لكن في الدول العربية فتجد مترشحين مستقلين تقدموا للإنتخابات برتبة أرانب، من أجل تلميع نجاح مرشح السلطة الموازية التي تحكم البلد، وتجد هذا المرشح الذي نال رضا المؤسسات العسكرية يتعامل خلال حملته الإنتخابية كرئيس منتخب لا يمكن أن يتخيل أي كان غير ذلك، بالنسبة للوعود فتجده كثيرة ومختلفة حتى المرشح نفسه ينساها وهو في خضم مهرجاناته الإنتخابية، ولا يذكرها إلا اذا عاد اليه بعض الشرفاء من السياسيين أو الإعلاميين، أمر آخر أن الشارع العربي لا يملك أدنى سلطة لأنه شارع في خدمة الأنظمة التي تصادر حريته بمختلف الصور، وحتى نكون أقرب للتوضيح نعطي نموذجا حول ما يجري في الجزائر هذه الأيام، من خلال مهرجانات احتيالية للتجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي عندما لاحت تباشير نهاية عهدته ومنها نهاية حكمه، ظهر جليا ضرورة تعديل الدستور وهب الكثيرون وحتى من امتدحوه ايام الرئيس الأسبق زروال بالحديث عن عيوبه بل حتى أنه كان قد فرض من الخارج كما جرى مع رئيس البرلمان عبدالعزيز زياري، وهو نفسه قد تركه لعشر سنوات بالرغم من انتقاده له في بداية عهدته الأولى، وهنا نسجل احتمالين:
الأول أن الرئيس لم يحكم بالدستور منذ تولى السلطة وهي كارثة بعينها لا تشبهها الا فترة حكم بومدين الذي علق الدستور منذ انقلابه على بن بلة عام 1965 ولم يعود اليه الا في عام 1976 ومن خلال طبعة جديدة خاصة به، لكن على الأقل أن بومدين أعلن تعليق العمل بالدستور وأعطيت الصلاحيات كلها لمجلس الثورة الذي اسسه، ولكن بالنسبة لتلميذه بوتفليقة – الذي عينه بومدين وزيرا وهو في بداية العشرينيات من عمره – فهو لم يعلن تعليق الدستور ولم يشر من قريب أو من بعيد لذلك، وهو ما يعني أن الرجل لم يكن شفافا في ذلك مع منتخبيه وشعبه، ولم تكن له الجرأة على الأقل في اتخاذ موقف ضد دستور صب عليه جام غضبه من قبل، لأنه حينها سيجد نفسه مضطرا للتعديل وهو لم يكتمل بعد ضبط أموره بما سيؤهله للمضي نحو عهدات مفتوحة.
أما الإحتمال الثاني وهو أن الرئيس بوتفليقة قد حكم شعبه بدستور غير صالح وسيء وهو ما يجب أن يحاسب عليه حسابا لا رحمة فيه، فأن يحكم البلاد بدستور فاسد هي كارثة بمعنى الكلمة ولا يمكن السكوت عنها، لأن ذلك يتنافى مع العهود التي قطعها على نفسه أو حتى القسم الذي أداه غداة تسلمه لمقاليد الحكم…
الأمر الآخر أنه وعد لما ترشح أول مرة بالعزة والكرامة والأمن لكل الجزائريين وبطريقة فضفاضة طبعا ومن دون أن يحدد برنامجه بدقة، فالوئام المدني ليس برنامجه بل هو للعسكر رفضه الرئيس زروال فعجل برحيله بعد مؤامرة على ذراعه الأيمن الجنرال بتشين، لذلك لا يمكن أن ينسب قانون الوئام المدني لبوتفليقة، لأن في ذلك تزوير للتاريخ وتلاعب على الحقائق، فقد كان له دور التوقيع على ما قدم من طرف الجنرالات الجزائريين ليس الا، أما ميثاق السلم والمصالحة فهو من برنامجه الذي أدخله في اطار ما سماها ترقية الوئام المدني، وطبعا قد ناله الفشل لأنه جاء لأجل تبييض وجه المؤسسة العسكرية المتهمة دوليا وحقوقيا في الكثير من الجرائم اللإنسانية، وأيضا يراد منه تجاوز بعض الملفات السوداء التي تسبب الصداع للحكم كقضية المفقودين…
