إنّ‮ ‬وحدة‮ ‬الأمّة‮ ‬ـ‮ ‬عِبادا‮ ‬وبلادا‮ ‬ـ‮ ‬لا‮ ‬تتنافى‮ ‬مع‮ ‬كثرة‮ ‬الأطر‮ ‬السياسية‮ ‬التي‮ ‬تتنافس‮ ‬في‮ ‬خدمتها‮.‬

فأين‮ ‬كلام‮ ‬بعض‮ ‬الأوروبيين‮ ‬عن‮ “‬التعددية‮ ‬داخل‮ ‬الوحدة‮” ‬من‮ ‬القرآن‮ ‬المجيد‮ ‬وهو‮ ‬يحَدثنا‮ ‬عن‮ ‬الصراط‮ ‬المستقيم‮ ‬ـ‮ ‬بالمفرد‮ ‬ـ‮ ‬وعن‮ ‬سبل‮ ‬السلام‮ ‬ـ‮ ‬بالجمع؟

وهذا‮ ‬ما‮ ‬لا‮ ‬يريد‮ ‬التسليم‮ ‬به‮ ‬حُماة‮ ‬مُلك‮ ‬سخيّ‮ ‬مع‮ ‬قلم‮ ‬أو‮ ‬ميكروفون‮ ‬المَلق‮.‬

ذلك‮ ‬المُلك‮ ‬لا‮ ‬خير‮ ‬فيه،‮ ‬وهو‮ ‬يصرّ‮ ‬على‮ ‬وحدة‮ ‬‭”‬زريـبَة‮” ‬ـ‮ ‬نعاجها‮ ‬تغبط‮ ‬أغناما‮ ‬سائمة‮ ‬ـ‮ ‬أو‮ ‬هو‮ ‬يمسّك‮ ‬بانسجام‮ “‬معْطنٍ‮” ‬إبِلـُه‮ ‬تحسد‮ ‬نوقاً‮ ‬شاردة‮ ‬جائعة،‮ ‬من‮ ‬العصا‮ ‬سالمة‮!‬

ألا‮ ‬ترى‮ ‬أنّ‮ ‬خدَمه‮ ‬يحرّمون‮ ‬الخروج‮ ‬السلميّ‮ ‬على‮ ‬الحاكم‮ ‬إلا‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬من‮ ‬حمْل‮ ‬الملك‮ ‬عبد‮ ‬العزيز‮ ‬السلاح‮ ‬لقلب‮ ‬سلطة‮ ‬الرّياض‮ ‬انطلاقا‮ ‬من‮ ‬فجر‮ ‬القرن‮ ‬العشرين؟

فمن‮ ‬يصدّق‮ ‬أنّهم‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬أشبه‮ ‬بأصحاب‮ ‬النسيء‮ ‬الذين‮ ‬ينظرون‮ ‬إليه‮ ‬كل‮ ‬عام‮ ‬بعَين‮ ‬مختلفة؟

ثم‮ ‬كيف‮ ‬يطاع‮ ‬شبه‮ ‬وليّ‮ ‬الأمر‮ ‬وهو‮ ‬يتلقى‮ ‬التعليمات‮ ‬الاستراتجية‮ ‬من‮ ‬سيّده‮ ‬الغربيّ‮ ‬الكافر؟

إيه‮! ‬وليّ‮ ‬عالميّ‮ ‬علَى‮ ‬نائب‮ ‬وليّ‮ ‬محليّ،‮ ‬تحته‮ ‬والٍ‮ ‬يقمع،‮ ‬دونه‮ ‬كفيل‮ ‬يصفع‮: ‬ظلمات‮ ‬بعضها‮ ‬فوق‮ ‬بعض‮! ‬فهل‮ ‬إلى‮ ‬خروج‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬الاستعباد‮ ‬المتعدّد‮ ‬من‮ ‬سبيل؟

لا‮ ‬شك‮ ‬أنّ‮ ‬تبعية‮ ‬الأمّة‮ ‬التمدنيّة‮ ‬الحالية‮ ‬قد‮ ‬فرضت‮ ‬على‮ ‬خارطتها‮ ‬الفكرية‮ ‬تعدديّة‮ ‬فيها‮ ‬من‮ ‬السّبل‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬سلاما،‮ ‬ومنها‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬ضلالها‮ ‬يوَرّث‮ ‬عذاباً‮ ‬غراما‮!‬

