هل هو حقيقة أم مجرد سيناريوهات تلخص الأطماع الأمريكية في المنطقة؟ !!
وهل ما يروج عن ما يسمى بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" هو مجرد أكاذيب من أجل الإستهلاك الإعلامي الذي يخدم مشاريع موازية تحاك في الخفاء من طرف خفافيش دأبوا على الإصطياد في الظلام والمياه العكرة؟ !!
تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين… تنظيم القاعدة في بلاد الشام… تنظيم القاعدة في بلاد فارس… تنظيم القاعدة في جزيرة العرب… ثم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي… أجيال تتوارث العمل المسلح لكن ما يبقى يثير التساؤلات هل للقاعدة الأم علاقة بهذه التنظيمات أم مجرد أبناء زنا حملوا سفاحا لخدمة المشروع الإمبريالي الذي تخوضه أمريكا لحماية البنت الشرعية للبيت الأبيض ألا وهي إسرائيل، هذا بغض النظر عن العلاقة العقدية التي لا غبار عليها…؟.
لماذا تم إعلان انضمام "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" من طرف الظواهري في ظرف يشهد الشد والجذب بين أطراف إفريقية وأمريكية حول القاعدة العسكرية الأمريكية "أفريكوم" التي لا يزال مقرها بشتوتغارت في ألمانيا؟
ولماذا توعد الظواهري فرنسا لأول مرة يفردها بالإسم في ظل إنتخابات رئاسية مثيرة الطرف فيها نيكولا ساركوزي الذي يمجد السياسة الأمريكية، وعرف عنه أنه بلير الثاني بالنسبة لبوش؟ وقد أدى ذلك إلى فوزه في الإنتخابات بالرغم من عدائه الواضح للمهاجرين وللعرب على عكس جاك شيراك، ومن الصدف أن أول من أعلن تصريحا عقب الإعلان هو ساركوزي وكان حينها وزيرا للداخلية وحمل تهديدات الظواهري على محمل الجد… طبعا أمر غير بريء وخاصة أن ساركوزي سار على نهج بوش في إستثمار الخوف من القاعدة في كسب المؤيدين…
لماذا تسجل الجزائر تماطلا في ما وعدت به أمريكا من صفقات التسليح ضمن مساعدتها في مكافحة الإرهاب، بالرغم من أنها صارت تواجه القاعدة التي تواجهها أمريكا في أفغانستان والعراق… ؟.
لماذا لم يتجه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى ضرب المصالح الأجنبية كما هو معروف عن التنظيم الأم، سوى عملية بدت إستعراضية والمتعلقة بالإعتداء على مستخدمي شركة هاليبتون في منتصف شهر ديسمبر 2006، أو خطف المهندس المصري بتيزي وزو في 28/05/2007، وإن كان التنظيم قد قام بعملية كبيرة من قبل لما كان يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال بخطف السواح الألمان بالصحراء الجزائرية؟ !! .
لماذا التركيز على منطقة القبائل والصحراء في نشاطات القاعدة، فإن كنا نعرف أن الصحراء مصدر الثروات النفطية، فماذا يراد من القبائل، إن كانت لويزة حنون زعيمة حزب العمال لجزائري جعلت من حركة العروش نتاج التحريض الأجنبي (صحيفة البلاد 20/08/07)، فما يقال عن القاعدة إذن؟ !!.
