هل يوجد بلد عربي يمكن ان نصنفه في دائرة الدول التي تتمتع بالسيادة والإستقلال؟
هل يوجد حاكم عربي الآن يستطيع أن يرفع راسه ويدافع عن سيادة بلده المستباحة؟
هل يوجد شعب عربي الآن يقرر مصيره من دون وصاية أجنبية أو تزوير داخلي للإنتخابات؟
هل يوجد نظام الآن يتحمل بالفعل المسؤولية كاملة لأجل راحة شعبه ويفكر بجدية في مستقبله؟
هل يوجد نظام عربي الآن نظيف لم يطاله الفساد والرشوة ومصادرة حريات الآخرين وإنتهاكات حقوق الإنسان؟
هل ما يقترفه الحكام العرب في حق شعوبهم وصل بها إلى حد تمني الإحتلال الأجنبي بدل البقاء تحت إمرة هؤلاء الذين لا مروءة لهم؟
هل توجد معارضة حقيقية بالفعل أم كلها معارضات شكلية وهشة تصنع أعراس أنظمة العهر والبؤس العربي هذا؟
هل يوجد شعب عربي الآن يستطيع أن يغير الحاكم أو يعلن موقفا شريفا لآخرين يعانون من الغطرسة الأجنبية؟
.
هو محتل من طرف قوى الشر الأجنبية التي تتآمر على ثرواته ونفطه وتتآمر على أصالته وتتآمر على دينه وأعرافه وتقاليده، ومحتل من طرف أنظمة الإستبداد التي هي بدورها وبإمتياز يذهل له الغزاة تنفذ هذه الأجندة المصنوعة في مخابر الأجهزة الغربية بدأ من المخابرات المركزية الأمريكية ووصولا إلى الموساد الإسرائيلي… فهي تتآمر عليه بالتجويع والتفقير بالرغم من الثراء الذي تتمتع به والتي تعود بريعها على الأنظمة والأسر المالكة والحكومات الفاسدة… وتتآمر عليه بمصادرة حريته وقطع لسانه حتى لا يستطيع أن يصرخ بملء فيه وهو يرى صغاره يتضورون جوعا وثروات بلده تذهب إلى جيوب الراقصات والعاهرات المستوردات من وراء البحار، بل أن مصير كل من تخول له نفسه التجرؤ على فضح عصابات الحكم العربية أن يجد نفسه سجينا متهما في قضايا مختلفة فإما إختلاس المال العام وهو لم يراه ولم يستفد به في حياته أو علاقات مشبوهة مع تنظيم القاعدة واسامة بن لادن، الذي صار شماعة لكل غزوة ونزوة أمريكية أو حتى بالنسبة لحكومات البؤس العربي تعلق عليها تبريرات الإضطهاد والتسلط والتبعية، أو ربما ان تمكن من الفرار بجلده لاجئا ومنفيا إلى أي بلد فسوف يجد نفسه مطاردا أيضا تحت أوامر بالقبض والإحضار عن طريق الأنتربول الذي اصبح يستغل إستغلالا بشعا وفظيعا من طرف مخابرات الأنظمة المحتلة هذه، أو أن أهله يدفعون ضريبة هذا الخيار… يتآمرون على شعوبهم بفرض طراز من حكم عاهر يتنافى والتقاليد التي دأبت عليها أمة الإسلام…
نعم… يتآمرون عليه بحرمانه من وقفة تضامن مع إخوانهم المطاردين أو الذين تبيدهم آلات الموت الجهنمية في أقطار أخرى… يتآمرون عليه بتولية المفسدين والمرتشين والعاهرين والفاجرين على أموره سواء في الأمن أو البرلمان أو الحكومة… يتآمرون عليه بحرمانه من الإستقرار والمعيشة الطيبة وحقه في الحياة وذلك بسرقة ماله ودواء صغاره وتهريب الثروات الضخمة للخارج… يتآمرون عليه بقتل قيم الفحولة بالتخنث وقيم الكبرياء بالهوان… ويتآمرون ويتآمرون حتى تعجب الشيطان في أمرهم…
لو أردنا أن نتحدث بالتفصيل عن كل قطر عربي ما كفتنا المجلدات، فمآسي قطر واحد تأخذ منا سطح الأرض ورقا وماء البحر مدادا ونحن نحصي المؤامرات التي تستهدف شعبه، ولكن يمكن أن نشير للبعض إشارات عابرة قد تترك صداها في القلوب الصدئة، وبعدها نستطيع أن نعرف حقيقة ما يحدث لهذه الأمة التي كانت منارة في التاريخ والحضارة، وصارت مرارة في الجغرافيا والدعارة بسبب هؤلاء الحكام الجبناء…
العراق في قبضة المحتلين والخونة ينهبون نفطه ويسرقون أرواح الناس بسيارات مفخخة أو برصاصات طائشة لمن حالفه الحظ، أو تحت التعذيب في مخافر الطائفية والعمالة التي كانت يوما ما تؤاخذ عليه هذه الغربان نظام صدام حسين الديكتاتوري كما يفضلون وصفه… العراق محتل لا يختلف فيه إثنان ويعيش شعبه بين نارين، نار محتل لا يرحم ولهيب حكومات طائفية لا يسري في عروقها دم الخجل.
