التصعيد الأمني الذي انتهجه ولد عبد العزيز منذ يوم الثلاثاء الماضي، كان هجوما دفاعيا جبانا لا ينم إلا عن ضعف النظام وعجزه عن مواجهة أيّ ظرف صعب، هو أكثر من يدفع إليه اليوم بأساليبه الاستفزازية وضيق أفق نظرته وقصر نفس أجهزته الواشي بحتمية سرعة انهيارها إذا ما تطوّرت الأمور إلى مستوى أكبر، لم يعد هناك بد من ركوب الجميع موجاته الغاضبة: لقد أفلس نظام ولد عبد العزيز بسبب النهب الأعمى المتواصل من جهة وسوء التسيير من أخرى وغياب الكفاءات القادرة على البحث عن حلول من جهة ثالثة، في وقت يتحول فيه العالم من أزمة اقتصادية خانقة إلى تداعيات أخطاء قرن كامل من الاستباحة، لم تكن في أيّ حسبان.

إنّ اتصالات ولد عبد العزيز المتتالية على المعتوه القذافي والشد على أياديه الملطخة بدماء أطفال ونساء وشيوخ الشعب الليبي البطل، هي أكثر ما يؤكد أنّ ولد عبد العزيز يدرك جيدا أنه راحل لا محالة، حتى لو كان يأمل مثل بقية الأحكام العربية المرتعشة أن يستطيع القذافي إبادة الشعب الليبي عن بكرة أبيه لإعادة الأمل في إمكانية الوقوف في وجه هذه الثورات العربية المباغتة التي أجهضت كل الفرضيات الأمنية وقلبت كل الموازين.

لكن مشكلة ولد عبد العزيز أكبر وأخطر من كل الأحكام العربية لأنه لن يستطيع حتى من دون انتفاضة شعبية أن يدفع رواتب عمال الدولة خلال الشهرين القادمين، فما بالكم إذا أصبح عليه أن يدخل حالة طوارئ مفتوحة الفاتورة؟

ويقوم ولد عبد العزيز اليوم، لمواجهة هذه الوضعية الصعبة، بانتهاج سياسة الأرض المحروقة في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع بأيّ ثمن.

ولأنّ الكوادر الأكفاء لا يقبلون أن ينتحروا في السياسات المغامرة، يقوم ولد عبد العزيز بتعيين جهلاء يبحثون عن أي فرصة، على القطاعات المدرة للعملات الصعبة لتدارك وضع فات أوانه، مثل تعيين المدير الجديد لشركة المعادن (اسنيم) الذي سبق له أن عمل بها كرئيس مصلحة قبل طرده منها من قبل مديرها العام (ممثلها في فرنسا اليوم) بسبب سرقة ستة براميل من البنزين، لأنّ مثل هؤلاء هم من لهم الاستعداد الكامل لتنفيذ أوامر ولد عبد العزيز مهما كانت مخالفة للأعراف والقوانين.

وسيرا في سياسة الأرض المحروقة، قام ولد عبد العزيز ببيع ساحة “بلوكات”  ليحصل هو على بعض المال ويحصل أقرب مقربيه على ما لم يحلم به لا حتى أقارب ولد الطائع الذين ملكهم كل شيء؟

وفي خطوة أغرب من هذا كله ، لم يتكلم عنها الإعلام بعد، قام نظام ولد عبد العزيز قبل أسبوع ببيع المقر الرئيسي للخطوط الجوية الموريتانية (قرب المفوضية المركزية) وأمر ولد الغيلاني المفوض المكلف بالتصفية بعدم تسديد حقوق العمال المتأخرة على الشركة من هذا المبلغ رغم أنهم الأحق به.

وعلينا هنا أن نذكر بأن جرائم النظام لا تختلف في شيء عن جرائم من يقومون بشراء ممتلكات الشعب في هذا المزاد العلني المفتوح وسيكون الجميع على موعد حتمي مع لحظة محاسبة لن يكون تبرير سوء النوايا أخف بنودها.

ومن الواضح أنّ ولد عبد العزيز يقوم بالتصعيد في الشارع اليوم للتغطية على سياسة “وانطير” التي رمى بكل شيء في سوقها لاستنزاف ما في البلد من نقود تحسّبا لأحد موقفين صعبين سيصبان في نفس النتيجة: المواجهة (المحتملة) أو الهروب (الحتمي).

وبعد ما لاحظ ركود الحالة الاقتصادية المتهاوية، عاد ولد عبد العزيز في قرار منع استجلاب السيارات المستعملة لاستدرار خزينة الضرائب المستنزفة.