الأسئلة كثيرة وقد لا نجد لها إجابة في ظل الزخم الرهيب والمتناقض للأحداث التي رافقت إعلان هذا التنظيم عن نفسه رسميا في 24/01/ 2007 وإن كان الظواهري قد أعلن ذلك رسميا في الذكرى الخامسة لأحداث 11 من سبتمبر/أيلول…
النفط الإفريقي يعتبر العمود الفقري لأمريكا فهي تستورد 60 % من حاجياتها النفطية من إفريقيا، وتشير بعض التقارير إلى إرتفاعها نحو ما يقارب 70 % مع حلول عام 2025، وما تستورده أمريكا من دول مثل غينيا والغابون ونيجيريا يعادل ما تستورده من مجموع دول الشرق الأوسط، ويكفي ما نشر عن وارداتها عام 2006 مثلا… النفط الإفريقي له مميزات خاصة لجودته العالية، وحسب التقرير الشهير حول مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة الصادر عام 2001 أكد ديك تشيني نائب الرئيس بوش وأحد كبار المستثمرين في النفط وصاحب ملكية مجمع هاليبورتن والمتواجد من خلال شركاته الفرعية في القارة السمراء، بأن إفريقيا تتحول بشكل سريع إلى مصدر نفط وغاز للسوق الأمريكية، وأن النفط الإفريقي ذو جودة عالية ومما يجعله نموذجيا لمحطات تكرار النفط في إفريقيا، لهذا تجد إقبال الشركات البترولية قويا، فنجد مثلا شركة شيفرون تكساكو التي كانت تديرها من قبل كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية حاليا) إستثمرت حتى الآن أكثر من 10 ملايير أورو في إفريقيا وقدرت إستثماراتها مع نهاية 2012 ما يقارب 20 مليار أورو… إن كان تقرير تشيني قد عد نفط إفريقيا عالي الجودة، فإن والتر كاينستين الذي كان مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية فقد صرح في 01/02/ 2001 بأن بترول إفريقيا تحول بالنسبة للإدارة الأمريكية إلى إستراتيجية وطنية جذابة… ولهذا راحت الكثير من الجهات الرسمية والإستراتيجية ومراكز البحث إلى حث الإدارة الأ! مريكية م ن أن تجعل النفط الإفريقي من ضمن الأولويات السياسية الأمريكية، كما جاء في التقرير الصادر عن:
centre for strategic and international studie
وذلك في يوليو 2005 وتحت عنوان:
A Strategic US aroach to Governance and security in the gulf of guina.
وهذا لا يتحقق طبعا إلا بإقامة قواعد عسكرية، مما دفع مجلة (أليكسندر غاز أند وال كونكشيو) من أن تنشر ما مفاده أن الإدارة الأمريكية شرعت في حماية مصالحها البترولية في إفريقيا، ومن دون أن تعطي صورة عن الطريقة المنتهجة من قبل إدارة البيت الأبيض… وفي الحقيقة أن البنتاغون شرع منذ 2005 في التفكير في قواعد عسكرية بإفريقيا، وقد جمع لذلك 9 دول منها المغرب ضمن المبادرة العابرة للصحراء لمواجهة الإرهاب (TSCTI)، ويؤكد الخبراء أن الدول المرشحة لإحتواء القواعد العسكرية هي: المغرب وموريتانيا وتشاد والسينغال، وقد روجت الصحافة المغربية إلى الشروع في بناء قاعدة بإقليم طان طان، والأشغال جارية فيه منذ 2005، وقد ورد في تقارير إخبارية إنطلاق المشروع الأمريكي العسكري في منطقة الساحل الإفريقي خلال شهر جوان 2005، بناءا على تصريحات السيدة تيريزا ويلان مساعدة وزير الدفاع الأمريكي والمشروع يحمل إسم فلنتوك 2005 (صحيفة الخبر: 