سورية يحكمها المستبدون الذين يسرقون حرية الناس ولا تزال الإعتقالات التعسفية تطال كل من تخول له نفسه قول كلمة حق ومعارضة الفساد المستشري في هذا البلد، فلا يمر يوم إلا ونسمع أخبارا عن حملات المداهمة وكلها تبرر بمؤامرة أمريكية صهيونية تريد دمشق كما أرادت من قبل بغداد… فسورية محتلة من آل الأسد وجولانها لا يزال تردد قممه صرخة نجدة تحت قبضة شالوم.
السعودية البلد التي حباها الله بالنفط والمال والقداسة الإسلامية هي بدورها ترضخ تحت أقدام آل سعود ويبارك لها هذا العهر آل الشيخ وعلماء البلاط ولعق الصحون، فيكفي مثالا أبسط مما نتخيل ان عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ مفتيها العام ورئيس هيئة كبار العلماء – ان كانوا كبارا بالفعل – راح في جمعة 29/02/2008 يهاجم الفضائيات المنحرفة التي تفسد الشباب، ومن دون أن يتحدث صراحة الربانيين في حضرة السلاطين الجائرة عن تلك التي يملكها الأمراء السعوديون ويمونونها من أموال النفط وعائدات السياحة والحج، بل تناسى أطفال غزة الذين تأكلهم المحرقة الصهيونية الغاشمة… بالفعل السعودية محتلة من طرف آل سعود وأبواقهم الذين يفتون ليل نهار في دم الحيض والنفاس والكحل ويتهربون من الحديث في الصهيونية أو إنتقاد أمريكا حليفة خادم الحرمين الشريفين !!…
مصر التي كانت رمز التحدي والمقاومة والقيم العربية الإسلامية الأصيلة، تحولت منذ عهود ووصل بها الحال في عهد آل مبارك – لا بارك الله فيهم – إلى ولاية يتبادل على حكمها بوش وأولمرت في مسرحية هزلية تشبه قصة "الزعيم" لعادل امام، وإن كان وجود شبيه لحكامنا بيننا من سابع المستحيلات في هذا الزمن الموبوء، فشعبها يحرقه الفقر والحرمان والجوع والمؤامرات على شرفه وعرضه، ومبارك يستبيح تلك الخيرات وتبذر ليل نهار في منتجعات شرم الشيخ، بل أن الإحتلال هذا راح يتواصل لأجل توريث الحكم لخديجة الجمال عفوا أقصد بعلها المتيم جمال…
الكويت محتلة أمريكيا وآل الصباح يحكمونها تحت وصاية البيت الأبيض، وصارت مقاطعة لا رقم لها بعدما شرفها صدام حسين برقم 19 الذي له دلالات في القرآن ليس المجال لبسطها… الأردن وملكها الذي لا يعرف إلا التعريص في شواطئ أمريكية إحتلها بإسم واشنطن وتل ابيب، ويجد متعته في تفقير شعبه وتبذير المال العام على سباحة عقيلته الملكة في مسابح أمريكية أو حتى عند أجداد زوجها الإنجليز… فكل دول الخليج العربي التي صارت دول الخليج الغربي تحولت بعهر الأسر الحاكمة وفساد الأنظمة العاهرة إلى مجرد فيافي تخضع لوصاية الخارج، وتستغل الثروات التي حباها الله بها لإذلال الأمة المضطهدة…
اقطار المغرب العربي هي بدورها زرائب تحتلها أنظمة فاسدة، فتونس يحتلها بن علي منذ أكثر من عشرين عاما، يمارس فيها الديكتاتورية والإستبداد والفساد والظلم للناس والإعتداء الصارخ على حريتهم، فكم من محجبة يقدم البوليس على نزع حجابها في الشوارع وعلى مرأى الجميع وهي تستغيث ولا ناصر لها؟ وكم من قلم حر صودر وحطم وهو الآن يتقلب على جمر الإضراب عن الطعام والمعاملة البشعة اللإنسانية في زنازين مظلمة؟ كم من سجين عذب وتلقى أحكاما قاسية وظالمة لتهم ملفقة من طرف خفافيش الإضطهاد؟ وكم من تونسي شريف يعيش بين المنافي باحثا عن مأوى له؟