لم‮ ‬تضِق‮ ‬يوماً‮ ‬شمس‮ ‬الإسلام‮ ‬بشمعة‮ ‬تضيء‮ ‬حولها‮ ‬ضحى‮ ‬أو‮ ‬روَاحا،‮ ‬وهي‮ ‬تكاد‮ ‬تنطفئ‮ ‬ولو‮ ‬لم‮ ‬تقربها‮ ‬ريح‮!‬

‭”‬طلع‮ ‬الصباح‮ ‬فأطفئ‮ ‬القنديلَ‮”!‬

وتفكَّروا‮ ‬في‮ ‬بعض‮ ‬جوانب‮ ‬حكمة‮ ‬إذْنِ‮ ‬الإسلام‮ ‬للنصرانية‮ ‬واليهودية‮ ‬بالتعايش‮ ‬في‮ ‬أمّته‮.‬

فهي‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬سماحة‮ ‬دين‮!‬

إنها‮ ‬الرحمة‮ ‬بأهلهما‮ ‬كي‮ ‬يلتحقا‮ ‬ـ‮ ‬في‮ ‬الميدان‮ ‬ـ‮ ‬بسراجه‮ ‬المضيء‮ ‬الذي‮ ‬يجذب‮ ‬إليه‮ ‬من‮ ‬شاء‮ ‬الله‮ ‬تعالى‮ ‬أن‮ ‬يُلقي‮ ‬ما‮ ‬في‮ ‬يده‮ ‬من‮ ‬أوْهام‮ ‬زيّنها‮ ‬ضالّ‮ ‬أو‮ ‬شيطان‮!‬

لأجل‮ ‬ذلك،‮ ‬فليطمئن‮ ‬أهل‮ ‬المشروع‮ ‬الطيّب‮ ‬ـ‮ ‬محبّين‮ ‬وحمَلة‮ ‬ـ‮ ‬وهم‮ ‬يشاهدون‮ ‬في‮ ‬سوق‮ ‬المناهج‮ ‬البشريّة‮ ‬ما‮ ‬يسيء‮ ‬إلى‮ ‬الحقّ‮ ‬المبين‮.‬

فقد‮ ‬اتّحد‮ ‬على‮ ‬أصحابها‮ ‬خبث‮ ‬شجرتهم‮ ‬المستوردة‮ ‬مع‮ ‬غربتها‮ ‬في‮ ‬التربة‮ ‬الزكية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تعبأ‮ ‬بها‮ ‬ولا‮ ‬تخشاها‮!‬

و‮ ‬لا‮ ‬تسأل‮ ‬عن‮ ‬أصحاب‮ ‬الأعشاب‮ ‬الطفيلية‮ ‬المهرّبة‮…‬

و‮ ‬اقرأ‮ ‬إن‮ ‬شئتَ،‮ ‬مع‮ ‬سيّد‮ ‬قطب،‮ ‬قوله‮ ‬تعالى‮: “‬و‮ ‬لِتستبينَ‮ ‬سبيل‮ ‬المجْرمين‮”.‬

لم‮ ‬يبالغ‮ ‬كثيرا‮ ‬من‮ ‬قال‮ ‬إنّنا‮ ‬ـ‮ ‬بالحياة‮ ‬ـ‮ ‬نُميت‮ ‬غدا‮ ‬الأحزاب‮ ‬اللائكية‮ ‬ـ‮ ‬سواء‮ ‬الشيوعي‮ ‬البائد‮ ‬منها‮ ‬وَ‮ ‬الليبرالي‮ ‬السائد‮!‬

تعطىَ‮ ‬الحياة‮ ‬كي‮ ‬تتضاءل‮ ‬وتندثر‮ ‬ـ‮ ‬كما‮ ‬قال‮ ‬انجلز‮ ‬عن‮ ‬الدولة‮ ‬ـ‮ ‬فتنتحر‮ ‬حينئذ‮ ‬أو‮ ‬تطلب‮ ‬الموت‮ ‬الرّحيم،‮ ‬إلا‮ ‬أن‮ ‬تلتحق‮ ‬مختارة‮ ‬بخط‮ ‬الأمّة‮ ‬الحضاري‮!‬