21/05/05 )، مما يعطي إنطباعا بان التركيز على وجود المغاربة في القاعدة بالجزائر ليس بالبريء أبدا، وهي تدخل في إستراتيجية سرية تدعمها أطراف إستخباراتية أمريكية وحتى صهيونية من أجل إشعال فتيل حرب بإفريقيا، حتى أن مايكل كلار صاحب الكتاب الشهير عن موارد الحرب أكد في حوار له مع جريدة (آسيا تايمز) من أن الحرب الأمريكية القادمة ستكون في إفريقيا (القدس العربي: 24/03/2007)… وطبعا لا تكون إلا بوجود عدو وهذا الذي ستصنعه أمريكا بالقاعدة في المغرب العربي، ومما يجدر الإشارة إليه أن المارد الصيني إلى جانب الهندي اللذان يزحفان على إفريقيا أصبحا يشكلان هاجسا مزعجا للإدارة الأمريكية، مما دفعها إلى الإسراع في إحتواء المنطقة قبل فوات الآوان، وخاصة أن العملاق النائم قد إستيقظ من سباته، إضافة أخرى جديرة بالتنويه أنه نقلت عدة تقارير أمنية من أن الإدارة الأمريكية رفضت القيادة المشت! ركة لمحا ربة ما تسميه بالإرهاب بين كل من المخابرات الأمريكية والفرنسية والألمانية والمغاربية، مما يوحي إلى سعيها الحثيث لأجل الإستفراد بخيرات المنطقة وليس الهدف هو الإرهاب بحد ذاته…
الجزائر والأجندة الأمريكية
تعتبر الجزائر الدولة الأولى في العالم التي عانت مما تسميه أمريكا بالإرهاب، ومن دون أن نخوض في الأسباب السياسية خاصة التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية، ويتحمل المسؤولية جنرالات الجيش والمخابرات أمام الله ثم التاريخ دماء الأبرياء والعزل من الشعب الجزائري، وبالرغم مما تعتبره أمريكا من أن الجزائر شريك مهم في حربها الضروس على ما تسميه بالإرهاب، إلا أن العلاقات الفعالة ظلت تراوح مكانها، فالمساعدات العسكرية لم تتعد ما بين 2005 و 2006 قيمة 600 مليون دولار دفعتها الجزائر من أجل إستيراد عتاد عسكري متكون من وسائل الرؤية الليلية والإتصالات، هذا فضلا من أن المساعدات المالية المقدرة بـ 2,8 مليار دولار جعلت من الجزائر في المرتبة الثالثة مغاربيا بعد تونس التي قدرت مساعداتها بـ 4 ,7 مليار دولار، والمغرب 2,9 مليار، أما ليبيا فقدرت المساعدات بـ 1,15 مليار… والتعاون الجزائري الأمريكي في المجال العسكري عرف الكثير من المحطات، فإلى جانب المعدات التي ذكرناها سابقا فقد أرسلت وزارة الدفاع الجزائرية دفعات متعددة من الضباط للتكوين في كبريات الكليات العسكرية الأمريكية، وخاصة في ما يتعلق بالقوات الجوية والدفاع الجوي ! عن الإقل يم، حتى أن الرائد باسطة محمد والرائد مراح جمال والرائد غميرد مراد والرائد بن أحمد الشريف والرائد شيحة مراد والرائد عيسات فريد والرائد لحلو جمال وشقيقه الرائد لحلو عبد الحليم… الخ، الذين قضوا أكثر من سنة في واشنطن قد أكدوا لنا ان الجزائر دفعت الملايير من أجل تكوين الإطارات في الرادار والعمليات الجوية والإتصالات الحديثة والحرب الإلكترونية، إلا أن الأمريكيين كان همهم دفع الجزائريين نحو إهتمامات أخرى كالسهر بالكباريهات ومطاردة الشقراوات، وكل من يظهر جديته في التكوين تتخذ ضده إجراءات صارمة، سنفرد مقالا عن الإطارات العسكرية الجزائرية في الخارج قريبا.
