بلعيد عبد السلام ومن خلال ما قاله بالإمكان استقراء الكثير من الأشياء التي ترد عليه كشخص مارس السلطات القمعية شأنه شأن الذين يشهر بهم اليوم عبر سطور قال أنها ليست بمذكرات، ومن بين هذه الأشياء أنه قال” وقع في بلادنا انقلاب سياسي حقيقي حتى وإن لم يعترف به مدبروه كي يمكنهم التهرب من المسؤولية ومن الاضطرار إلى الاضطلاع بمهام تسيير شؤون البلاد”، فماذا يعني هذا كله أم أن رئيس الحكومة الأسبق لم يكن يعلم أن من نصبوه رئيسا للحكومة بالتشاور معه في ذلك الوقت قد قاموا بانقلاب على الشرعية الدستورية، ودمروا البلاد باسم الحفاظ على الطابع الجمهوري، وما الفرق صراحة بين ما تفطن إليه صاحب نظرية “اقتصاد الحرب” كما يدعي في هذه الخربشات وما كانت الطبقة السياسية المحترمة تقوله من مثل عبد الحميد مهري، وحسين آيت أحمد ، كذلك أين يكمن الفرق بين ما يروج له اليوم بلعيد عبد السلام وما قاله عبد القادر حشاني رحمه الله عقب إلغاء الانتخابات التشريعية في 11 يناير 1992 وإرغام الشاذلي بن جديد على الرحيل بعد حل البرلمان، وما الفرق بين هذه الحقائق المتأخرة وبين ما قالته قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأغلب الناس عن إلغاء الدستور”في الواقع، مواصلة العمل بالدستور من الناحية الشكلية على الرغم من تجاهله في الميدان إلى حد إبطال العمل به تقريبا كان عبارة عن مراوغات سياسية وقانونية استطاع بفضلها الجنرال تواتي ومن وثق فيه التهرب من مسؤولياتهم بل، وبعبارة أكثر صراحة، إقامة نظام قائم على اللامسؤولية. هذا هو السبب الذي يسمح لمدبري عملية جانفي 1992 بمواصلة القول إن الرئيس الشاذلي استقال بعد حله للمجلس الوطني الشعبي وأن هذا الرئيس ترك لهم البلاد أمام فراغ دستوري كان عليهم أن يسدوه من خلال تأسيس المجلس الأعلى للدولة من طرف المجلس الأعلى للأمن بعدما رفض المجلس الدستوري الدخول في تلك اللعبة التي لم تخف على أحد. الاعتراف بإجبار الرئيس الشاذلي على الاستقالة إنما هو إقرار أن الرئيس لم يستقل ولم يتسبب في فراغ دستوري وإنما تم خيار اللجوء إلى هذا الحل بالقوة، أي إلى انقلاب في نهاية الأمر. فلو اعترف مدبرو عملية جانفي 1992 بالأمور كما وقعت فعلا لاضطروا إلى الإقرار بمسؤولية الانقلاب الذي قاموا به ومن ثمة إلى الاضطلاع صراحة بمسؤولية تسيير شؤون البلاد. لم يكن الحل الذي لجأوا إليه سوى تهربا من المسؤولية مثلما يتهرب المنافق. هكذا، استطاعوا أن يحمِّلوا الوزر كله للمجلس الأعلى للدولة الذي أرادوه لهذه الغاية بالذات وباركوه بتنصيب شخصية تاريخية في ثورتنا على رأسه. الفراغ الدستوري الذي اختلقه هؤلاء تقرر في كنف السرية والتجاهل لتلك الأحكام الدستورية التي تنص على حالات حل المجلس الشعبي الوطني”.
هذا الكلام لو قاله بلعيد عبد السلام في أوانه لاعتبرناه شجاعة لا نظير لها، ولعد الرجل في أعين الكثيرين بطلا ولنال شرف الأولين والآخرين، أما والمسألة برمتها تتعلق بغصة رافقته منذ 1993 فهذا لا يعني إلا شيئا واحدا أن الرجل يريد تصفية حسابات قديمة لحساب جهات موجودة في السلطة حاليا، لأنه من غير الممكن مهما تذرع بأسباب صحية كما يقول أن يتأخر الرد على الجنرال محمد تواتي مدة تزيد عن ست سنوات.
