نعود إلى الأخبار التي إستوقفتني صباح هذا الخميس 21/02/2008 الذي هو نهاية الأسبوع في الجزائر، مما يعني أنه حصاد اسبوعي مهم، وإن كنت أحبذ عدم الكتابة في مثل هذه المواضيع الخفيفة، وأنا من نذر نفسه لنشر ملفات مهمة وخطيرة وسرية فيها من المعلومات ما لا يمكن أن يتجاوزها أحد، وبالرغم من أنني مشغول بمؤلف أخذ كل جهدي، وفي الوقت نفسه أعد ملفا فاضحا في عالم سيكون مفاجأة للقراء وللجزائريين الذي يريدون معرفة حقيقة ما يجري في كواليس بلدهم الثري، لكن وجدت نفسي مجبرا أن لا تمر هذه الأخبار علي من دون أن أقول فيها كلمة حق وهي بلا شك في حضرة سلطان جائر، وفي الحقيقة هي بسيطة ولا تتعلق بالرئيس ولا العسكر ولا الجنرالات ولا الوزراء، إنما هي أخبار توزعت في زوايا مختلفة من صحف جزائرية صارت أغلبها إلا من رحم ربك تطبل لمملكة الجزائر القادمة في ثوب جمهورية لا علاقة لها بالديمقراطية ولا حكم الشعب ولا حتى بالأصالة الجزائرية، وإن كانت هذه الأخبار لها دلالات كبرى نكشفها وبعضنا قد يراها مجرد سطور عابرة عن واقع لا يختلف كثيرا عن بقية الدول الأخرى من القارة السمراء خاصة…
ربما أجد نفسي هنا مجبرا على التأكيد من أن أهم سبب في سقوط بوتفليقة وفشل سياسته وأفول ميثاق السلم الذي طبل له وغنى ورقص في تجمعات شعبية وصرفت الملايير من أجل هذا الإستفتاء الذي جرى في 29 سبتمبر 2005، أن بطانته سيئة للغاية فكيف به رجل مصالحة وكل المقربين منه هم من الذين أشعلوا فتيل الحرب ورفضوا فرصا كثيرة كانت ستحل الأزمة الجزائرية في مهدها بدل تلك الخسائر الجمة في المال والنفس؟ فلا يمكن أبدا أن يجمع بين المتناقضات في نفسه وفي بطانته التي هي بطانة سوء حتما، حتى يحقق الحل لحرب أتت على الأخضر واليابس، مع العلم أن ميثاق السلم هو المشروع الوحيد الذي قدمه بوتفليقة منذ وصوله لسدة الحكم، فالوئام المدني قد أعطاه صبغته الرئاسية فقط بالتوقيع عليه، لأنه كان وئام العسكر وهدنة بين مؤسسة الجيش وكتائب مدني مزراق قبل التفكير وفي عز حكم اليمين زروال، وبلا شك أن الميثاق مني بالفشل الذريع ولم يحقق شيئا يمكن أن نتحدث عنه، لذلك عجزت السلطة أن تقدم حصيلته للشعب الجزائري، سوى بعض الوعود التي لم تقدم شيئا وإن جرت ستكون محشوة بالكذب والتلفيق والتزوير…
نعود للطفلة التي ترقد بمستشفيات الجلفة وكانت ضحية لموكب هذا الزعيم، الذي سافر لإقامة مهرجان سياسي وطبعا يدخل في إطار العهدة الثالثة والتطبيل للرئيس، وكأن قدر الجزائريين أن يقتلهم الجوع والبرد والمبيت في العراء والبطالة والتفجيرات والحرقة والفقر والأمراض المختلفة بسبب السياسات الفاشلة التي يقودها هؤلاء الزنادقة منذ سنوات طويلة، ولا أحد حاسبهم على وعودهم التي حملوها للشعب في إستحقاقات إنتخابية كثيرة للغاية أتت على الأخضر واليابس من خيرات البلد، وصار اليوم يقتل أبناءه في مواكب رسمية لسياسيين يحاولون الظهور عبر القنوات التلفزيونية كملائكة نزلت من السماء لتفتح جنة في أرض الجزائر، وهم شياطين قد إستقال الشيطان من البلد لما عرف حقيقتهم على حد الشاعر الثائر أحمد مطر… أعرف أن أحمد أويحيى لا تهمه تلك الفتاة الفقيرة التي ساقتها أقدارها لتدهسها سيارة فارهة وغالية الثمن الذي دفع من خزانة الدولة وأموال الشعب، وطبعا هي أيضا من أصحاب هذا المال وهذه الخزينة التي تعج بالملايير أغلبها أودعت في بنوك أمريكية وتخسر منها الجزائر