نعود لموضوعنا ممكن أن الجزائر وضعت في خانة هامة للإستراتيجية الأمريكية وخاصة أنها غنية بالنفط، فحسب دراسة أعدتها شركة نفط كويتية من أن الجزائر أصبحت من أكبر الدول العربية تصديرا للغاز (الخبر: 19/08/07)، مما جعل نفط الجزائر بلا منازع على رأس الأجندة الأمريكية، يقول الدكتور بشير مصيطفى الخبير الإقتصادي في دبي: (وقعت الجزائر مع أمريكا العام 2001 أتفاقا مهما للتجارة والإستثمار ومنذ ذلك الوقت زاد الطلب الأمريكي على المحروقات الجزائرية بشكل محسوس، وفي أقل من عشر سنوات تضاعفت الصادرات الجزائرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية 4 مرات (400 بالمئة) تشكل منها مواد الطاقة النفط والغاز حصة الأسد ان لم نقل الحصة كلها، إذ لا تزيد صادرات الجزائر إلى أمريكا خارج المحروقات عن 10 مليون دولار، وخلال الثلاث سنوات الأخيرة انتقلت واردات أمريكا من المحروقات الجزائرية من 10 مليار دولار العام 2005 إلى 14.2 مليار دولار العام 2006، ويتوقع أن يبلغ الرقم عند نهاية العام الجاري 21 مليار دولار…)، وفي حديثه عن السباب التي دفعت الأمريكيين للإهتمام بالنفط الجزائر يقول: (… إلى عوامل ستة مهمة: إرتفاع أسعار سلة أوبيك خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، سياسة الجزائر الجديدة في تنويع زبائنها، الحاجة المتزايدة للطاقة في الداخل الأمريكي أول مستهلك للنفط في العالم، مصاعب التخزين وقلة مصافي تكرير النفط في أمريكا، مخاطر الأعاصير والتحول المناخي الذي يزال يضرب السواحل الأمريكية وخليج المكسيك المغذي الدائم للسوق الأمريكية من الطاقة، تقديرات الوكالة الدولية للطاقة بشأن حياة الإحتياطي من النفط في العالم، ثم الصراع بين أمريكا وخصمها الإستراتيجي إيران هناك قريبا من الخليج) – جريدة الشروق: 30/08/07.
الجزائر قدمت المعلومات بلا مقابل لأمريكا عن الأفغان الجزائريين من خلال ملفات قضائية فتحت للذين قبض عليهم وأودعوا السجون، كما حدث مع السجين عبد المجيد دحومان الذي تم إستنطاقه مرات متعددة في سجن سركاجي من طرف أعوان المخابرات المركزية الأمريكية، فضلا عما تناقلته بعض التقارير السرية عن تسليم عبد الرزاق البارا لأمريكا لأجل التحقيق معه، ونقلت لنا مصادر تصل لدرجة عالية من الإطلاع من أن وزير الداخلية يزيد زرهوني قد تنقل معه شخصيا، إلا أن مصادر أخرى من مركز عنتر للإستخبارات والإستنطاق قد نفى ذلك، ويكفي من أن الصحفي السابق جمال بلقاسمي والضابط الحالي قد أكد لنا من أن المخابرات الأمريكية قد إستنطقت عبدالرزاق البار (صايفي) في مكتب العقسد بشير طرطاق وبحضور العقيد فوزي، وأيضا ما حدث مع السجين النذير أبوبكر في سجن الحراش فقد خضع للتحقيق مع عناصر أمريكية بعدما تسلمته الجزائر من دمشق عام 2005، وهو أفغاني جزائري سابق أتهم لدى القضاء الجزائري بإسقاط طائرات عمودية أمريكية وشارك في معركة تورابورا، وقد أطلق سراحه في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في مارس 2006 ولم يمكث إلا أياما معدودات وأعيد توقيفه وإيداعه سجن سركاجي مرة أخرى بسبب خطأ إرتكبه القضاة حسب زعم وزير العدل، وهذا الذي تحدثنا فيه عن مقالنا حول الإسلاميين الذين أبطل الشعب متابعتهم وبقوا من خلف القضبان والمنشور في كثير من مواقع المنظمات الحقوقية والصحف الدولية… والجزائر طبعا عضو إلى جانب المغرب وتشاد والسينغال ونيجيريا في