لئن‮ ‬نجحت‮ ‬قوى‮ ‬المعارضة‮ ‬بمشرق‮ ‬أو‮ ‬بمغرب‮ ‬في‮ ‬الاتفاق‮ ‬على‮ ‬مواجهة‮ ‬أخطاء‮ ‬وخطايا‮ ‬السلطة‮ ‬الحاكمة،‮ ‬فإنها‮ ‬أحيانا‮ ‬تتذكر‮ ‬فجأة‮ ‬خلافاتها‮ ‬بعد‮ ‬نجاح‮ ‬عملية‮ ‬التغيير‮ ‬الأوّلي‮.‬

ذلك‮ ‬أنّ‮ ‬وقف‮ ‬العوج‮ ‬المؤسساتي‮ ‬يؤجج‮ ‬الانكفاء‮ ‬على‮ ‬الذات‮ ‬فتكون‮ ‬القافلة‮ ‬وقتئذ‮ ‬واحدة‮ ‬بينما‮ ‬تبقى‮ ‬عين‮ ‬كل‮ ‬طرف‮ ‬على‮ “‬بعيره‮”.‬

إنه‮ ‬التدافع‮ ‬الفطري‮ ‬بين‮ ‬الناس‮ ‬ـ‮ ‬عبر‮ ‬الانتخابات‮ ‬ـ‮ ‬كي‮ ‬يُمنع‮ ‬شرّ‮ ‬ويُوسع‮ ‬خير،‮ ‬فمنهم‮ ‬من‮ ‬يكسب‮ ‬رضا‮ ‬الجماهير‮ ‬ومنهم‮ ‬من‮ ‬ينتظر‮.‬

في‮ ‬بلاد‮ ‬الاستقرار‮ ‬والرخاء،‮ ‬يحكم‮ ‬الفريق‮ ‬الفائز‮ ‬باستئثار،‮ ‬ويعارض‮ ‬الجمع‮ ‬الخاسر‮ ‬باقتدار‮.‬

و‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬يسمّيه‮ ‬الأمريكان‮ “‬نظام‮ ‬الغنائم‮” ‬الذي‮ ‬حاول‮ ‬الرئيس‮ ‬الفرنسي‮ ‬السابق‮ ‬الابتعاد‮ ‬المفاجئ‮ ‬عنه‮ ‬عبر‮ ‬عملية‮ ‬انفتاح‮ ‬راح‮ ‬يرشي‮ ‬بها،‮ ‬عام‮ ‬2007،‮ ‬أسماء‮ ‬من‮ ‬الصف‮ ‬الاشتراكي‮ ‬المنهزم‮.‬

أما‮ ‬في‮ ‬الدول‮ ‬المتعـْبة‮ ‬بالأزمات‮ ‬أو‮ ‬التشرذم‮ ‬الانتخابي،‮ ‬فإنّ‮ ‬ذكاء‮ ‬طبقتها‮ ‬السياسية‮ ‬يقودها‮ ‬إلى‮ ‬الائتلاف‮ ‬الحكومي‮.‬

واشهدي‮ ‬بذلك‮ ‬يا‮ ‬إيطاليا‮ ‬وأنتِ‮ ‬تـُقدِمين‮ ‬متأزمة،‮ ‬قبل‮ ‬نحو‮ ‬أربعين‮ ‬سنة،‮ ‬على‮ “‬التوافق‮ ‬التاريخي‮” ‬بين‮ ‬الشيوعيين‮ ‬والحزب‮ ‬الديمقراطي‮ ‬المسيحي‮.‬

فما‮ ‬أجمل‮ “‬تأليف‮ ‬قلوب‮ ‬سياسيّا‮” ‬تجود‮ ‬به‮ ‬أغلبية‮ ‬انتخابية‮ ‬مسْلمة‮ ‬في‮ ‬غير‮ ‬مسخ‮ ‬سياسيّ‮ ‬ـ‮ ‬لا‮ ‬سيما‮ ‬في‮ ‬مرحلة‮ ‬النقاهة‮ ‬المؤسّساتية‮!‬