الكثير بسبب تقلبات الدولار والأورو، ولا يهمهم أبدا تلك الخسائر بقدر ما يهمهم البقاء في الحكم والخلود على راس الجزائريين للحفاظ على مكتسباتهم وريعهم، لأن أبناء أويحيى في مأمن يتوزع بين المنطقة الخضراء "نادي الصنوبر" في الجزائر العاصمة وجامعات لندن والأحياء الراقية بها… لم يقتصر دهس الأبرياء على أويحيى صاحب المال والسلطة وأبرز شركاء طحكوت إمبراطور المواصلات والنقل في الجزائر، الذي فاز بكل صفقات الخدمات الجامعية من دون مناقصة معلنة ولا أي شيء تمليه قوانين الصفقات، بل تحصل عليها بأوامر فوقية جعلت الملايير من خزينة الخدمات الجامعية تصب في جيبه وجيب شريكه أحمد أويحيى، بل طالته الفضائح في تضخيم الفواتير وتحت عيون القضاء، وكان من الممكن بدل تلك الأموال التي تصرف أن تشتري وزارة التعليم العالي حافلات وباصات تكون ملكا لها، وتصرف تلك الأموال على تحسين ظروف الطلبة والأحياء الجامعية التي تشبه لحد بعيد سجن الحراش وأجنحته القذرة، بل أن الأمر أيضا حدث مع موكب رئيس الحكومة عبدالعزيز بلخادم حيث دهس موكبه العام الماضي مواطنين أبرياء في ضواحي عين الدفلى الفقيرة، والكل يعرف أن الرجل صار من أقطاب نظام بوتفليقة، وهو الذي يسحب عربة وقاطرة العهدة الثالثة، ليس غريبا عنه أبدا فقد إنتشله بوتفليقة من الضياع لما كان بطالا بطالة مطلقة لم يجد من فضاء يظهره سوى تلك الجمعية التي أنشئت وعنوانها ضد التطبيع مع إسرائيل لكن أصلها مجرد جمعية ضد زيارة ماسياس للجزائر، ولا زلت أذكر تردده على فندق الهيلتون في عام 1997 لما كان ينزل به أعضاء مجلس الأمة الذي إستحدثه دستور الرئيس الأسبق اليمين زروال وعلى متن سيارة قديمة من نوع مرسيدس، وعلى ذكر اليمين زروال الذي صار راهبا في بيته بباتنة وطلق الأضواء والشهرة والمسؤولين وتفرغ لتربية أحفاده، فقد أعجبني موقفه الأخير من السيارات التي قدمها بوتفليقة لهؤلاء الذين يسمون رؤساء الجزائر السابقين وهي سيارات فارهة، أهديت للشاذلي بن جديد وأحمد بن بلة وعلي كافي، هذا الأخير الذي صار يحسب على رؤساء الجزائر وهو لا يحق له هذا الإسم بل كان رئيس المجلس الأعلى للدولة تلك الجمعية التي أنشئت من طرف العسكر لأجل إغراق الجزائر مدنيا في حرب أهلية يقودها الجنرالات، فهل أنتخب علي كافي من طرف الجزائريين حتى يكرم هذا الكرم ويحمل هذه التسمية أم هي تزكية من بوتفليقة لإنقلاب 1992 الذي إنتقده في بداية حكمه؟ أبدا لم ينتخب ولا أحدا إختاره من الشعب بل أكثر من ذلك أنه دهس إرادة الشعب في إختيار ممثليه… زروال رفض هدية بوتفليقة "المسمومة" بلباقة، والتي جاءت في وقت يريد فيه تجنيد الجميع لمساندته في مسعاه نحو عهدة ثالثة حسمت نتائجها، بل يوجد من صار يطبل لعهدة رابعة أمثال وزير التضامن جمال ولد عباس، فصارت نتائج الإستفتاء على الدستور محسومة لصالح بوتفليقة وبنتائج أعدت مسبقا، ولم يحتمل أي أحد أن يحدث له ما حدث لرئيس فنزويلا الذي رفض الشعب مسعاه في تعديل الدستور ورضخ للأمر بكل ديمقراطية تترك درسا لكل الحكام العرب الذين يتشببون دوما بالغرب وحكامه، نعم… لو طرحت التعديلات للإستفتاء وهو ما لا نستبعده أبدا، لأن الرئيس وعصابته يحتاجون إلى هذه المهرجانات كي يطبلون للرئاسيات وليس للتعديل، وسجلت المشاركة بنسبة لا تتجاوز 5% ونسبة التأييد بالغالبية المطلقة لكانت حكومة بلخادم تحتفل على أن نسبة التأييد قياسية وليست