أمريكا تقتل صغارنا وتثكل وترمل أمهاتنا في العراق، وحكام العراق الجدد يتحدثون عن سيادة "دولة" أراد الجيش التركي أن يستبيح شمالها في تحرك عسكري تلقى الضوء الأخضر من بيت جورج بوش، لأنه لا ينطلي حتى على الحمقى أن تتحرك أنقرة تجاه عراق تحتله أمريكا وما أدراك ما أمريكا… نعم… السيارات المفخخة تقتل وتمزق أجساد فقراء وفلاحين ساقتهم أقدارهم إلى التسوق بحثا عن خبز يابس في زمن الجوع والحصار والموت المقنن، وحكام العراق ينتفضون ضد "قاعدة" الله أعلم بأصلها وفصلها ولا أحد تساءل يوما مادور المحتل في كل ما يحدث؟
يجوع العراقيون النشامى ونفط العراق يسوق إلى أمريكا وإسرائيل، حتى تزود البارجات والطائرات والدبابات بها لتعود وتدك حصون الأعظمية والفلوجة والرمادي وبغداد المستباحة… أبعد هذا نأتي ونلوم غيرنا ممن ترصد لقوتنا وشعبنا وأمتنا وحكام العراق الجدد يرفضون جدولة إنسحاب المحتلين لأن البلد في طبعته الإستثنائية لم يبلغ بعد سن الرشد…
لو بقينا نرثي شأن العراق في ظل المحتل الغاشم والعملاء الذين تعرت أدبارهم وهم يغطون صدورهم بالحاميات من الرصاص، لما كفانا حبرنا وما إحتوى هذا الكفن كلماتنا ولجف دمعنا وتبخر دمنا بسبب هوان لا يشبهه هوان الفئران في جحورها عندما تحاصرها القطط الجائعة…
نعم… في الجزائر يموت الشعب جوعا وتفتك به الأمراض ويحاصره الموت والحكام يتبارون بمستقبله في أجندة إحتيال سميناه الإحتيال العابر للقارات، بل يتسابقون على السفارة الأمريكية يرجون التوجيه والترشيد والأوامر وكأن حاكم الجزائر هو السفير روبرت فورد، والعجب أنه يأتي آخرون ممن أكلوا من المائدة السرية وخضعوا للسين والجيم ليحتجوا على التدخل الأمريكي في شؤون البلد…
مصر التي كانت أم الدنيا قبل أن تتحول إلى هم الدنيا، يأتي وزير خارجيتها ليتبجح علنا على قطع أقدام أبناء غزة ان تجرأوا يوما على دخول أراضيها، ورئيسها يستقبل صباح مساء الوفود ومجرمي تل أبيب في شرم الشيخ لتقديم طقوس الولاء والرضا على المجازر التي ترتكب في حق الفلسطينيين، ولكن عتابه الوحيد عدم إستشارة محمود عباس في كيفية ووسيلة الذبح هل سيكون بشفرة عربية أو بسكينة من بلاد العم سام؟
لبنان أيضا مستباح لحد لم تتمكن تلك العصابة التي تحسب نفسها مسؤولة على الشعب اللبناني العريق من تعيين رئيسها، فيصل الولاء والعمالة للخارج بهذه الغربان حد فشلهم في "إنتخاب" من يقودهم، بل يأتي جنبلاط ويهدد بالحرب التي لن يستطيع أبدا حمل خشبة فيها، لأن ما فيه رجولة المحاربين ولا فرسان الميدان ولا بطولة جنود الخنادق، بل قد ضمن مكانه في باريس أو واشنطن وفي أفخم الفنادق، والحرب الأهلية سيدفع ثمنها الشعب البريء والمسكين الذي لا ناقة له ولا جمل، أنا على يقين لو طرد هؤلاء العملاء من البلد لأستقام شأنها إلى الأبد، وما عاد فيها كل ما يحدث من مؤامرات تستهدف دول الجوار والمقاومة الباسلة التي مرغت أنف أولمرت في تراب معفر بالدماء الزكية…
كل الأقطار العربية سقطت في الرذيلة والهوان والذل… لم يبق للشعوب صوت… ولم يبق للكريم كرامة ولا للعربي نخوة ولا للشهم رجولة ولا للنبيل شرف… لم يبق للكلمات صدى في قلوب مزقها الظلم والإحتلال الداخلي من أنظمة الفساد والعهر المتواصل والمدعوم من قوى الشر بزعامة جورج بوش، الذي زار بلداننا ورقص مع حكامنا وتسلم بطاقات الود والوفاء بالعهد…
نعم… في ظل هوان تأتي جامعة تسمى ظلما وتجاوزا جامعة الدول العربية، ويحدث الشقاق والنقيق والنهيق والشهيق على موعد القمة ومشاركة لبنان بلا رئيس منتخب، حتى وكأن نجاحها مقتصر على إنعقادها في موعدها وفي مشاركة أغلب "الزعماء العرب" الذين لن يجتمعوا أبدا على ما يفيد أمتهم ولا يفيد شعوبهم بقدر ما يبحثون في لقاءات العار التي تجمعهم سبل مكافحة ما يسمى بالإرهاب، وطبعا صار الرأي الآخر إرهابا وصار إنتقادهم وإنتقاد حكمهم من المحظورات التي تفوق قداسة كرامة الرسول الكريم الذي يراد من رسوم كاريكاتورية تلطيخه والإساءة إليه…
لقد قتل محمد الدرة على المباشر وإنتفضت الشعوب في مسيرات تنديد وغضب، وهب بابطين الكويت المحتلة لنشر ديوان كامل لشعراء يتحدثون عن خصال الفتى وشهيد الأمة، وإستضاف ملك الأردن والده للعلاج، ولكن هل توقف قتل الأبرياء؟ !!