عندما يقول بلعيد عبد السلام”أحمد الله على أنني خرجت بشرف من تجربتي كرئيس حكومة بعد سنة ونيف، تاركا للجنرال تواتي ومن تبعه من المتملقين والطامعين التبختر في وحل ما فرضوه على البلد” فإننا يجب أن نضع عدة علامات استفهام حول هذا القول من باب أن الرجل نفسه من خلال هذه المذكرات أنه لم يناقشهم في قبول مهمة رئاسة الحكومة خصوصا وأنه قال للجنرال خالد نزار عن نفسه أنه يستطيع التكيف مع الوضع الجديد، أي بعبارة أدق بلعيد عبد السلام يستطيع التكيف مع وضع الانقلاب على خيار الشعب والإبقاء على الآلاف من الأبرياء -سوى أنهم انتخبوا على مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ -في المحتشدات في الصحراء الكبرى، ومن يرجع بذاكرته للوراء فقط يجد أن نفس هذا الرجل- بلعيد عبد السلام- كان وراء قانون الإرهاب الذي حاكم الآلاف من الناس خارج المحاكم الرسمية، ونفس الرجل الذي سن قانونا يمنع الرموز الأصولية-كما يسميها النظام العسكري الذي يتحدث عنه بسوء اليوم- من عدم إطلاق اللحى بالنسبة للرجال، وارتداء الحجاب الشرعي بالنسبة للنساء في المؤسسات العمومية.
وإذا كان بلعيد عبد السلام لم يحاول مناقشة السلطة الفعلية حول خياراته التي يدافع عنها اليوم باستماتة كبيرة ، بحكم أنه الرجل المنقذ حسب ما ذكره الجنرال خالد نزار في مذكراته الذي كان معجبا أيما إعجاب بما كان يدعو إليه بلعيد عبد السلام حول نظرية “اقتصاد الحرب”، ومادام الجزائر دخلت مرحلة الحرب بين أبناء الوطن الواحد، فكيف يناقشهم اليوم بعد أن ضيعت الجزائر أزهى فتراتها، ومن أنقى خيرة أبنائها.
فهل يستطيع بلعيد عبد السلام اليوم أن يقول لنا هل كان في غيبوبة عندما وافق على رئاسة الحكومة بحيث أن الذين عينوه أصحاب القبعة العسكرية -كما قال ذلك بالحرف الواحد- لم يكن يعرف أنهم انقلبوا على الشرعية الدستورية وأدخلوا البلاد في أتون حرب هلكت مستقبل أجيال بأكملها.أم أن مضمون مجمل القول أن الرجل كان يريد فرصة سانحة تجعله يتبوأ منصبا أكبر، لاسيما وأنه ترشح للتشريعيات الملغاة- من قبل واحد منهم وهو الجنرال محمد تواتي- ولم يفلح في أن يفوز بها رغم أنه ترشح في عقر داره بعين الكبيرة بسطيف، ومع أسف شديد بلعيد عبد السلام أصبح رئيسا للحكومة بعد ذلك ومن فاز من حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ذهب للسجن بمعية رفقائه الآخرين.
ونعيد السؤال على رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام : هل هذه المذكرات أو هذا الرد الخاص على مرحلة معينة وفي حق الجنرال محمد تواتي، هي من باب صحوة الضمير أم لغاية في نفس من كان أحد صناع الأزمة الدموية التي هلكتنا جميعا؟!
الأربعاء ,22 أغسطس 2007
المصدر:
تعليق واحد
belaid abdesselem reste grand…
belaid abdesselem est grand…tjr parle de la verité..connu par sa sagesse..iles un homme respectable…un symbole de l’etat algerienne…c’est le pere de l’indutrie algerienne…aucun peut faire ce que belaid abdesselem faire pour algerie…arretez de parler faux de monsieur et notre cher ministre belaid abdesse”lem.