مبادرة الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب، وقد طلب البنتاغون من الكونغرس إعتماد ميزانية إضافية قدرت بـ 500 مليون دولار يتم صرفها على المبادرة، وقد وافق الكونغرس على 300 مليون من أصل 500 كميزانية إضافية لعام 2008 (الشروق اليومي: 11/08/07)، وقد عدها الرئيس الأمريكي بوش في كثير من خرجاته بالشريك الهام لأمريكا، بمعنى أدق أنها الشريك الهام في محور الخير الذي يخدم المصالح الإستدمارية الأمريكية التي زحفت بها على العالم الإسلامي والعربي بزعم ضرب "الإرهاب" و"القاعدة" في عقر الدار…
العلاقات الجزائرية الأمريكية… على صفيح متقلب
وجب أن نشير باختصار شديد إلى مسيرة العلاقات الجزائرية الأمريكية التي ظلت على صفيح ساخن وإن كانت لها جذور في التاريخ، لأن الجزائر تعتبر من أول الدول التي اعترفت باستقلال أمريكا عام 1776 ثم اتفاقية التجارة مع الجزائر عام 1795… وجون كنيدي بدوره عام 1957 لما كان سيناتورا أيد استقلال الجزائر، واستقبل أحمد بن بلة في البيت الأبيض بعد توقيع إتفاقيات إيفيان، إلا أن أمريكا فيما بعد لم تتخذ موقفا مشرفا على الانقلاب الذي استهدفه بقيادة الراحل هواري بومدين على إثر زيارته لكوبا عام 1962، الغريم التاريخي الإشتراكي المعروف لأمريكا… العلاقات تلاشت بين البلدين عام 1967 بسبب الحرب العربية الإسرائيلية أو ما تعرف بحرب الستة أيام، إلا أن العلاقات الاقتصادية بقيت متواجدة من خلال شركة (آل باسو) والتي كانت تلعب الدور البارز في تصدير الغاز الطبيعي من الجزائر، وبقيت للرئيس الراحل هواري بومدين علاقات سرية عن طريق رجل الأعمال رشيد زغار لا زالت أوراقها غامضة وفي طي المجهول… عادت العلاقات إلى مستوى آخر أكثر جدية مع رحيل بومدين عام 1978 ولعبت الجزائر دورا محوريا في تحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين من طرف طلاب في طهران عام 1980، وقد أسقط جيمي كارتر من الحكم ومهد الطريق لريغن بأن يتقلد الرئاسة، وإن كانت تقارير نشرت في الآونة الأخيرة تكشف أسرارا خطيرة عن تلك الحادثة وخاصة حول صفقات تسليح لإيران، ونشرت أيضا صورا جعلت كدليل قاطع على أن الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد كان من بين الطلبة محتجزي الرهائن… بالرغم من الدور الجزائري إلا أن إدارة ريغن قابلته بفتور ولم تثمن ذلك العمل ووطدت من علاقاتها مع المغرب وهو الغريم التاريخي للجزائر على حساب طبعا الجزائر في كثير من القضايا وأهمها الصحراء الغربية…
في بداية التسعينيات حاولت أمريكا أن تمسك العصا من الوسط فلا هي مع النظام ولا مع جبهة الإنقاذ، وربما أخذت من تجربة إيران الدروس والعبر، فالمعارضة مهما كانت توجهاتها ستصل إلى الحكم حتما، ولهذا لم تندد بانقلاب 1992 على الشاذلي بن جديد وتوقيف المسار الانتخابي، وفي الوقت نفسه دعمت عقد سانت إيجيديو مطلع 1995 واستضافت أنور هدام رئيس ما يعرف بالبعثة البرلمانية في الخارج والمحكوم عليه بالإعدام في الجزائر، هذا بالرغم من مواقف جبهة الإنقاذ المناوئة لأمريكا في حربها على العراق عام 1991، ويكفي أنها سارعت بتهنئة الرئيس التركي عبد الله غول الذي يتحدر من الحركة الإسلامية التي حوربت كثيرا بدأ من حزب الرفاه ثم الفضيلة… الخ، والآن وصلت للحكم وسيطرت على الرئاسة والحكومة والبرلمان، لتعطي التجربة درسا لأمريكا أن الإسلاميون مهما حوربوا قد يحدثون المفاجأة ويصلون لسدة الحكم…