لم يتوقف أبدا ولن يتوقف مادام حكامنا من طينة فاسدة، مادام زعماؤنا لا يجتمعون إلا من أجل نهش أعراض فتيات في سن الزهور، مادام الوزراء يتنقلون عبر عواصم العالم لأجل العربدة والسكر والزنا والفجور… فهؤلاء أعراضهم مستباحة وبناتهم في كباريهات لندن وباريس يرقصن ويمارسن الرذيلة وعلى حساب دولهم وأموال شعوبهم الجائعة، ولا أحد كانت له الغيرة على شرفه لأنه صار ينظر إلى التخنث والعري والعلاقات المحرمة كأنها رمز من رموز تحضره وولائه للغرب، أبعد هذا ننتظر ممن زوجته تدخن وتعري بطنها على مرأى العالم أن يغار على عرض إمرأة في غزة تصرخ بملء فيها وامعتصماه…
أيمكن أن نحتمل هبة الكرماء وزأرة الأسود من حكام لا يهمهم ما يحدث في فلسطين أو العراق أو غيرها، بقدر ما يهمهم جسد هيفاء وهبي الذي أمنوا عليه من دماء شعوبهم، لأنه من العار أن تتعرض لحادث مرور يكاد أن يذهب برشاقتها المقدسة في دساتير العهر العربي… إنهم يفضلون رقص أليسا أو تغنج نانسي عجرم ولو كلفهم الملايير على أن يسددوا ثمن الخبز لبنات غزة الشريفات والعفيفات والماجدات…
نعم… لم يقتصر الموت والإغتيال على الدرة بل وصل إلى محمد آخر وهو البرعي الذي هز عروش الطغاة من حكام الذل والهوان العربي، سيظل دمه لعنة تطاردهم أبد الدهر، وسيظل دمه في أعناق هؤلاء الجبناء من حكام السرير وأحمر الشفاه وحاضنات النهود… وكم هو القدر جميل في إختيار محمد كرمز يوحي الكثير لو فهم العقلاء؟
يا أم محمد لا تنتظري حكامنا فهم مخنثون… ولا تنتظري شعوبنا فهي تحت الإقامة الجبرية والشريف فيهم في إفراج مؤقت… لا تنتظري كتابنا فهم يتسابقون لنيل رضا البلاط وحديث الفضائيات… لا تنتظري الصحافيين فأغلبهم – وحاشا الشرفاء الذين يعدون على الأصابع – مشغولون بأخبار الفنانين والفنانات وألوان ألبستهن الداخلية وعشاقهن وبكاراتهن وزواجهن وليالي الغرام بين أحضان هذا وصدر ذاك…
يا أبا محمد لا تنتظرنا فنحن من الهوان صرنا أذلاء… لا تنتظرنا فقد ماتت فينا النخوة… وماتت الغيرة… ومات الكبرياء… هل نلام وحكامنا بين مخنث وفاجر يبدل هكتارات من أرض البلد مقابل أشبار من على صدر الغواني؟…
أبا محمد كلنا جبناء… كلنا حمقى… كلنا أذلاء… فلا تنتظر منا أحد أن يهب لينتصر لدمعة أم فقدت صغيرها الذي إنتظرت أن تملأ به حضنها خمس سنوات… أو أن يهب ليكفكف دموع ماجدات غزة اللواتي فضلن الجوع والحصار والظلام على الركوع للعملاء… لا تنتظر محمود عباس فهو يطالب بوقف الصواريخ على المستوطنات ولم يطالب بوقف المجازر والمحرقة الصهيونية نكاية في حماس ورجالها، هكذا هم حكامنا يفضلون الإحتلال على إنتصار معارضة شعبية لظلمهم وحكمهم وعارهم…
وإن كان الحديث طويل وشاق إلا أنه وجب أن أختم صرختي هذه أن الهوان العربي إنكشف أكثر من ذي قبل لما أستشهد محمد الدرة، وهاهو ينكشف أكثر وأكثر وأكثر بإستشهاد محمد البرعي، الذي والله تمنيت أن أحمل فوق رأسي "حفاظة ماء" إستعملها من قبل لأنها والله تاج بلا منازع في ظل حكام نسأل الله لهم الموت على طريقة شارون وفرعون…
أنور مالك
2 مارس 2008