نسبة المشاركة، ولصار هذا الدستور يطبق على الأغلبية الرافضة، وتصبح الأقلية تحكم الأغلبية كما هو جاري الآن، فالمتتبع لما يحدث يدرك أن كل شيء حسم فيه مسبقا، فالدستور ومن دون أن يعرف أحد محتواه لحد اللحظة، قد نال ثقة الشعب بالأغلبية المطلقة وبمشاركة قياسية على عكس الإستحقاقات السابقة، ورئاسيات 2009 أيضا حسم فيها للرئيس بوتفليقة وهكذا، إنه والله إحتيال على الأمة لا شبيه له في التاريخ، وفي الوقت نفسه ورطة للمعارضة التي قد تضرب على قفاها لو رفض بوتفليقة الترشح أو لم يعدل المادة 74، بعدما هبوا يتخندقوا في بيانات رفض من دون معرفة الدستور الجديد ولا حقيقة ما يجري في الكواليس، والغريب أن نجد من أمثال بوعلام صنصال – وهو كاتب ظهر من العدم يمجد الإستعمار الفرنسي والصهيوني – في خندق الرافضين لبوتفليقة وكأن معارضته تتمثل في طائفة فرنكفونية معادية للمبادئ السامية لأمتنا، وهذه هي المؤامرة بعينها التي وجب أن يتفطن لها الجميع، ربما تورط فيها أطراف من خندق السلطة.
الحراقة في مزادات السلطة المتعفنة
الخبر الثاني ويتعلق بالقروض التي سيبدأ تنفيذها وتعطى لكل الحراقة الذين ألقي عليهم القبض من طرف حراس السواحل، وقدرت ما بين 3 ملايين كحد أدنى وتصل قيمتها الى 40 مليون سنتيم، ونحن كنا نتابع من قبل تلك العقوبات الصارمة التي تسلطها المحاكم على الحراقة والمعاملات القاسية التي يتلقونها من طرف مصالح الأمن، لقد بلغ في السنة الماضية عددهم 1071 ممن قبض عليهم ومن دون أن نعرف عدد الذين طالهم حظ الوصول للضفة الأخرى، وان كانت مصادر ايطالية قدرتها بـ 12419 حراق نزلوا بالتراب الإيطالي كما نقلت ذلك صحيفة (سردينيا اليوم)، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد لماذا هذا الوقت بالذات لمعالجة مشكلة الحراقة وبهذه الطريقة المهينة بلا أدنى شك لكل من في قلبه ذرة من الوطنية؟ طبعا الجواب يتعلق بالرئاسيات والتعديلات الدستورية، فكما تم إحتواء فضيحة المفقودين في ميثاق خداع وتلاعب ومكالحة، فقد وجدت الحكومة حلا ومن دون أن تدرس الواقع دراسة حقيقية ومن طرف خبراء ثقة، ومن دون أن يكلفها أدنى جهد، الحل يتمثل في هذا الإغراء الذي من خلاله يراد توقيف الحرقة بعض الوقت أو ما يمكن تسميته "تأجيل الحرقة"، والحكومة لا تريد أبدا أن تجد حلا جذريا ونهائيا للأمر، لأن فيه مراجعة كاملة للمنظومة السياسية الجزائرية التي خلفت واقعا إجتماعيا مزريا وأمنيا متفجرا ومستقبلا محفوفا بالمخاطر، فالحل ترقيعي وبه نية شراء ذمم هؤلاء المغامرين الذين سيفسدون حتما على السلطة أعراسها القادمة، وخاصة أن الصحف الإيطالية والأوروبية لا تسكت أبدا على نملة يلقى عليها القبض وقد تجاوزت الحدود، ولهذا فالسلطة تريد أن تطوي الملف بحل أحمق للغاية، فالمبالغ المقدمة وهي من الخزينة التي للجميع الحق فيها، أعطيت كمصروف جيب لهؤلاء الشباب حتى يؤجلوا الحرقة لما بعد تعديل الدستور على أقل أمل منتظر، أو ربما مساهمة من الدولة في تغطية مصاريف القوارب والمغامرة في الأيام القادمة، أما الترويج على أن هذه القروض لأجل الإستثمار وفتح مؤسسات مصغرة فهو كلام لا معنى له وبائد، ويعرفه الجميع بلا إستثناء من خلال الواقع الذي لا يكذبه أحد حتى من طرف النظام نفسه، لأنها فشلت مشاريع من قبل كتلك التي قدمت في اطار المؤسسات المصغرة أو تشغيل الشباب عن طريق دعم الدولة، فقد طالتها الرشوة