المغرب تحتله "أسرة" منذ سنوات طويلة، ولا أحد إستطاع أن يضرب على يدها التي تبذر المال العام لأجل شهوات ملك أراد أن تكون قداسته تعادل قداسة الله، بل أكثر من ذلك أن مستشاريه صهاينة ولم يجرؤ على التحدي لإسترجاع سبتة ومليلية كما يجرؤ على الصحراء، كم أحس بالقرف وهم يركعون له مقبلين يدا تصفعهم على قفاهم وتتلمس صدور الصهاينة في الظلام؟…
الجزائر هي أيضا إحتلها العسكر والجنرالات، فقتلوا الآلاف وشردوا الملايين ونهبوا البلايين، وبالرغم من الثروات الضخمة التي تملأ الخزينة لا يزال الشعب الجزائري الشريف لا يستطيع إمتلاك البطاطا أو قارورات الزيت التي سوف تتحول من دكاكين المواد الغذائية إلى الصيدليات ولن يطالها التأمين طبعا، بالرغم من هذه المأساة يجبر شعبها على التصفيق لمؤامرات الإنتهازيين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم وريعهم، لذلك راحوا يرددون ويصلون للعهدة الأخرى التي تكرس هذا الإحتلال، فكم كان درس الرئيس الروسي بوتين قاسيا لهذا النظام الذي لا يعرف سوى الإستبداد والفساد والإرهاب؟ فبوتين له شعبية لا تضاهيه شعبية أخرى ولكنه لم يفكر في تعديل الدستور حتى يخلد في الحكم، بل فتح المجال لغيره وعاد من باب آخر عودة مشروعة، فهل لبوتفليقة شعبية بوتين أو قدم لبلده ما فعله الآخر؟ لا أعتقد ذلك لأن ما يظهره تلفزيون حمراوي الفنك كله تزوير للحقيقة وتلاعب وسيرك مفضوح عرفه الجميع حتى ممن يصفقون ويتهجدون لتعديل الدستور…
موريتانيا وإن لقن العسكر باقي الدول العربية دروسا في الديمقراطية بعد الإنقلاب إلا أن ذلك لا ينفي عنها السقوط في دائرة الإحتلال الذي تردده رايات السفارة الإسرائيلية التي ترفرف في بلد الشنقيطي ومليون شاعر…
ليبيا القذافي وحدها تحتاج إلى كتابات كثيرة عن هذا المستعمرة القذافية التي ستبقى أبد الدهر الدليل الملموس على فساد الحكم العربي ونموذج قطعي الدلالة والثبوت على أنها أنظمة كارتونية لا تعرف من التحدي سوى شعارات "الطز" التي لا تسمن ولا تغني من جوع في زمن الحملات الصليبية المتتالية والمتجددة، وقد صدق صديقنا الدكتور هيثم مناع عندما سماها "أنظمة الطز"…
السودان بدوره محل إحتلال عصابات مختلفة في الجنوب أو الشمال أو بدارفور، وسيبقى محل أطماع أجنبية تبررها حيثيات مختلفة، يراد منها تأمين مستقبل سرطان إسرائيل في قلب العالم العربي…
لبنان بلا رأس لأنه يراد قطع راس سورية من خلاله وبموافقة غربان العمالة التي تملأ سماء هذا البلد، الذي رفع راية التحدي في وجه الغطرسة الصهيونية والمتحالفة في الخفاء يتقاسم الدور فيها أمريكا ورؤوس الفتنة في الداخل…
