إرث العائلة
وُلد مراد دهينة عشية الاستقلال، يوم 6 أغسطس/آب 1961، في مدينة البليدة، وهو الابن الخامس في عائلة تتألّف من خمس شقيقات وأربعة أشقاء. وينحدر مراد دهينة من عائلة عريقة معروفة في مدينة الأغواط، التي تقع عند بوابة الصحراء الجزائرية، وهي ذات تاريخ زاخر، جذورها ضاربة في القِدم، حيث تركت بصمات عميقة في مجال القيَم الروحانية، وكذا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، فضلا عن حيويتها الفكرية [1].
عندما وُلِد مراد كان والده محمد دهينة رهن الاحتجاز في البليدة، وجاء هذا الاعتقال بعد سلسلة من عمليات الحجز الإداري في معسكرات الاعتقال بكل من عين وسّارة، وبوسوي(Bossuet) في سيدي بلعباس، ثمّ أركول في أرزيو، وذلك بعد توقيفه في أعقاب الإضراب الوطني ليوم 28 يناير/كانون الثاني 1957، قُبيل عرض ملف القضية الجزائرية أمام منظمة الأمم المتحدة. وكان محمد دهينة، المولود في 28 فبراير/شباط 1920 بالأغواط، والمتوفى في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2000، مناضلا وطنيا ضمن الكوكبة التي التحقت بمجال النضال منذ ساعاته الأولى.
كان محمد دهينة يقوم بصفته أمين مكتب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في الأغواط، الحزب السياسي الذي كان يترأّسه فرحات عباس، بتحرير المقالات والنشاط في مجال التوعية بخصوص القضية الوطنية، كما كان ينشط رفقة محمد بن سالم في المجال السياسي من أجل استقلال الجزائر. وبعد شهرين من إعلان 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، دخلت الأغواط في الكفاح المسلّح، وساهم حينئذ محمد دهينة، الذي انضم إلى جبهة التحرير الوطني، في هيكلة النواة الأولى للمجاهدين في المنطقة، التي سرعان ما اتسع نطاقها لتشكّل مجموعات من المجاهدين في جبل “قعدة” في سلسلة جبل العمور (آفلو) [2].
وقد سبّبت له نشاطاته الثورية في الولاية السادسة المطاردة من قِبل الجيش الاستعماري والاستهداف من طرف الميليشيات المسلحة التابعة لبلونيس، التي كانت تعمل تحت إشراف وتأطير الجيش الفرنسي [3]. أمّا ابن عمّه الطاهر دهينة فقد سقط شهيدًا في ميدان الشرف.
الصورة عن اليمين: أعضاء من الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، من المنتخبين محليًا في الأغواط عام 1947، يقف محمد دهينة الذي يضع على رأسه طربوشًا، ثانيًا عن اليمين. الصورة عن اليسار: محمد دهينة رفقة العقيد محمد شعباني، يوم الاستقلال بالأغواط. |
عند استقلال الجزائر عُيّن محمد دهينة أول رئيس دائرة في الأغواط ثم رئيس دائرة توﭬرت، ثم مكلّفًا بمهمة في المدية، عقابًا له من الرئيس أحمد بن بلا بسبب صداقته ودعمه للعقيد شعباني. وانتهت هذه العقوبة في أغسطس/آب 1965 [4]، وعُيّن لاحقًا أمينًا عامًا في ولاية الأصنام (الشلف حاليًا) ثم في ورقلة حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971 [5]، ليتمّ بعد ذلك تعينه أمينًا عامًا لولاية باتنة، المنصب الذي ظلّ يشغله إلى غاية تقاعده عن العمل.
محمد دهينة هو النجل الثاني لعبد القادر دهينة، أحد المعلمين المحليين الأوائل، من خريجي مدرسة تكوين الأساتذة في الجزائر العاصمة-بوزريعة، سنة 1896. ورغم نبوغه فقد رفض مواصلة دراسته لكي لا يضطر إلى التجنيس [6]. كما أن لعبد القادر دهينة نجلين آخرين، من المثقفين المتفوّقين، وهما:
عطاالله دهينة، المدير السابق للتعليم في ولاية الأغواط، حاصل على دكتوراه في التاريخ من جامعة باريس، وسبق له أن درّس في معهد التاريخ بجامعة الجزائر الذي تولّى أيضًا إدارته، فضلًا عن نشره للعديد من الكتب والمقالات [7].
من اليمين إلى اليسار: محمد وعمار وعطاالله دهينة |
ترعرع إذن مراد دهينة في ظلال هذه البيئة الروحية والفكرية المفعمة بالروح الوطنية، وتولّى عمّه الأكبر، عمار دهينة، تربيته وتعليمه بشكل أساسي، في بيته بالبليدة حيث كان يقيم، وإلى عمّه عمار يعود فضل استنهاض ملكاته الفكرية وتحفيز حب الاستطلاع لديه، في الوقت الذي اضطلع والده بمهمّة غرس الشعور بالمسؤولية وبذور الشجاعة في نفسه.