وصار يدفع نصف المبلغ لمدراء البنوك حتى يوافقوا على القروض، وأكثر من ذلك أن فرص النجاح في ظل وضع إقتصادي منهار غير مضمونة أبدا، لذلك صار الشباب الذين يتحصلون على القروض وبنية عدم التسديد يسخرونها في شراء تأشيرات السفر للضفة الأخرى والهروب من جحيم البطالة والدين بعدها، فضلا من ذلك المحسوبية التي طالت المشاريع، فصارت القروض والمؤسسات تقدم لغير أهلها، وأنا بنفسي أعرف شقيق وزير الدولة بوقرة سلطاني تحصل على مغسل عمومي صار يحمل إسم (مغسل حلق الواد) بكامل تجهيزاته في ولاية تبسة وفي الوقت نفسه كان موظفا في بنك الخليفة بالعاصمة… الخ، إذا الحل الذي قدمته حكومة بلخادم بإيعاز من الرئيس بوتفليقة حل فاشل من كل النواحي، فأن تعطي شابا غامر بحياته في عمق البحر وكاد أن يعود جثة هامدة مبلغ 3 ملايين لا تشتري له هاتفا نقالا من النوعية الجيدة الذي يحلم بإقتناء أجود منه في الضفة الأوروبية، أقولها بصراحة أن حمى العهدة الثالثة ورئاسيات 2009 خلطت أوراق النظام وجعلته يهذي ويخرف ولا يدرك ما يفعل، حتى تمنيت أنه لا توجد هذه الثروة في خزانة الجزائر، حينها لست أدري ماذا سيفعل هؤلاء مع الحراقة، وإن كنت على يقين أن البنك الدولي دوما في إنتظارهم، ومرتزقة الشعارات هم دوما تحت الخدمة…
المهدي المنتظر يزيد زرهوني !!
الخبر الثالث ويتعلق بوزارة الداخلية لصاحبها نورالدين يزيد زرهوني، الذي في شهر واحد أطل علينا بعدة أشياء كلها محل الشك والريب والإستغراب أيضا، ففي ظرف قياسي قبض على الخلية التي قيل أنها تورطت في تفجيرات 11 ديسمبر التي إستهدفت المجلس الدستوري والبعثة الأممية، وكادت أن تسبب في أزمة دبلوماسية بين الأمم المتحدة والنظام الجزائري، الذي رفض لجنة التحقيق المستقلة التي قررها بان كي مون على خلفية تلك التفجيرات التي اودت بحياة موظفي الهيئة الدولية، ولكن تراجعت في ما بعد وصارت مجرد لجنة تتعلق بأمن الموظفين الأمميين في كل أنحاء العالم، ولقد كان رفض السلطة الجزائرية بسبب خوفها من إحياء نظرية من يقتل من؟ التي سببت المتاعب الجمة لجنرالات الجيش وأقطاب الحرب الأهلية خاصة، ولكن السؤال الذي سيظل عالقا ماهو سبب تراجع الهيئة الأممية عن لجنة التحقيق؟ ولماذا تم إختيار الإبراهيمي وهو دبلوماسي جزائري لهذه المهمة التي تبدلت بين عشية وضحاها؟ ماهي الضمانات التي قدمتها السلطة الجزائرية دفعت بان كي مون للتراجع من دون توضيح يذكر بعد عاصفة إعلامية ودبلوماسية؟
ان كنا شككنا في هوية منفذي العملية في البداية بسبب تصريحات زرهوني نفسه وبعض الإعتبارات المرافقة للأحداث، لكن الآن خبر القبض على المتهمين المفترضين يزيدنا شكوكا أكثر إن لم تصل لدرجة اليقين، فقد عجزت الحكومة على أن تقدم لنا شيئا عن تفجيرات سابقة ومنها التفجير الكبير الذي إستهدف رئاسة الحكومة في 11 أفريل 2007، أليس الأولى أن يلقى القبض على من قوض سيادة الدولة في ضرب رمز من رموزها والمتمثل في مقر حكومتها وفي قلب العاصمة؟ أنا على يقين أن الذين قبض عليهم قد لفقت لهم كل التهم ولا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بتلك التفجيرات، التي صرح زرهوني أن وزارته كانت على علم بها مسبقا كما هو معلوم، ربما قبض على المتهمين قبل العملية وزج بهم في زنازين حيدرة في إنتظار حدوث الجريمة ليتم محاكمتهم، ونحن نعرف أن العدالة الجزائرية في خدمة الجهاز التنفيذي وتشتغل تحت أوامره، فقد صودر حق الكثيرين ممن كان القضاء سيفرج عنهم في إطار ميثاق السلم والمصالحة، وبسبب أوامر الداخلية والمخابرات، فكيف لا يستطيعون أن يقبضوا على أبرياء ثم يروج لتصريحات وإعترافات على ألسنتهم من أجل تبييض وجه النظام أمام الهيئة الأممية والعالم؟