سمِّه‮ ‬أريحية‮ ‬مسلمين‮! ‬احسبْه‮ ‬تواضعا‮ ‬لله‮ ‬ربّ‮ ‬العالمين‮! ‬سجِّلْه‮ ‬عربون‮ ‬تجديد‮ ‬التآخي‮ ‬بين‮ ‬أشقاء‮ ‬جمعهم‮ ‬الوطن‮ ‬بعد‮ ‬الدّين‮!‬

إنّ‮ ‬هذا‮ ‬لهُوَ‮ ‬بعض‮ ‬ما‮ ‬كان‮ ‬ينقص‮ ‬الشيوعيين‮ ‬ـ‮ ‬أو‮ ‬اليساريين،‮ ‬كما‮ ‬يتنادون‮ ‬اليوم‮ ‬خجَلا‮ ‬ـ‮ ‬أيّام‮ ‬الدّلال‮ ‬السلطوي‮ ‬وهم‮ ‬يضخّمون‮ ‬رموزهم‮ ‬الغريبَة‮ ‬في‮ ‬ربا‮ ‬أخلاقي‮ ‬مقيت‮.‬

و‮ ‬انظر‮ ‬إليهم‮ ‬مثلا‮ ‬كيف‮ ‬منحوا‮ ‬فرانتز‮ ‬فانون‮ ‬الثانوية‮ ‬والمستشفى‮ ‬والجادّة‮ ‬المتباعدة‮ ‬الرصيفيْن‮!‬

صاحب‮ “‬المعذبون‮ ‬في‮ ‬الأرض‮” ‬ـ‮ ‬الذي‮ ‬تُوفي‮ ‬في‮… ‬أمريكا‮ ‬ـ‮ ‬يُوهب‮ ‬شارعا‮ ‬كبيرا‮ ‬في‮ ‬أعالي‮ ‬العاصمة‮ ‬ومليون‮ ‬ونصف‮ ‬مليون‮ ‬شهيد‮ ‬يُعطوْن‮ ‬ـ‮ ‬مَعا‮ ‬ـ‮ ‬شارع‮ ‬الشهداء‮ ‬الضيّق‮!‬

فكم‮ ‬من‮ ‬سنتمتر‮ ‬مربّع‮ ‬لكل‮ ‬واحد‮ ‬منهم؟‮ ‬بل‮ ‬كم‮ ‬من‮ ‬عُشر‮ ‬أو‮ ‬رُبع؟

في‮ ‬عامنا‮ ‬هذا،‮ ‬في‮ ‬شهرنا‮ ‬الفضيل‮ ‬هذا،‮ ‬ومصر‮ ‬تلملم‮ ‬جراحها‮ ‬وتونس‮ ‬المخضرّة‮ ‬تساق‮ ‬إلى‮ ‬صحراء‮ ‬مجتمعية‮ ‬رمالها‮ ‬مكفهرة،‭ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬الهمّ‮ ‬الأكبر‮ ‬متى‮ ‬يصل‮ ‬الكتاب‮ ‬العزيز‮ ‬إلى‮ ‬السلطة‮ ‬بقدر‮ ‬ما‮ ‬انشغلت‮ ‬القلوب‮ ‬بصباح‮ ‬التمكين‮ ‬الرباني‮!‬

أيكون‮ “‬الإخوة‮” ‬وقتها‮ ‬في‮ ‬مستوى‮ ‬عظمة‮ ‬خير‮ ‬مشروع‮ ‬ـ‮ ‬رحمة‮ ‬قلب‮ ‬وسخاء‮ ‬نفس؟

أم‮ ‬إنـّهم‮ ‬يقولون‮: ‬دوننا‮ ‬فرصة‮ ‬التاريخ‮ ‬التي‮ ‬قد‮ ‬لا‮ ‬تعود‮ ‬قريبا‮!‬

إنّ‮ ‬أولى‮ ‬الناس‮ ‬بطمأنة‮ ‬ضعيفٍ‮ ‬سياسيّ‮ ‬أو‮ ‬منكسر‮ ‬انتخابيّ‮ ‬لـَلذين‮ ‬أذاقتهم‮ ‬أحداث‮ ‬الأيام‮ ‬والليالي‮ ‬حرمانَ‮ ‬الصورة‮ ‬والصوت‮ ‬والتهديدَ‮ ‬بالموت‮!‬