بلا شك أن كل الأقطار العربية محتلة ولم تعرف الإستقلال يوما سوى في شعارات ترددها أحزاب قومية لا تتجاوز الحرية حناجرها، وتبحث من خلالها عن شرعية مستدامة على جثث الأبرياء… الأدلة كثيرة ومختلفة ولكن أحدثها وأروعها درس غزة الأخير الذي كشف سوأة هؤلاء الحكام سواء في فلسطين أو غيرها من بطانات السوء وحلفاء الذل، فقد فضحت المحرقة الصهيونية في حق غزة أن الأقطار العربية محتلة ولا تملك موقفا شجاعا وكريما يحسب لها في ظل القحط هذا، لأنها لم تعلن أي مبادرة أو حتى موقف مشرف يذكره التاريخ وتردده حناجر أطفال المدارس لهؤلاء الحكام، بل الكارثة من الداخل الفلسطيني عندما يأتي نزلاء سجن رام الله الذي يسمى تجاوزا رئاسة محمود عباس ويحمل حركة حماس المنتخبة ديمقراطيا مسؤولية القوة المفرطة، وكأن القوة فقط بلا إفراط مسموح بها من طرف عصابات أبومازن، وهو ما تردد على لسان وزير خارجية مصر أيضا وهو في ندوة صحفية مع الآنسة رايس، وأبعد من ذلك أنه طالب بوقف القصف العشوائي للمدنيين الأبرياء، مما يعني أن القصف غير العشوائي والدقيق للمدنيين الآخرين والمقصود بهم غير الأبرياء فهو مسموح به وواجب شرعي تمليه قيم مبارك وعصابته وحلفائه من أعضاء سيرك عمرو موسى المسمى بدعا وزورا جامعة الدول العربية، أو حتى من مسخرة دولة محمود عباس المستقلة !!…
على ذكر إنتخاب حماس ديمقراطيا وهو ما لم يختلف فيه إثنان يكشف هشاشة وكذب القوى العظمى عندما تتغنى بالديمقراطية والشرعية وحقوق الانسان، فالمنسق الأعلى لشؤون السياسة والأمن بالإتحاد الأوروبي خافيير سولانا دعا إلى دعم حكومة السنيورة في لبنان لأنها شرعية، ولم يدعو إلى دعم حكومة حماس التي هي أكثر شرعية من اي حكومة عربية أخرى، والأمر لم يقتصر عليه وحده بل هو ما دعا إليه كل الحكام العرب، ويكفي ما كشفته المجلة الأمريكية (فانيتي فير) مؤخرا من فضيحة تورط فيها الداخل الفلسطيني وفي شخص محمد دحلان والحرامية الآخرين، بدعم وتخطيط ليلي أمريكي وبقيادة جورج بوش الذي إدعى أنه رسول الديمقراطية للعراق والعراقيين، وقد أريد من هذه المؤامرة إشعال الحرب الأهلية في فلسطين وإسقاط حكومة حماس وهو ما تحقق لهم بلا شك في الضفة الغربية على الأقل، أبعد هذا يمكن أن نصدق أي أحد يأتي ويتحدث عن الشرعية والديمقراطية، وخاصة أن ديمقراطية بوش وعملائه قد قتلت وشردت الملايين من الشعب العراقي، بل أبادت دولة ومسحتها من التاريخ والجغرافيا…
إن أحداث غزة الأخيرة كشفت حقائقا كثيرة وعرت الداخل والخارج، فهي عرت الأنظمة العربية البائسة بلا إستثناء، وعرت محمود عباس الذي جعل من أنابوليس كأنه وحي نزل من السماء سيدخل الفلسطينين جنته الموعودة، بل أنه ظل يفضل تقبيل خدود أولمرت وعض رقبته ومعانقته وهو يبيد الفلسطينيين عن بكرة أبيهم بلا إستثناء، من مجرد الجلوس لإسماعيل هنية لأنه إنقلب على حكمه وجلالته ومرغ هيبته المزعومة في التراب… وكشفت هشاشة العالم العربي في مرآة أولمرت وباراك، بل أكثر من ذلك أنها بينت بالدليل القاطع