فالواجب الآن على الأمم المتحدة أن تطالب بتقديم هؤلاء "المتهمين" الذين فجروا مقرها إلى لجنة قضائية دولية ومستقلة، حتى تنكشف الحقائق علانية، ولا يمكن أبدا التضحية بالأبرياء لأجل أطماع سياسية ونزوات بعض الأنظمة العربية، فقد علمنا من مصادرنا أنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب لذلك راحوا يوقعون على إعترافات لم يطلعوا على محتواها، فأغلب الأسماء الرئيسية قد قيل أنها قتلت، ولم تبق سوى اسماء قدمت الدعم حسب مصالح وزارة الداخلية، ومصيرها سيكون مشؤوما بلا شك ولا أحد يعرف الحقيقة سواهم، وليس غريبا على عدالة أدانت الطالب منصف فلاحي بغرامة لم يملك ثمنها في حياته لشعار حمله على صدره كبقية الجزائريين وحتى بعض الفرنسيين، في حين أن وزير المجاهدين صرح بشيء كاد أن يسبب في أزمة دبلوماسية دفعت بوتفليقة للإعتذار والتبرؤ منه، فهل تابع القضاء وزير المجاهدين؟ طبعا البسطاء يدفعون ثمن الحقيقة فقط، أما "الكبار" فهم فوق القانون وفوق الشعب.
أمر آخر ضروري أن نشير إليه ويتعلق بجدوى المصالحة هذه التي صرفت عليها الملايير لو إستغلت في مشاريع إجتماعية وتضامن ودعم للفقراء لعاد بالخير الوفير، ربما أمر مهم للغاية أن يعرفنا نظام بوتفليقة الذي يريد البقاء في الحكم ومن دون أن يحقق شيئا في السنوات التي مرت، عن فائدة المصالحة هذه مادامت الدولة والأجهزة الأمنية تستطيع القبض على كل من تسول له نفسه في الإعتداء أو إرتكاب عمليات إرهابية إنتحارية، ففي ظرف قياسي قبض على عدة شبكات سواء تلك التي تتعلق بتفجيرات الهيئة الأممية أو عملية بوشاوي، أليس هذا دليل قاطع على أن ما يقترف في حق الجزائريين لا يحتاج للجنة تحقيق أممية فقط، بل لجان ولا أعتقد أنها ستفك طلاسم هذا النظام المعقد بالفساد والجريمة المنظمة…
الأمر الآخر الذي يتعلق بوزارة الداخلية وهو إحصاء الشعب الذي يرافقه تسجيل النقائص التي تعاني منها كل العائلات، وكأن النظام لا يعرف ما ينقص الجزائريين، فهم يريدون العمل لأبنائهم المتخرجين من الجامعات ويريدون حقهم في ثروات بلادهم التي إستأثرت بها أقلية مفسدة في الأرض وفاسدة في خلقها، إنهم يريدون الخبز، يريدون الدواء، يريدون أن تعاد لهم كرامتهم المسلوبة، يريدون العمل، يريدون العلاج… لو ذهبنا إلى أي شخص في أي بلد وسألناه عن معاناة الجزائريين لحدثك وكأنه ابن البلد، لأن ما يحدث صار في حكم المعلوم ولا يحتاج إلى كل تلك الأموال التي خصصها زرهوني والمقدرة بـ 205 مليار دينار لإحصاء شعبه الجائع، والله أمر مضحك للغاية أن يأتي أعوان وظفوا لأجل العملية وقدرتهم مصادر الداخلية أنهم 70 ألف شخص، ويزورون أرياف وأحياء الجزائر الفقيرة ويسائلون العائلات عن مطالبهم والنقائص التي يعانون منها، وطبعا العون غالبا ما يكون بطالا أو ربما حراقا سابقا تمت الإستعانة بخبرته في إختراق أحراش وادغال البلاد، ثم في نهاية العملية تقوم لجنة تعينها وزارة الداخلية وبالتعاون مع وزارات أخرى لدراسة هذه المطالب كلها، ليتم البت فيها وتتحصل كل عائلة على ما تريد، والله لو أقدمت هذه الوزارة على تخصيص العملية لسكان الحراش لما حلت مشاكلهم لمدة 10 سنوات، فكيف يكون الحال لشعب كامل يغرق في الفقر والجوع والبطالة واللامن حد الذقن؟ هذا دليل آخر على الإحتيال السياسي الممارس على الشعب الجزائري، ويراد منه تجنيد الناس لتجاوز عنق الزجاجة ويتمثل في نيل صك الشرعية بتعديل دستوري يبرر بقاء بوتفليقة في الحكم، وبعدها سيجدون ألف حل لتجاوز ورطة عهودهم كما حدث من قبل، فالدولة التي عجزت عن تنظيف العاصمة من القاذورات التي هي ثالث أقذر عاصمة في العالم بعد بانجول في غامبيا وكيغالي في رواندا حسب مجموعة أوربان أونفير ونانت، فكيف ستنظف الجزائر العميقة كلها في ظرف قياسي من كل المشاكل الأخرى؟
أمر آخر يدخل في عجائب داخلية يزيد زرهوني ويتمثل في الأوامر التي وجهتها لرؤساء الدوائر لتوزيع السكنات الإجتماعية الجاهزة قبل شهر مارس، والتي قدرت حسب مصادر إعلامية بعشرين ألف سكن، والكل يعرف أنها جهزت منذ سنوات وبقيت حبيسة أدراج الإدارة للوقت المعلوم، وها قد جاء وقتها الآن والنظام مقبل على موعد حاسم، فأين كانت وزارة الداخلية من قبل؟ لماذا لم توزع هذه السكنات في حينها والشعب يبيت في العراء؟ لماذا تم إختيار شهر مارس بالضبط والكل يعلم أنه موعد قد تطرح فيه وثيقة الدستور وقد تستدعى فيه الهيئة الناخبة مباشرة لأنه لا يمكن أن تترك النسخة الدستورية للنقاش الطويل الذي قد يفقدها بريقها المرتبط بأشياء اخرى أو يكشف عيوبها التي لا تعد ولا تحصى؟
وأين مشروع مليون سكن الذي وعد به بوتفليقة الجزائريين وقبل العهدة الثالثة مما يعني أن الوعد كان في العهدتين الماضيتين؟ أم أن الرجل كان في مخيلته عهدات مفتوحة وهو يعد الجزائريين الغلابى؟
لقد أعلنت الحرب على البيوت القصديرية ولا تزال في الجزائر أكثر من 500 الف بيت قصديري، وفي العاصمة وحدها 40 الف بيت قصديري يقطنها حوالي 200 الف مواطن، بعدما كانت عام 1966 وبعد أربع سنوات من الإستقلال 2000 بيت قصديري، الذين سيشملهم احصاء زرهوني وتعداد مشاكلهم، ومع مرور الوقت نجد هذه البيوت تتزايد في عددها وانتشارها، نذكر أنه في عام 1985 بلغت 25 الف عبر كامل التراب الوطني، 1998 إنخفضت الى 23 الف وطبعا حسب الإحصائيات الرسمية التي تقدمها السلطة وان كان الواقع غير ذلك بكثير، لأنها تخضع لحسابات النظام دوما الذي يريد إبراز ما يزين بها جلالته، فهل حققت الحكومات السابقة حلولا لهذه الأحياء الفقيرة التي يتخرج منها الحراقة والكاميكازات؟ الجواب لا يحتاج مني إجابة بل الواقع هو خير دليل، وكل جزائري ينظر إلى واقعه هو ويزيل الضبابة السوداء التي قد تغطي بصره وبصيرته بسبب هذا الإحتيال، حينها يستطيع أن يعرف الجواب الصواب، وإن كان واضحا بينا لا يحتاج مني إلى أدنى جهد، ولكن أتركه حتى لا يظل يردد على أنني أتحامل على الجزائر من بلاد الجن والملائكة…
لقد سجل البنك العالمي 400 الف وحدة سكنية غير لائقة والبيوت القصديرية تغطي 17 الف هكتار عبر كامل التراب الجزائري وذلك في تقييم شامل لوضعية السكن في الجزائر (الخبر: 07/02/2008)، فترى هل ستجد وزارة زرهوني حلولا لذلك والسكنات الإجتماعية لم توزع على عموم الشعب وان كانت تقدم لآخرين هم في غنى عنها يستعملونها للسهر والمجون والشذوذ والليالي الحمراء؟ وهل سيكون الأمر جادا حتى بعد أفريل 2009 أم مجرد هرج يسبق الموعد وحينها يعود كل واحد لجحره يستمتع بما جناه من التطبيل والتصفيق؟.