الوضع الأمني متدهور والجماعة السلفية للدعوة والقتال صارت تنظيما تابعا للقاعدة والتفجيرات عادت كما كانت في التسعينات، وان كان النظام الجزائري حاول أن يظهر دوما بأن المسؤولية يتحملها الارهابيون الذين لم يلبوا نداء المصالحة والعفو، وفي أحيان أخرى توجه أصابع الإتهام لأعداء السلم والمصالحة الجزائرية ومن دون أن تكشف بالتحديد هويات الأعداء، وهذا ديدن النظام الجزائري منذ الإستقلال… وهو ما لم يقولونه خلال الحملة الإنتخابية، فلو قال بوتفليقة أو بلخادم أو أويحيى او سلطاني بأن المصالحة ستتحقق في حال استجابة المسلحين للنداء والسلم، وان لم يستجيبوا فنحن قدمنا ما علينا وبرأنا ذمتنا أمام الله ثم أمام الشعب، نكون قد أعذرناهم على النتائج السيئة التي تحققت بعد تبذير الملايير على إنتخابات 29 سبتمبر 2005 الخاصة بميثاق السلم هذا، أما أن يقولوا بأن كل شيء سيتحقق من مجرد وضع ورقة نعم في الصندوق فهي كارثة واحتيال بمعنى الكلمة، يجب أن يحاسب عليه هؤلاء يحاكموا على كل كلمة تلفظوا بها خلال الحملة الإنتخابية…
أما بالنسبة للكرامة والعزة فهي شعار فضفاض أريد منه التلاعب بمشاعر مواطنين عاشوا الأمرين في ظل الحرب الأهلية، وكدليل ملموس وحديث على ما آلت اليه كرامة الجزائريين ما جرى مؤخرا بمصر لما تم تعذيب أساتذة جامعيين في مخافر مخابرات حسني مبارك، ليخرج علينا وزير الخارجية مراد مدلسي بتصريح فيه إهانة للجزائريين، حيث أكد على أن الأساتذة "لم يتعرضوا للإهانة بصفتهم جامعيين"، مما يعني أنهم تعرضوا للإهانة بصفة أخرى وهو ما لا دخل لوزارته فيها حسب زعمه، مع العلم أنه تم تجريدهم من ملابسهم وعذبوا بطرق مشينة وبشعة للغاية، لم يتوقف الأمر فقط عند ما ذكرنا فالمتابعات والإهانات التي تلاحق الجزائريين في كل مطارات العالم لا يمكن حصرها في مقال…
أمر آخر أن بوتفليقة وعد بمليون سكن وهو ما لم يتحقق لحد اللحظة سوى أقل من 300 الف مسكن، فهل من الممكن أن يتم انجاز البقية والمقدرة بأكثر من 700 الف سكن خلال العام المتبقي؟ الإجابة طبعا مستحيل مستحيل مستحيل، مادامت سنوات مرت ولم يتحقق نصف المليون منها، وإن وعد بها وعينه على العهدة الثالثة فهو منافي لكل القيم السياسية والحضارية والديمقراطية وهو احتيال لا نظير له أو عابر للقارات كما وصفته من قبل.
أيضا وعد ببرنامج كمبيوتر لكل اسرة حيث قرر رقم 6 ملايين عائلة ستستفيد من حاسوب مزود بخدمة الأنترنيت خلال 2010 كآخر تقدير مما يعني بسنتين بعد نهاية عهدته وهو ما يتنافى مع أخلاقيات الإدارة بأن يوعد بشيء يتم انجازه في زمن آخر خارج عن دائرته، وهو ما يعني أن بوتفليقة كان على يقين بأنه سيظل في الحكم أو أنه سيختار بنفسه من يخلفه والإحتمال الأول أقرب، وإن كنا نرى الحالتين مشينتين للغاية… نعم لقد أعلن عن هذا البرنامج الرئيس بوتفليقة في قمة المعلومات في نوفمبر 2005، غير أن رؤساء شركات الأنترنيت اجتمعوا مؤخرا وأكدوا أنه يستحيل تحقيق ذلك لأن العدد الذي بلغوه الآن لم يتعد 200 ألف بيت، هذا بغض النظر عن التلاعب بالأرقام الذي تقدمه الوزارة الوصية والمتمثلة في الوزير بوجمعة هيشور حيث أعلن في ديسمبر 2007 عن بلوغ رقم 120 الف عائلة مزودة بالأنترنيت، ليأتي في فيفري 2008 أي بعد حوالي شهر تقريبا ويعلن عن 400 ألف عائلة، ولكن ممثل اتصالات الجزائر قدم رقم 250 الف عائلة فقط من جملة 6 ملايين تعتزم حكومة بوتفليقة التي تنتهي عهدته في 2008 تحقيقها في 2010، وهنا نرى العجب في حال النظام والسلطة بالجزائر.