وتأتي زيادة أسعار المحروقات الأخيرة في إطار عملية الاستفزاز التي يحاول ولد عبد العزيز جر الشارع فيها إلى المواجهة قبل سقوط القذافي الذي سيكون بمثابة نهاية كل حكم ينتفض شارعه ليوم واحد.

ولن يستطيع ولد عبد العزيز جر الشارع إلى المعركة في وقت يخدمه ولن تستريح قوات أمنه لأنها لن تعرف لحظة الصفر في أجندة المتظاهرين الذين أصبح باستطاعة مجموعات “الفيس بوك” تحريكهم في ساعات وهو إنجاز عظيم لم يكن ليخطر على بال. وستظل المظاهرات متواصلة قبل انطلاقة العصيان المدني المفتوح الذي لن يعرف ولد عبد العزيز كيف يواجهه ولا كيف يهرب منه..

ولست ممن يستعطفون أجهزة الأمن الموريتانية المتغطرسة ولا ممن يأملون فيها خيرا  ولا أميل إلى إكبار شأنها انطلاقا من تاريخها الأسود واحتقارها المستمر لهذا الشعب بنفس الأسلوب الذي وجدت عليه المستعمر الذي ولدت في أحضانه، لكننا لن نتجاوز واجبنا في تذكيرها بالمهمة المقدسة التي وجدت من أجلها، المتلخصة في حماية الشعب وتأمين ممتلكاته، لا حماية عصابات تفترسه وتنهب خيراته.

ستكون جمعة الغضب الثالثة (اليوم) بداية نهاية نظام ولد عبد العزيز إن شاء الله، ورسالة قوية إلى كل من يقفون بصفه من مدنيين وعسكريين، ممن يملكون أبسط مقدرة على الاستنتاج لمراجعة مواقفهم الخاطئة المخطئة قبل فوات الأوان.

ولن يخيفنا ولد عبد العزيز من إخواننا “لحراطين” ولا الزنوج كما يحاول من خلال حملة واسعة بين صفوف العرب منذ عدة أسابيع لأننا نحاول من خلال هذه الانتفاضة المباركة تقوية لحمتنا عن طريق وعي الجميع بضرورة التماسك والتآزر في مواجهة المخاطر التي تهدد سلمنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية. ليست لنا أيّ مشاكل مع إخواننا إلا ما تفرضه هذه الأنظمة السخيفة التي تعيش على سياسة “فرق تسد” والتي تطحن بلادنا منذ نصف قرن من خلال تقوية عضلات القبلية والجهوية والفئوية الممقوتة من جميع طلائعنا.

إنّ هذه الثورة هي القادرة وحدها على إصلاح ما أفسدته هذه الأنظمة الأنانية الحقيرة التي ردت شعبنا عدة قرون إلى الوراء بتفقيره الممنهج وتجهيله المتعمد ونفث السموم بين مكوناته المسالمة والوقوف في وجه تماسكه من خلال حماية كل المفاهيم والممارسات الخاطئة والمشينة حتى تظل صراعاتنا الداخلية أهم وسيلة للتحكم في مصيرنا لأنه لولى ذلك لمكان باستطاعة 7 رجال ليس من بينهم من جلس يوما واحدا على كرسي في جامعة، أن يحكمونا في أكثر القرون تنويرا وتقدّما.

ويقوم ولد عبد العزيز اليوم بإحياء سنة خبيثة سنها معاوية بعد أحداث 1989 حين كلف بعض معاونيه بإنشاء اتحادية للرماية. وهي نقلة متطورة على صعيد التفكير العصاباتي. لتكوين عصابات من القناصة عالية التكوين، بلا عقيدة قتالية لا تملك القدرة الاستقرائية على التمييز بين العدو والصديق. وقد توقف نشاط هذه الكتائب عالية التدريب (غير المنظمة) بعد سقوط معاوية الذي كان يغدق عليها بالعطايا والمساعدات المعلنة ليعيد ولد عبد العزيز (السائر على خطاه في كل شيء) إليها الحياة والاعتبار قبل أشهر ويخصص لها ميزانية سنوية كإحدى أهم أولويات برنامجه الغامض (المكشوف).

لم يعد هذا زمن يمكن لأمثال ولد عبد عزيز أن يحكموا فيه بلدا محترما وعليه اليوم أن يرحل وعلى المرتبطين به من مرتزقة أن يفهموا أنهم أمام لحظة محاسبة قاسية وعليهم قبل أن يطلبوا الرحمة من الغير، أن يرحموا أنفسهم.

لن نستجديكم لأنّ استجداء الجبان يزيده تماديا وإنما نحذركم كما تفهمون وتستحقون.

سيدي علي بلعمش
18 مارس 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version