غربان تنعق في سماء الجزائر
استأذن الدكتورة القديرة فيوليت داغر على أن أستعير منها عنوان مقالتها عن الغربان التي تنعق في سماء لبنان، لأن الوطن العربي واحد وما يحدث هنا يحدث هناك ولم يتغير سوى مكان المشهد والممثلون وربما الموسيقى التصويرية التي تحكمها أعراف وتقاليد… إنني على يقين أنها ستقدم الوعود الكثيرة خلال هذه الفترة بالذات كما قدمت من قبل، واعرف أن المسؤولين وزعماء الأحزاب سينفقون الكلام المباح كما فعلوا من قبل، وسيجدون ضالتهم خلال حملة الرئاسيات هذه التي لم تحدث من قبل أبدا وفي اي دولة، أن تنطلق بأكثر من سنة قبل موعدها ويختلط تعديل الدستور بمرشح السلطة ونتائج محسومة مسبقا ومن دون أن يعرف أي أحد برامج المرشحين الآخرين والمنافسين لبوتفليقة حتى وإن كانوا برتب الأرانب، لهي الكارثة بعينها ان على المستوى السياسي أو على هيبة الدولة وسلطة الشعب وحتى على الشرعية التي تعتبر الركيزة الفعلية للحكم الراشد وخيار الديمقراطية، سنجد الآن الوزراء يزوقون والإنتهازيون يزركشون والمرتزقة دجالون يوعدون شعبهم بالجنة، وتلفزيون حمراوي يعد البرامج الضخمة لإنجازات الرئيس، مع العلم فقط أن حمراوي حبيب شوقي خصص من ميزانية التلفزيون الذي غرق في الوحل لأجل التكفل بعلاج المطربة فلة عبابسة، بالرغم من أنها ليست موظفة عنده ولا علاقة لها بمؤسسته من قريب أو من بعيد، وهي امرأة ثرية تملك العقارات والفيلات الفاخرة التي تحصلت عليها في اطار التنازل عن أملاك الدولة، والفضل لعشيق الأمس الجنرال محمد بتشين، فبأي حق يقدم حمراوي على هذا ويوجد موظفون في التلفزيون لا يملكون سكنا يأوي صغارهم ولا يزالون يعيشون بغرف في فندق المنار؟؟ طبعا ليس غريبا على رجل أوصلته السيدة ليلى وإسمها الحقيقي خيرة برابح الى وزارة الاعلام وهو طالب جامعي لم يتحصل بعد على شهادته الجامعية أو حتى بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية، ولا داعي للحديث عن الفرص المتاحة للشباب لأنه حديث للإستهلاك فقط والحقيقة واضحة للعيان…
كلام لابد منه
ربما أجد نفسي أطلت بعض الشيء وأثقلت على القراء في حديثي عن هذا الإحتيال السياسي الذي يفضحه الواقع والممارس على الشعب الجزائري، وبدل ان يحاكم هؤلاء على وعودهم الكاذبة التي ذهبت مع الإستحقاقات السابقة يفتح لهم المجال للكذب مرة أخرى على شعبنا وبمساندة الرئيس بوتفليقة وبدعم من جهات أجنبية، إن الوصف الحقيقي الذي ينطبق على هؤلاء هو الإحتلال الداخلي ونعتذر لصديقنا الدكتور منصف المرزوقي على إستعارة هذا المصطلح منه والذي طالما وصف به ديكتاتورية الرئيس التونسي بن علي ونظامه الفاسد، الحل الحقيقي يكمن في محاكمة هؤلاء المجرمين فقد سرقوا المال ليلا ونهارا وللقضاء كل الحق والقانونية أن يتهمهم بالسرقة الموصوفة المقترنة بظروف الليل والتعدد، وقد قتلوا الناس ويحق للقضاء أن يتهمهم بالقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وقد إنتهكوا الأعراض