حركة رشاد كبديل
من اليمين إلى اليسار: محمد العربي زيتوت، رشيد مصلي، مراد دهينة أعضاء أمانة حركة رشاد |
ومنذ تأسيس رشاد لم يتوقّف النظام العسكري في الجزائر عن استخدام سياسة العصا والجزرة إزاء مراد دهينة وغيره من أعضاء هذه الحركة. فمن ناحية، يواصل هذا النظام عبر قنواته الدبلوماسية ووسائل الإعلام التابعة له في شنّ حملة تشهير هوجاء ضدّه، من خلال تقديمه أمام السلطات الأوروبية في صورة إرهابي خطير يجب تسليمه إلى الجزائر، ومن جهة أخرى، يقوم ذات النظام من خلال العديد من الوسطاء، من بينهم وزراء وسفراء، بالتلويح بامتيازات كثيرة يعده بها، في حالة “الدخول في الصف”، كما فعل آخرون قبله. ومثلما تحمّل مراد دهينة بصبر وأناة الظروف الصعبة للغاية وشطف العيش، فضلًا عن حملات التشويه، فقد قاوم أيضا هذه المحاولات الرامية إلى تحييده وكسبه إلى صفّ النظام، رافضا أيّ تفاوض مع النظام العسكري لا يتمّ بطريقة شفّافة ولا يُشرك الطبقة السياسية برمتها.
جنيف 2009. يوم تسليم جائزة الكرامة للمحامي عبد النور علي يحيى المحاط في هذه الصورة بمراد دهينة وعباس عروة |
وفي عام 2007، عُيّن مراد دهينة مديرًا تنفيذيا لمؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان [60]، وهي منظمة أسّسها مدافعون عرب عن حقوق الإنسان، تركّز جهودها على العالم العربي. وتتولّى الكرامة، التي تعمل مع آليات الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان، والتي أصبحت في غضون بضع سنوات منظمة غير حكومية معترف بها في العالم العربي، الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان دون تمييز: الرجال أو النساء، التيار الإسلامي أو العلماني، السنة أو الشيعة، أو النصارى المضطهدين من قِبل النظام المصري أو اليهود الذين يتعرّضون للاضطهاد في اليمن.
جنيف 2008. الصورة عن اليمين، من اليمين إلى اليسار: عبد الحميد مهري، جمال الدين بن شنوف، أحمد بن محمّد، رشيد معلاوي، مراد دهينة. الصورة عن اليسار: مراد دهينة مع صلاح الدين سيدهم. |
ومنذ عام 2007 ، أي قبل فترة غير قصيرة من انطلاق “الربيع العربي”، دأب مراد دهينة على تنشيط ورش عمل لتعميق التفكير والمناقشة في إطار حركة رشاد، وحرّر مقالات عن الوسائل اللاعنفية التي يتعيّن اعتمادها لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي. وخلال هذه الأنشطة تطرّق إلى مختلف التعاريف المتاحة لمفهوم اللاعنف، كما شمل في نقاشته تطوّر مسار النضال اللاعنفي عبر التاريخ وشتى التجارب في هذا المجال، سواء تلك التي تكلّلت بالنجاح أو التي منيت بالفشل في تحقيق أهدافها، كما تطرّق لموضوع التغيير السياسي اللاعنفي في العالم [63]. إنّ المسألة تُعتبر واضحة بالنسبة لرشاد، فاللاعنف ليس ضربًا من ضروب الخضوع، أو التهرب من المسؤولية، أو تقديم التنازلات سبيلا لتسوية ما للنزاع، بل هو شكل من أشكال النضال الذي يهدف إلى ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية لتحقيق هدف التغيير. وهو بذلك يشكّل من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية أكثر السبل فعالية لإحداث التغيير السياسي الجذري.
قد يحدّد النضال اللاعنفي لنفسه أهدافًا لتغيير معتدل أو الاكتفاء بإدخال إصلاحات محدّدة، كما أنّ هذا النوع من النضال قد يستهدف إحداث تغيير جوهري في النظام المفروض عنوة. وهذا النوع من النضال يفرض التزاما من جانب كل من يخوضه بعدم استخدام العنف مع العلم أنه من المرجح أن يتعرّض هو لعنف السلطة التي يناهضها، ومن ثمّ فالمطلوب منه التحلّي بالصبر والانضباط، والقدرة العالية على مقاومة الرغبة في مواجهة القمع. كما أنّ اللاعنف لا يتطلّب بالضرورة وجود قائد له كاريسما أو قديسين أو أشخاص استثنائيين، فقد ثبتت هذه الحقيقة ميدانيا، حيث تمكّن مواطنون عاديون أثناء “الربيع العربي” من خوض مثل هذا النضال بنجاح وفعالية.
ومنذ نشأتها تنظر الحركة إلى “تلفزيون رشاد” باعتباره وسيلة من وسائل الإعلام البديلة الكفيلة “بتوفير فضاء نقاش للجزائريين”، و”منح المحرومين من التعبير عن أنفسهم، فرصة لإسماع أصواتهم”، وإبراز “تنوّع الثقافات والآراء في المجتمع الجزائري”، و”تشجيع التغيير السياسي بالطرق اللاعنفية”، و”تعزيز الحكم الرشيد” و”المساهمة في تحقيق مصالحة حقيقية تلبّي واجب الحقيقة والعدالة والذاكرة والتسامح”. وتنصّ مدوّنة قواعد السلوك المعتمدة لدى “تلفزيون رشاد” على تمثيل كافة المواقف بما في ذلك مواقف النظام من خلال الناطقين باسمه، وتطبيقا لهذا المبدأ تمّ توجيه الدعوة إلى مسؤولي الدولة الذين شاركوا في انقلاب يناير 1992 للتعبير عن مواقفهم.