حقيقة السلام المزعوم مع الكيان الصهيوني ودناءة المفاوضات التي يتبجح بها الطرفان ويراد منها طبعا وأد المقاومة بالخداع بعدما عجزوا بلغة السلاح والقصف والإغتيالات لكوادرها الذين لم يصب العقم شريفات فلسطين أبدا في إنجاب هؤلاء الرجال البررة لمواصلة المسيرة، لا أقول ذلك من باب انني من أنصار حماس أو أنني من أتباعها بل أختلف معها في كثير من الأمور، ولو حدث لفتح ما حدث لها لدافعت عنها وبالثورة نفسها وأعلنت مواقف مساندة، بالرغم من يقيني أن التشبيه في غير محله ولا يمكن أبدا أن توضع حركة فتح التي أغتيل مؤسسها ياسر عرفات غدرا وخيانة حتى يصل محمود عباس للقيادة، في كفة حركة حماس التي تدافع عن شرف غزة بالدم والكبرياء… لكن أيضا أعطت شرعية أخرى للمقاومة التي تقودها حماس وجعلتها تتجذر حقيقة مطلقة وتؤكد أن وصولها للحكم كان شرعيا ودستوريا وديمقراطيا لا تضاهيه حتى كبرى الديمقراطيات الغربية، بالرغم من المؤاخذات المختلفة التي نحملها على هذه الأخيرة لما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين…
نعم… لقد علمتنا غزة أن الحرية موجودة في العالم العربي وأنه يمكن أن يصبح لنا قطرا غير محتل لا داخليا ولا خارجيا، ويمكن لنا كأمة أن ننتخب من يستحقون بجدارة قيادتنا، وانه يمكن أن تلد الأمة من يحمل مواصفات القيادة الراشدة التي لا يهمها سوى العدل والقسطاس المستقيم ومصلحة شعوبهم، وهذا الذي أظهرته غزة في الأحداث الأخيرة عندما رفعوا رؤوسهم لله ولم يخضعوها لا للمحرقة التي تأكلهم وتبلع الأبرياء وتمزق جثث الرضع ولا لأنظمة الإبتزاز والفساد العربي، الذين يجدون في كل مرة وفي كل مجزرة فرصتهم للإبتزاز والعمالة على حساب شهداء قد مضوا لربهم يرددون الشهادة ويرفضون الركوع لغير الله…
نعم… لقد علم شعب غزة كل الشعوب الأخرى معنى العزة والرجولة ومعنى الإباء العربي والإسلامي الحقيقي غير المزيف في أروع صوره بعد قرون من الهوان والذل، علمونا أن الخنادق هي التي تصنع الكبرياء وأن ركام البنايات المقصوفة هي التي تشيد قصور المستقبل والكرامة، وليست منتجعات شرم الشيخ أو الغردقة أو نادي الصنوبر أو المناطق الخضراء المختلفة والمتناثرة كالفطر في بلداننا المحتلة…
أقولها بكل صراحة أن أقطارنا محتلة وأن شمس الحرية لهذه الشعوب أشرقت من غزة، ومن يتخيل أن هذه المنطقة المحدودة يمكن إبادتها فهو موهوم، لأنه لا يمكن أن يباد شعب به أم تبكي صغيرها الوحيد الذي مات تحت القصف وهي تردد شعارات التحدي والكبرياء والإستشهاد، ولو رزقها الله بمولود آخر ما ترددت لحظة في تقديمة قربانا للقضية… أنه لا يمكن سرقة وإختلاس ومصادرة حرية هذا الشعب وبه نساء يقفن تحت وابل القنابل وهن يصرخن لا للخضوع ولا للخنوع للصهيونية الغاشمة، ويزغردن لجحافل الشهداء وهم يشيعون ولو كانوا رضعا لم تتجاوز أعمارهم الشهر… لا يمكن أبدا أن يمحى شعب غزة من الوجود، وبه أناس إنتخبوا حماس بقناعة ويقين وبالرغم من النار والدمار