ويحق للقضاء أن يتهمهم بالشذوذ والإغتصاب، وقد ظلوا يظهروا على التلفزيون الرسمي في صور لا تليق بالشعب الجزائري ويحق للقضاء أن يتهمهم بإنتهاك حرمات المنازل على أدنى تقدير، ولقد عذبوا الناس واحرقوا القتلى ويحق للقضاء أن يتابعهم بتهم التنكيل بالجثث، وقد رأوا بأم أعينهم جرائم كثيرة ويحق للقضاء أن يتابعهم بعدم التبليغ عن جناية أو إسعاف متضرر في حالة خطر، وقد قبضوا الرشوة وتلاعبوا بالمال العام ويحق للقضاء أن يتهمهم بالإختلاس والرشوة والتبديد، وقد إستولوا على ممتلكات الغير من عقارات واشياء أخرى ويحق للقضاء أن يتابعهم بتهمة الإستيلاء على ملك الغير بغير وجه حق، وقد إستأمنهم الشعب للحفاظ على ماله وشرفه وعرضه ونهبوه ويحق للقضاء أن يتهمهم بخيانة الأمانة وانتهاك عرض الغير، وقد تعاونوا مع العدو وكشفوا اسرار البلد وتلاعبوا بالأمن القومي ويحق للقضاء أن يتابعهم بتهمة الخيانة العظمى، وقد زوروا الإنتخابات وبدلوا الوثائق واعطوا تصريحات كاذبة فيحق للقضاء أن يتابعهم بتهم التزوير في محررات رسمية و التصريح الكاذب، وقد وعدوا الوعود لأجل الحصول على اصوات الناس وتزيين الربح الكبير المرتقب لهم ليستولوا على أصواتهم ودعمهم وما يملكون ويحق للقضاء أن يتابعهم بتهم النصب والإحتيال، وقد تطاولوا على الدين ومقومات الأمة ويحق للقضاء أن يتابعهم بتهمة المساس بالدين ومقدسات الوطن، وقد إغتصبوا فتيات في 16 من أعمارهن ويحق للقضاء أن يتابعهم بجناية إغتصاب قاصر وتحريضهن على الفسق والدعارة… نترك الأحكام التي سوف تطالهم على كل هذه القضايا الثابتة للقارئ الذي لن يستبعد أبدا الإعدام المتكرر وفي الساحات العمومية على مرأى الشهود والفضائيات التي أرادوا أن يخرصوها في إجتماع من يسمون بدعا وزراء الإعلام العرب، حتى يكمموا أفواهنا بعدما حرمونا من وطننا.
إنه لا يحق أبدا للقضاء أن يدعمهم في إجرامهم وتطاولهم على الأمة، وإعطائهم الغطاء القانوني والشرعي كي يتعدوا على الدستور كما يفعل تلفزيون حمراوي الذي يروج لتصريحات تطالب بالعهدة الثالثة ومن دون لفظ تعديل الدستور وهي دعوة صريحة لا لبس فيها يعاقب عليها القانون، ولا يجوز ابدا السماح لهم بمواصلة نهبهم للمال العام وسرقة أحلام الأجيال القادمة بشعارات براقة كاذبة وفاسدة لا أساس لها، فترى هل سيقف القضاء يوما ما موقفا يسجله التاريخ؟ أستبعد ذلك من قضاة أغلبهم غرقوا في الرشوة والظلم وإعطاء الحق لغير أهله، وتسللوا لمصادر القرار أما الشرفاء فطالهم التوقيف أو التأديب أو الإقصاء… أكيد أن الشعب الجزائري الذي وجب أن يحتكم لواقعه هو وحالته المزرية ولا ينظر أبدا لشعارات يروج لها المليونير بوقرة سلطاني أو الملياردير أحمد أويحيى أو الإنتهازي المتطفل بلخادم أو البليونير بوتفليقة على مرأى شعب فقير يقتات من المزابل ويلبس العراء… الحديث طويل وذي شجون قد نجد متسعا آخر في وقت لاحق لنغوص في عمقه من جديد وبحيثيات أخرى.
أنور مالك
22 فبراير 2008