غلاء الأسعار قد حقق أرقاما قياسية، حتى جعلت الفاق والمجاعة تهدد الملايين من ابناء الشعب الجزائري، وحتى حكومة بلخادم تتماطل في تطبيق الدعم على المواد الأساسية بالرغم من تخصيص مبلغ 22 مليار دينار لتسقيف هذه المواد حسب وزير التجارة جغبوب، فكلغ من الفاصوليا تجاوز 140 دينار، والعدس وصل الى 113 دينار، الأرز وصل الى 56 دينار وسجلت الزيادة فيه مرتين خلال شهرين، القهوة وصل ثمن الكلغ 480.20 دينار، والزيت بلغ 900 دينار بالنسبة لسيفيتال التي يملكها الملياردير ربراب…
الصحة تحتاج إلى من يداويها، وصلت الى وضع كارثي بمعنى الكلمة، وهو ما ردده وزير الصحة نفسه وإنتقده، ونحن نعرف أن المسؤولين يعالجون في الخارج ومن بينهم وزير اصلاح المستشفيات عمار تو الذي يتردد على باريس للعلاج، في ظل هذا الموضوع الذي يحتاج الى وقفات يخرج علينا هذا الوزير وينتقد العلاج المجاني ويعتبره خطأ لا تزال الدولة تدفع ثمنه على حد تعبيره وذلك في حصة تحولات الإذاعية في 12 مارس الجاري، فلم يبق للشعب المسكين سوى دفع الضرائب على معالجة بائسة بمستشفى لا يصلح لتربية الدواجن، ولنا عودة مستقبلا لملف الصحة في الجزائر.
الحرقة صارت الشغل الشاغل للشباب الجزائري، الذي فضل أن يرمي نفسه في البحار اما الموت غرقا أو الوصول للضفة الأخرى هروبا من السياسة الفاشلة التي جعلت الشاب وهو في العشرينيات من عمره بدل أن يبدأ حياته بالعمل والتفكير في الأسرة والمستقبل يفقد كل الآمال في الحياة، ليأتي وزير العمل والتشغيل الطيب لوح ويكشف في مجلس الحكومة عن استراتيجية لترقية التشغيل ومحاربة البطالة وحيث تقرر خلق 450 الف منصب شغل، اضافة الى تقليص نسبة البطالة الى 10 بالمئة في أفاق 2013، وهو نهاية العهدة الثالثة لبوتفليقة وهنا الكثير من الدلالات نتركها للقراء.
فترى كيف سيجيب بوتفليقة شعبه لو فتح له مجال الحرية وسأله عدة أسئلة:
أين العزة والكرامة التي وعدتنا بها في 1999؟
أين الأمن والمصالحة الوطنية؟
أين المليون سكن والوعد بالقضاء على البيوت القصديرية؟
أين الشغل للشباب؟
أين أكثر من 5 مليون حاسوب لا تزال في ذمتك؟
أين البطاطس التي سألك عنها حميدة العياشي في برنامج تلفزيوني قدمه "طيبات الحمام" كما وصفت الصحافة حينها وأجبت عن ثمنها وكأن بالرجل تنبأ لما ستصل اليه الآن وبعدما كانت طعام الجميع صارت للنخبة من نزلاء المحميات والأحياء الراقية؟
أين الديمقراطية وحرية التعبير التي تعد من ابرز مكاسب ثورة أكتوبر 1988؟
نترك الإجابة عليها، وأكيد أنه بدل التجديد والتلاعب الذي تمارسه طبقة من الإنتهازيين، أن يحاسب الرئيس بوتفليقة عن كل ما وعد به شعبه، فإن تحقق كل شيء بلا استثناء حينها سأجد نفسي مجبرا على الصمت، أما إن لم يتحقق ما ظل يوعد به ونطلب من الصحافة ان تنشر خطابات بوتفليقة وجماعته خلال الحملات الإنتخابية التي مرت، ستعرف حينها الحقيقة والتي مفادها أن الرجل حكم الجزائر لأجل هدف واحد وهو تحصين المجرمين الذين تورطوا في دماء الجزائريين الأبرياء وأيديهم ملطخة، عن طريق ميثاق للمكاحلة ليس الا، وهو ما حققه بتفوق أجبر السلطات الأمنية والموازية على مكافأته بحكم مدى الحياة.
وما نتمناه أن لا ننظر للواقع بعين التزييف والتزويق بصباغة تذروها العواصف لأنها غبار لا قوة له ولا مفعول له، فالجزائر عدت من أضعف البلدان في العالم في المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية وكذلك الحماية الإجتماعية، حسب دراسة اصدرها معهد بروكينج انترناشيونال الأمريكي في 26 فيفري الماضي، ويعتبر من أهم معاهد البحث المرموقة وله تأثير بالغ على الخارجية الأمريكية، لما يتوفر عليه من خيرة العلماء والخبراء في مختلف المجالات، وقد صنفت الجزائر في الرتبة 57 عالميا، وعدوها من بين الخمس دول الأكثر ضعفا في الشرق الأوسط الى جانب (العراق – اليمن – سوريا – ايران)… فترى ما يخبؤه بوتفليقة والإنتهازيين من أمثال أحمد أويحيى وبوقرة سلطاني وعبدالعزيز بلخادم وغيرهم للإحتيال مرة أخرى؟ أم أن الشعب الجزائري سيقف هنا وقفة للتاريخ ويعاقب هؤلاء معاقبة تسجل بحروف من ذهب وتغدو عبرة لكل الأمم الأخرى، تتوارثها الأجيال كما توارثت قيم التحدي والإباء لثورتنا الخالدة…
أنور مالك
20 مارس 2008