ونداءات العار التي تطلق من هنا وهناك لتحميل هذه الحركة مسؤولية ما يحدث، لأنها إنقلبت على محمود عباس وكأنه لو بقي فيها لحمى الديار من الشنار، ويكفي ما يحدث على مرمى حجر من قصره الرئاسي… إلا أن هؤلاء الكرماء من أبناء الشعب الفلسطيني رددوا وبصوت مدوي وبلا أدنى نفاق أو تزلف: نعم لحماس ونعم لخيارنا الذي لا رجعة فيه والف لا لغير المقاومة كحل لإستعادة الحرية المسلوبة، وما أخذ بالقوة لن يستعاد بمفاوضات من على موائد السكر وفي أحضان العاهرات، بل يستعاد بالإستبسال والجهاد وبصورايخ القسام التي تفسد على الصهاينة حياتهم الباذخة في المستوطنات…
لم يحدث كما حدث في العراق أن رقصوا صباحا وهم يغنون بالدم والروح نفديك يا صدام وإنتخبوا قبلها موقعين على أوراق الإستفتاء ببصمات دم، ولكن في المساء لما سقطت بغداد راحوا يسحبون راس صدام على مرأى الفضائيات العالمية، ويضربون وجهه بالأحذية البالية… وهو الذي سيحدث في كل الأقطار الأخرى لو أسقط حكامها الذين يتبجحون دوما بحب الجماهير لهم وقلوبهم في الأصل ناقمة عليهم نقمة بلغت عنان السماء…
يحق لحماس أن تفتخر بشرعيتها وبما أحدثته من طفرة حقيقية في منظومة الحكم العربي، ولأول مرة نجد حكاما يتمتعون بتلك الشرعية ووصلوا حد إقناع شعبهم بالموت لخيار ارادوه، والسبب ليس في عبقرية خالد مشعل أو هنية أو دماء الشهيدين القعيد والطبيب، بل يكمن في أنهم خرجوا بالفعل من رحم الشعب ولم يكونو مستوردين من وراء الحدود ومن على دبابات الإحتلال، فهم من المخيمات ويعيشون مآسي شعبهم مع أبنائهم ولا يملكون أرصدة في البنوك الأجنبية هربوها من دم الشعب المحتل أو تلقوها كهبات مقابل خيانتهم، فأبناء عباس أبومازن بين باريس ولندن وواشنطن يبذرون أموالا مهربة ولكن نجل الوزيرمحمود الزهار يشيع شهيدا مع زمرة إخوانه الآخرين بسيطا متواضعا… يالها من مفارقة !!
إن غزة هي الوطن العربي… الوطن الإسلامي… الوحيد غير المحتل الذي فيه يحس كل شهم أن كرامته غير مستباحة، فإن عاش فهو تحت خيار حكم أراده وإن مات فبيد من صهيونية تمنحه وسام وشرف الشهادة، وليس بيد جلادين في زنزانات الوطن العربي لا يعرفون غير نهش جلود الشرفاء… فالشعوب اليوم تعيش الإستثناء والفرصة الذهبية لمن يريد أن يطهر نفسه من رجس التخاذل والهزيمة، بلا شك لن يجد مثل قماطات الرضع من أمثال محمد البرعي يمسح بها صدره ويجعلها عصابة رأسه ليقدم على موت الشرفاء والأبطال، أفضل من العيش تحت حكام مخنثين تمنيت لهم من قبل موت شارون أو فرعون، واليوم أتمنى لهم أيضا الدياثة أكثر وأكثر وأطول في شرفهم إن كان لهم شرف يمكن أن يذكر، فكم هو مرعب أن يعيش الديوث وعلى مرمى عينه عرضه ينتهك؟…
أكيد أن شمس الحرية تسطع من غزة بلا منازع ولمن لا يصدق فلينظر إلى واقع الشعوب العربية وهو مختلي بنفسه في زنزانة بيته بعيدا عن تأثيرات الأبواق من صحفيين وإنتهازيين وعملاء وخبثاء وماكرين… وللحديث بقية.
أنور مالك
5 مارس 2008