ظهرت على الساحة الإعلامية مؤخرا – في الحقيقة منذ سنوات – أقلام علا صوتها وفتحت لها صفحات عديد من الجرائد ومنابر الإعلام المختلفة، أصحاب هذه الأقلام يدّعون وصلا بفكر بن نبي وبعضهم نصّب نفسه وريثا لبن نبي وفكره. بينما المتأمل في كتابات هؤلاء يجد أن قراءتهم لفكر بن نبي مجتزئة ومشوهة وأشبه بمن يكتفي بقراءة مقطع “ولا تقربوا الصلاة” في القرآن الكريم ويبني عليه أحكاما ونظريات. هؤلاء هم في واقع الأمر أقرب لفكر محمد آركون، وبعضهم أو أغلبهم يتبنى فكر الأخير ولا يرى مانعا في المزاوجة بين المدرستين المتناقضتين، مهملين في نفس الوقت المسارين المتناقضين لشخصيتين.

في الحقيقة يمكن تلخيص طريقة تفكير هؤلاء بما ورد في كتاب بن نبي نفسه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” حيث يقول: “إن الحاج الذي ينزل ميناء جدة يتفاجأ ويتملكه السرور عندما ترى عيناه تلك اللافتة المعلقة والمكتوب عليها: ’هيئة الأمر بالمعروف‘، ولكن عندما يتقدم خطوات داخل البلد يبدأ في إدراك الحقيقة التي تبدو إزائها تلك اللافتة مجرد سخرية، إنها فكرة ميتة”.

إن هذه الفكرة تمثل نموذجا لأفكار بن بني التي يتوقف عندها هؤلاء ولكن لو قرأنا الفكرة التي تلي هذه الفقرة مباشرة نجده يقول: “لكن الأسوأ يحدث عندما نبدأ في إعادة بعث عالم الثقافة – المحشو بالأفكار الميتة – بأفكار قاتلة مستوردة من حضارة أخري. فهذه الأفكار التي أضحت قاتلة في محيطها تصبح أكثر فتكا عندما نستأصلها من ذلك المحيط، لأنها تترك بصفة عامة مع جذورها التي لا يمكن نقلها ترياقا يخفف من ضررها في وسطها الأصلي. إنه في ظل شروط كهذه يستورد المجتمع الإسلامي المعاصر أفكاره الحديثة ’التقدمية‘ من الحضارة الغربية”.

أعتقد أن إشكالية هؤلاء “البنابيين” الجدد تكاد تتلخص فيما حذر منه بن نبي نفسه، ولا ندري هل هذا يحدث من هؤلاء عن قصد وإتباع لأهواء معينة ومحاولة لتوظيف فكر الرجل في غير هدفه الأصيل أو عن عدم قدرة على فهم ما جادت به قريحته.

من ناحية أخرى يتم توظيف فكر أركون الذي تنطبق عليه فقرة بن نبي الثانية ويتم تقديمه على أنه دعوة للتجديد والتصحيح الديني، بينما لا يخبرنا هؤلاء ما هو التجديد والتصحيح الذي يدعو إليه الرجل؟ بل هنا أيضا يتوقفون عند “ولا تقربوا الصلاة” ولا يذكرون أن آركون يضع من شروط نهضتنا أن نبحث عن نسخ أخرى للقرآن في البحر الميت وفي الهند واليمن..، نسخ محروسة جيدًا ومقفل عليها بالرتاج.

جمال ضو
24 جانفي 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version