ومَن‮ ‬غيركم‮ ‬يا‮ ‬تلاميذ‮ ‬باديس،‮ ‬للأقليّات‮ ‬الفكرية‮ ‬المسالمة،‮ ‬يسمع‮ ‬لها‮ ‬ويبلغها‮ ‬مأمنها؟

فالجزائر‮ ‬ليست‮ ‬لأحد‮ ‬أولادها‮ ‬دون‮ ‬أحد‮!‬

ولا‮ ‬جزائريين‮ ‬فوق‮ ‬العادة‮ ‬إلا‮ ‬الشهداء‮ ‬الأعزاء‮ ‬ـ‮ ‬كما‮ ‬صدع‮ ‬بذلك‮ ‬بعضنا‮ ‬جوّاً‮ ‬في‮ ‬ربيع‮ ‬1999‮!‬

لقد‮ ‬فاضت‮ ‬بركات‮ ‬العوْدة‮ ‬لله‮ ‬تعالى‮ ‬في‮ ‬أوساط‮ ‬الأمّة‮ ‬حتى‮ ‬تجاوزت‮ “‬الصحوة‮” ‬ـ‮ ‬بتديّنها‮ ‬الخام‮ ‬المفرح‮ ‬ـ‮ ‬إطار‮ “‬الحركة‮” ‬ـ‮ ‬ببعدها‮ ‬التنظيمي‮ ‬أو‮ ‬بسَمْتها‮ ‬الالتزامي‮.‬

و‮ ‬هي‮ ‬ملايين‮ ‬على‮ ‬ملايين‮ ‬لا‮ ‬تصبّ‮ ‬اليوم‮ ‬أو‮ ‬غدا‮ ‬إلا‮ ‬في‮ ‬حساب‮ ‬المشروع‮ ‬المرجوّ‮!‬

كأنّ‮ ‬الشعب‮ ‬يصوّت‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬بالجباه‮ ‬الساجدة‮!‬

و‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬زاد‮ ‬الغافلين‮ ‬يأساً‮ ‬من‮ ‬عملية‮ ‬الاقتراع‮!‬

وكل‮ ‬ذلك‮ ‬لمَّا‮ ‬بداية‮ ‬الطريق‮ ‬أو‮ ‬منتصفه‮!‬

لا‮ ‬جرَم‮ ‬أن‮ ‬البرامج‮ ‬المستمدة‮ ‬من‮ ‬الإسلام‮ ‬حظوظها‮ ‬اليوم‮ ‬في‮ ‬التصويت‮ ‬أكبر‮.‬

ولكن‮ ‬الأغلبيّة‮ ‬الانتخابية‮ ‬لا‮ ‬تكفي‮ ‬لسلاسة‮ ‬حُكم‮ ‬ناجع‮ ‬نافع،‮ ‬ما‮ ‬لم‮ ‬يتوَّج‮ ‬أهلها‮ ‬بأكثريّة‮ ‬مجتمعية‮ ‬ـ‮ ‬ناهِيكَ‮ ‬بـِالغالبيّة‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تصل‮ ‬إلى‮ ‬50‮ ‬في‮ ‬المائة‮.‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬تتجاوز‮ ‬التكافؤ‮ ‬في‮ ‬المواطنة‮ ‬إلى‮ ‬المساواة‮ ‬في‮ ‬المؤاممة،‮ ‬حيث‮ ‬يتقدّم‮ ‬العباد‮ ‬على‮ ‬البلاد‮ ‬ـ‮ ‬وفي‮ ‬كلٍّ‮ ‬خير‮.‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تشعر‮ ‬معها‮ ‬منطقة‮ ‬من‮ ‬المناطق‮ ‬ـ‮ ‬ظلما‮ ‬ـ‮ ‬أنها‮ ‬أقلّ‮ ‬إسلاما‮ ‬أو‮ ‬أعرقُ‮ ‬أصلا‮!‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تُضِيع‮ ‬الأغلبية‮ ‬معها‮ ‬وقتها‮ ‬في‮ ‬التموقع‮ ‬أو‮ ‬مواجهة‭ ‬خصوم‮ ‬ما‮ ‬أسهلَ‮ ‬تحييد‮ ‬الكثير‮ ‬منهم‮ ‬بالصدق‮ ‬أو‮ ‬كسْبهم‮ ‬بالودّ‮!‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬يخضع‮ ‬معها‮ ‬الإنسان‮ ‬للنصوص‮ ‬الرسميّة‮ ‬راضياً‮ ‬عابدا‮ ‬أكثر‮ ‬منه‮ ‬مواطنا‮ ‬مضطرّا‮.‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يُظلم‮ ‬فيها‮ ‬صاحب‮ ‬مجد‮ ‬نوفمبريّ‮ ‬ظلّ‮ ‬طاهرا،‮ ‬ولا‮ ‬يُستعدى‮ ‬فيها‮ “‬الآخـَر‮” ‬ما‮ ‬لم‮ ‬يحارب‮ ‬منهاجَ‮ “‬الأوّل‮ ‬والآخِر‮”!‬

