بحثا عن تسوية للأزمة

لم تفلح كافة الضغوط النفسية الممارسة من قِبل مغتصبي السلطة في الجزائر إلا في تعزيز إرادة مراد دهينة وعزمه، كما أنها لم تستطع حرف اهتمامه، والمساس بقدرته على الاحتفاظ برؤية واقعية ومتوازنة للخروج من المأزق الذي تتخبّط فيه الجزائر. وقد كانت له مساهمة كبيرة في صياغة موقف الجبهة الإسلامية للإنقاذ في النقاشات التي أدّت إلى التوقيع في روما في يناير/كانون الثاني 1995، من طرف القوى السياسية الجزائرية، على “أرضية من أجل حلّ سياسي سلمي للأزمة الجزائرية”، تُعرف باسم “العقد الوطني” أو “عقد روما” [44]. ونصّت الأرضية على مبادئ رفض العنف كوسيلة للوصول إلى الحكم والبقاء فيه، ورقابة المدني على الجيش والتعدّدية الحزبية والتناوب السياسي واحترام وتعزيز حقوق الإنسان، وضمان الحريات الأساسية والإسلام والعروبة والأمازيغية كعناصر تكوينية للشخصية الجزائرية [45].

في أكتوبر/تشرين الأول 1997، أصبح مراد دهينة المتحدّث باسم المجلس التنسيقي للجبهة الإسلامية للإنقاذ. وفي 11 يناير/كانون الثاني 1999 قام هذا المجلس بنشر “بيان من الجبهة الإسلامية للإنقاذ من أجل العدالة والسلم في الجزائر” [46]، يرسم فيه الخطوط العريضة لرؤية شاملة من أجل استعادة السلم والعدالة”، بالإضافة إلى اقتراح الإصلاحات السياسية اللازمة التي ينبغي إدراجها، خاصة فيما يتعلّق بطبيعة العلاقات بين المدنيين والعسكريين، من أجل ضمان الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للجزائريين [47].

وإذا كان هذا البيان يتحدّث عن الحقوق، فإنّ مراد دهينة كان يفكّر قبل ذلك في الواجبات، معتقدًا أنّ الموارد والفرص التي منحها إياه الله تفرض عليه في واقع الأمر تحمّل أعباء المسؤولية. ومن هذا المنطلق تفرّغ كلّيًا للمساهمة الفعلية في جميع المبادرات الرامية إلى مدّ الجسور وتبادل الرأي والتعاون بين المثقفين والسياسيين الجزائريين، خاصة في ضوء ما يعتري هذه الفئة من المواطنين من تشرذم قائم على الخلافات الأيديولوجية أو السياسية أو بدافع الخوف أو الطموح الشخصي.

من اليمين إلى اليسار: عبد الحميد براهيمي، عبد النور علي يحيى، مراد دهينة ومحمد حربي

وفي يونيو/حزيران 2000، شارك مراد دهينة في الندوة التي جمعت شخصيات سياسية جزائرية تحت عنوان “الأبعاد الحقيقية للأزمة الجزائرية”، كما شارك في توقيع “إعلان جنيف” [48] من أجل تسوية النزاع الجزائري، الذي يدعو إلى التخلي عن “التعددية الظاهرية وتجريم الخصم” و”الإدارة البوليسية والزبائنية للحقل السياسي”، وإلى “حوار بين الجزائريين” وإلى “إرساء أسس مصالحة وطنية حقيقية (…) تلتزم بواجب الحفاظ على الذاكرة وبواجب الحقيقة والعدل”. وللخروج من الأزمة، يدعو الإعلان إلى توافق وطني “حول أربعة مبادئ كبرى غير قابلة للتفاوض وهي احترام التناوب الانتخابي وحرية الصحافة واستقلالية القضاء والمساواة الكاملة والفعلية بين المواطنين أمام القانون ودون أيّ تمييز”.

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version