حاولت العلاقات أن تتطور أكثر في عهد الرئيس الأسبق اليامين زروال، غير أن العنف الذي ضرب الجزائر في مقتلها أفشل كل المساعي الحثيثة في ذلك، وخاصة أن أمريكا مقتنعة بأن النظام الجزائري عسكري وما الوجه المدني سوى غطاء وتمويها لدولة يحكمها الجيش عن طريق الرجل القوي فيها خالد نزار وعصابته… ولهذا ظهرت تدخلات لمنظمات حقوقية غير حكومية في الجزائر كمنظمة العفو الدولية التي نشرت تقريرا عرف بالملف الأسود عن الجزائر في أفريل 1997 وىثار الجدل الكبير داخليا وخارجيا…
أما بالنسبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمعروف لدى الأمريكيين من خلال أنه قضى 15 سنة وزيرا للخارجية الجزائرية، في الفترة الممتدة من 1963 إلى 1978، وإن كان قد ظهر في بداية حكمه مناهضا للسياسة الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط، فقد التقى لقاءا مختزلا ووجيزا بالرئيس بيل كلينتون على هامش جنازة الملك المغربي الراحل الحسن الثاني في يوليو 1999 ونال رضا كلينتون كثيرا، صافح خلال الجنازة يهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي مما اعتبره الملاحظون أنه ضمان لحسن النية من طرف الرئيس الجزائري، لكن بالرغم من الرضا إلا ان كلينتون لم يستدعيه لزيارة واشنطن مما عده الكثير من المراقبين سابقة في دنيا الدبلوماسية والسياسة… مع صعود جورج بوش الابن (ولا نقول الصغير حتى لا نحسب من أزلام نظام الراحل صدام حسين) في يناير 2001 تطورت العلاقات وزار بوتفليقة واشنطن مرتين متتاليتين في عام واحد، الأولى في يوليو والثانية بعدها في ديسمبر من عام 2001، والتطور الإيجابي في العلاقات جاء بسبب عاملين رئيسيين صارا يحكمان الإستراتيجية الأمريكية في الخارج وخاصة بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي، وهو النفط الذي ينضوي تحت قبة في دائرة حماية الإقتصاد، والإرهاب يصب في دائرة صارت مهمة وهي الأمن الأمريكي، فالرئيس الأمريكي جورج بوش تربطه علاقات كبيرة مع كبرى شركات النفط منذ أن كان حاكما لتكساس، فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر شركة أنداركو ومركزها في هيوستن قامت بإستثمارات كبيرة في الجزائر وإكتشفت حقول نفط جديدة (12 حقلا منذ 1991 بـ 2,8 مليار برميل حسب آخر حصيلة).
وظلت الأسباب الرئيسية التي وقفت عائقا في وجه العلاقات الأمريكية الجزائرية يمكن إجمالها في عناصر ثلاث رئيسية:
– النزاع العربي الإسرائيلي والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
– قضية الصحراء الغربية والدعم الأمريكي للمغرب.
– قضية حقوق الإنسان والدعم الأمريكي للمعارضة والمنظمات الحقوقية المنتقدة للنظام الجزائري.
على كل وبالنظر في مسيرة العلاقات الجزائرية الأمريكية نجد أنه يحكمها الهاجس الأمني من خلال الجماعات المسلحة التي تهدد المنطقة حسب المزاعم الإستخباراتية الأمريكية، والهاجس الإقتصادي من خلال السيطرة على النفط ومنابعه، أما الجانب الإستراتيجي فالجزائر تعتبر بوابة إفريقيا وهي من دول حوض المتوسط التي تنفتح حدودها البحرية مباشرة على أوروبا وهذا يدفع إستغلال الشأن الجزائري من أجل إجبار الدول الأوروبية على الإنضواء تحت لواء الولايات المتحدة التي تعلن الحرب على العالم وتصنفه بين محورين أكثرهم محور شر إن لم يكن نظامه، فشعبه الذي ينام على مخزون "إرهابي" يهدد الشعب الأمريكي !! .