الأكثرية‮ ‬المجتمعية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬تعطـَّل‮ ‬معها‮ ‬كفاءات‮ ‬ـ‮ ‬أخلاقا‮ ‬واقتدارا‮ ‬ـ‮ ‬إذ‮ ‬يكون‮ ‬وقتها‮ ‬الأداءُ‮ ‬مقدّما‮ ‬على‮ ‬الولاء‮.‬

فـ‮”‬الإسلامي‮” ‬لا‮ ‬معنى‮ ‬له‮ ‬ما‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الإسلام‮ ‬والأنام‮!‬

الأكثرية المجتمعية التي يظنّ فيها مُدمن الخمر أو الحشيش أنّ علاجه يبدأ لدى الطبيب وينتهي عند بئر زمزم كي ينعكس الإيلاف! فالإسلام الحكيم الرحيم لا تُمضَى أحكامه ـ بشروطها ـ وسط نفايات الأوضاع الجاهلية التي يتطلب تطهيرها سنوات وسنوات.

الأكثرية المجتمعية التي بها تنتظر المرأة المسكينة المكرهة على المعصية القرار الشهم الذي ينقذها ـ تشغيلا أو تزويجا ـ من مسؤول تصابى ومن شيخ ثريّ بالحرام لا يملّ من تلك الأحياء الجامعية ذهاباً وإيابا!

إنّ‮ ‬أهل‮ ‬الإسلام‮ ‬كاملا‮ ‬قد‮ ‬تأقلموا‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬على‮ ‬التعايش‮ ‬المتميّز‮ ‬مع‮ ‬غيرهم‮ ‬من‮ ‬المجموعات‮ ‬التي‮ ‬جعلت‮ ‬القرآن‮ ‬المجيد‮ ‬عِضِين،‮ ‬وهي،‮ ‬يا‮ ‬أسفي،‮ ‬تبعده‮ ‬جزئيّا‮ ‬أو‮ ‬كليّا‮ ‬عن‮ ‬الحياة‮ ‬العموميّة‮.‬

لقد‮ ‬كانت‮ ‬سانت‮ ‬ايجيديو،‮ ‬1995،‮ ‬دليلا‮ ‬على‮ ‬ابتعاد‮ “‬الإخوة‮” ‬عن‮ ‬روح‮ ‬الاستئثار‮ ‬والإقصاء‮.‬

و يشهد كثير من كبار ساسة المعارضة ـ من اللائكي/العلماني إلى الوطنيّ ـ أنّ دعاة الإسلام منهاجَ حياة قد بسطوا إليهم أيديهم بإخلاص بين 2009 و 2010 كي يتعاونوا جميعا، قبل ظهور البوعزيزي، على وقف النيران والعمل على استجلاب التغيير الكليّ السلميّ في آن!

