1— رسالة إلى قداسة البابا بندكت السادس عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

“لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما” (القرآن الكريم، النساء 4: 114)

قداسة البابا،

احتفل المسلمون منذ أيام قليلة برأس السنة التي تؤرخ لهجرة الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كما سيحتفل المسيحيون خلال الأيام القليلة القادمة برأس السنة التي تؤرخ لميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وبهذه المناسبة ندعو الله عز وجل أن يجعل من هذه السنة الجديدة سنة عدل وسلم ورفاهية لأمتينا الإسلامية والمسيحية ولكافة شعوب العالم.

إنّ البشرية التي تمرّ بأزمات متعددة، أخلاقية وسياسية واقتصادية ومالية، تخيّم عليها ضلال قاتمة من القلق وعدم الاطمئنان. وكثيرا ما تُستغل مخاوف الخلق من طرف نخب سياسية ودينية وإعلامية وثقافية لامسؤولة من أجل تحصيل أرباح شخصية ومصالح ضيقة، فتُضخّم هذه المخاوف ويُجسّد الخطر المزعوم في شخص وثقافة ودين الغير. فتشيع بذلك الكراهية وتتفشى الفتنة وينشب النزاع.

وإنّ من واجب الحكماء من كافة الملل العمل على وقاية المجتمع من مثل هذه الآفات التي تهدد البشرية جمعاء، فهي وإن ظهرت في إقليم من الأقاليم فإنها تنتشر حتما في عالم تقلّصت أبعاده، بسرعة الشبكة العنكبوتية والهاتف الخلوي. وإنّ مهمة النخب العاقلة في كل مكان العمل على فض النزاعات حال ظهورها، بالمساهمة في معالجة مسبباتها وتداعياتها.

قداسة البابا،

إنّ المسلمين في أوروبا يتعرّضون في السنوات الأخيرة لاستهداف متصاعد، تُستهان مقدساتهم وتُهاجم معتقداتهم وتُقلّص حرياتهم في ممارسة أو إظهار دينهم. وآخر فصل من مسلسل الاستهداف هذا هو ما جرى منذ شهر في سويسرا من حظر للمآذن بناء على مبادرة شعبية، شُحنت خلالها مشاعر الجماهير السويسرية رهبا وكراهية ضد مواطنيها الذين يدينون بدين الإسلام، من طرف دعاة التفرقة الذين يعملون على زعزعة التماسك والتلاحم الوطني الذي عرفه البلد منذ زمن بعيد. وإنّ هؤلاء الفتانون، في غمرة سَكَرهم بفوزهم الوهمي، يستعدون لجولات أخرى من بث روح الفرقة في المجتمع.

قداسة البابا،

إنّ المسلمين في كافة أنحاء العالم ينتظرون منكم في هذه المناسبة الطيبة رسالة قوية ونداء واضحا إلى أتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في كافة أنحاء العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، لدعوتهم إلى عدم الاستجابة لأصوات الكراهية التي تعمل على جرّهم إلى متاهات الفتن الطائفية ومن أجل حثهم على التحلي بالحكمة ضمانا للعيش المشترك في جو من الوئام. وإنّ نداء كهذا من جانبكم سيُنظر إليه من طرف الشعوب الإسلامية القلقة لما يتعرّض له الأوروبيون ذوي الديانة الإسلامية من أذى، كرسالة تسامح وأخوة.

وفي الأخير نكرر لقداستكم تهانينا بحلول العام الجديد، وندعو الله أن يعينكم على كل خير.

26 ديسمبر 2009

التوقيعات:

— راشد الغنوشي، سياسي ومفكر إسلامي تونسي
— محمد العربي زيتوت، ناشط حقوقي ودبلوماسي جزائري سابق
— عبد الحفيظ الورديغي، مدير مؤسسة التعارف بجنيف
— عباس عروة، مدير مؤسسة قرطبة بجنيف

1 2 3 4 5 6 7 8 9

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version