يمنعها ذلك أن تبرّ و تقسط إلى الذين لم يقاتلوها في الدين و لم يخرجوها من ديارها؟
و أخيرا، إخوتـنا…
ما أبعد الليلة عن البارحة!
بالأمس، عام 2000، أعجـِـب بكم الجزائري، و هو العزيز المتمرد الذي لا يُعجـَـب بأيّ كـان!
و مع ذلك، فلا تزال اليوم محاسنكم الكثيرة ـ على دخـن فيها ـ أكبر من نقائصكم!
فهلاّ أفرحتم الأمـّة و أغـضتم العدى بأن ترجعـوا كما كنتم ـ و أفضل ـ في أعين أحبائكم: كتيـبة متألقة من كتائب حزب الله تعالى؟
أحمد بن محمد