لم‮ ‬يفعل‮ “‬الإسلاميون‮” ‬ذلك‮ ‬بحثا‮ ‬عن‮ ‬تحالف‮ ‬انتخابي‮ ‬أو‮ ‬استئناسا‮ ‬وسط‮ ‬تصحّر‮ ‬دعويّ‮.‬

فقد‮ ‬جاءت‮ ‬المبادرة‮ ‬ـ‮ ‬الجماعية‮ ‬ـ‮ ‬مباشرة‮ ‬بعد‮ ‬مسيرة‮ ‬غزّة‮ ‬المليونية‮ ‬التي‮ ‬حيّرت‮ ‬الكبراء‮ ‬وهي‮ ‬تملأ‮ ‬بقضّها‮ ‬وقضيضها‮ ‬شوارع‮ ‬العاصمة‮!‬

لكن‮ ‬كم‮ ‬من‮ ‬مرّة‮ ‬صاح‮ ‬أحدنا‮ ‬قائلا‮ ‬إنَّ‮ ‬الوَقف‮ ‬منعدم‮ ‬في‮ ‬الانتخابات‮.‬

فمن‮ ‬يصوّت‮ ‬اليوم‮ ‬معك‮ ‬قد‮ ‬ينقلب‮ ‬عليك‮ ‬غدا،‮ ‬ذلك‮ ‬أنّ‮ ‬عموم‮ ‬الناخبين‮ ‬ليسوا‮ ‬عبيدا‮ ‬لدى‮ ‬التيارات‮ ‬ولا‮ ‬أسْرى‮.‬

واليمين‮ ‬واليسار‮ ‬في‮ ‬بلاد‮ ‬الافرنج‮ ‬يدركان‮ ‬ذلك،‮ ‬فلا‮ ‬ينامان‮ ‬على‮ ‬مكتسباتهما‮ ‬في‮ ‬مختلف‮ ‬محطات‮ ‬الاقتراع‮ ‬المتتالية‮.‬

ومن‮ ‬أراد‮ ‬غدا‮ ‬منازلة‮ ‬سياسية‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬فعليه‮ ‬بعدم‮ ‬الاكتفاء‮ ‬بأربعة‮ ‬أو‮ ‬خمسة‮ ‬ملايين‮ ‬ناخب‮ ‬وعددهم‮ ‬الإجمالي‮ ‬يدور‮ ‬حول‮ ‬العشرين‮!‬

أمّا‮ ‬أنتِ‮ ‬يا‮ ‬مصر،‮ ‬فإنّكِ‮ ‬تئنّين‮ ‬تحت‮ ‬عتوّ‮ ‬قائد‮ ‬الانقلابيّين‮ ‬وبطش‮ ‬وزير‮ ‬داخليّته‮ “‬الجزار‮” ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬عيّنهما‮ ‬الرئيس‮ ‬المظلوم‮.‬

غدرة‮ ‬وراء‮ ‬غدرة‮!‬

وتلك‮ ‬نتيجة‮ ‬وضْع‮ ‬الندى‮ ‬في‮ ‬غير‮ ‬موضعه‮!‬

لكن‮ ‬القواعد‮ ‬الإخوانية‮ ‬فوق‮ ‬ذلك‮ ‬بصمودها‮ ‬الذي‮ ‬قلّ‮ ‬نظيره‮ ‬وهي‮ ‬صائمة‮ ‬تحت‮ ‬شمس‮ ‬القاهرة‮ ‬المقهورة‮!‬

فإلى‮ ‬متى‮ ‬والقيادة‮ ‬الثابتة‮ ‬تكلّف‮ ‬الأتباع‮ ‬فوق‮ ‬همّها؟

ألم‮ ‬يكن‮ ‬أمضى‮ ‬زمانا‮ ‬وأجدى‮ ‬سياسة‮ ‬أن‮ ‬تتغيّر‮ ‬استراتجية‮ ‬الحشد‮ ‬المركّز‮ ‬المستمر‮ ‬إلى‮ ‬مليونية‮ ‬مصريّة‮ ‬كل‮ ‬يومين‮ ‬أو‮ ‬ثلاثة،‮ ‬فتستريح‮ ‬الجماهير‮ ‬المرهقة‮ ‬وتتجدد‮ ‬فيها‮ ‬الطاقة‮ “‬ليقضي‮ ‬الله‮ ‬أمرا‮ ‬كان‮ ‬مفعولا”…‬

أحمد بن محمد
30 جويلية 2013

المصدر: يومية الشروق الجزائرية

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version