حولت السلطة الجزائرية مدينة “بريان” – الواقعة على بعد 560 كم من الجزائر العاصمة و40 كم عن مدينة غرداية عاصمة الولاية – وسكانها البالغ عددهم حوالي 35000 ساكن، إلى ما يشبه مختبر تجارب كبير في الهواء الطلق، تجرب وتطبق فيه ما تشاء من خطط واستراتيجيات، دون شفقة أو رحمة والتي ربما ستطبق في مختلف أرجاء الوطن، وهذا كعادة السلطة في تغيير خططها كلما دعت الحاجة للتأقلم مع الأوضاع المحلية والدولية الجديدة، لترسيخ ولضمان استمرارية النظام الدكتاتوري الشامل، في غيا ب شبه تام للقوى أو الشخصيات الوطنية و في غفلة أو تغافل من العالم الخارجي خاصة ما يعرف بالدول الغربية الديمقراطية، فعلى امتداد حوالي 15 شهرا طبقت السلطة وعلى مراحل خطط محكمة وخبيثة، للعودة بسكان بريان – في مرحلة أولى وباقي الجزائريين في المستقبل – إلى ما يشبه حقبة العصور الوسطى وعصور الإقطاع، يفقد المواطن جميع حقوقه وكل حرياته ومن ثم، يتحول فيها المواطن إلى مجرد تابع وكائن غريب،لا يفكر، ذليل، خائف من كل شيء ويشك في أقرب الناس إليه، متنازلا برضائه عن كل حقوقه وجميع حرياته ويصير ليس له من الحقوق إلا ما تريد السلطة أن تسمح به: يأكل، يشرب، وينام ويدخل السجن…

ولكي يفهم الجميع حقيقة ما جرى ويستمر في بريان، ولكي يتحمل الكل مسؤولياته كاملة، هذه بعض الحقائق المرة التي ستدهش من لا يعرف طبيعة النظام الجزائري ووجهه الحقيقي دون ماكياج وأمثاله من النظم الشمولية الدكتاتورية في ما يعرف ببلدان العالم الثالث.

خيوط المؤامرة وتطور الأحداث

1— انتهاز الفرصة المرتقبة: كانت البداية وبمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وبتاريخ 19 مارس 2008 في حوالي الساعة التاسعة ليلا، انطلاقا من نزاع بسيط، بسبب تبادل رمي المفرقعات على مستوى الطريق الوطني رقم واحد الذي يشق مدينة بريان، بين شباب ينتمون إلى أحياء مختلفة، لم تتدخل قوات الأمن لوضع حد لهذا الحادث البسيط، وللعلم فمركز الدرك الوطني لا يبعد بأكثر من 400 متر عن مكان الحادث، بالرغم من طلب المواطنين عدة مرات من رجال الدرك الوطني التدخل في بداية الأحداث، حتى لا تتفاقم الأمور وحتى رئيس بلدية بريان “حجاج نصر الدين” ألح في الطلب، ولكن قوبل طلبهم بالتجاهل ثم بالرفض القاطع… هل جاءت الأوامر صارمة بعدم التدخل؟
2— تعفين الأوضاع: وهذا بعدم تدخل قوات الأمن إلا بعد 8 ساعات من بداية الأحداث، لترك الأمور تتحول وتتطور من نزاع بسيط بين شباب، إلى صراع بين عائلات ثم إلى صراع طائفي ومن رمي للمفرقعات إلى حرق للمحلات ثم المنازل وبعده وكما هو منتظرا سقوط الجرحى ثم الضحايا.

3— استغلال التركيبة البشرية: تتميز مدينة “بريان” ومنطقة واد مزاب بتركيبتها البشرية الخاصة، فمن جهة المزابيين: أمازيغيين إثنيا وإباضيين مذهبيا و من جهة أخرى العرب أتباع المذهب المالكي. وقد استغلت السلطة هذا التنوع لإشعال نار الفتنة الطائفية من حين إلى آخر أي حسب أجندات السلطة:انتخابات، تطبيق قانون أو مرسوم ما…

4— العمل على استمرارية العنف وتغذيته: عمدت السلطة منذ بداية الأحداث إلى إستراتيجية تغذية العنف والعمل على استمراره وهذا بـ:

— الانحياز الواضح لقوات الأمن لطائفة ضد الأخرى كما هو ثابت للعيان في شرائط الفيديو المنتشرة في مختلف المواقع الإلكترونية.
— انتهاج سياسة اللاعقاب: ودائما لصالح نفس الطائفة من طرف السلطة مما شجع أفراد من تلك الطائفة على المبادرة والاستمرار في التعديات ليقينه بوجود سند قوي – السلطة – معه ضد الآخر، تحميه من العقاب مهما فعل من جهة، ومن جهة أخرى تغذية وتقوية الإحساس بالظلم والكره والحقد عند الطرف الآخر، وبالتالي إيصال الطرفين إلى نقطة اللارجوع.
— وكذلك بسحب قوات الأمن من المناطق الساخنة بمجرد هدوء الأوضاع وهذا لإعطاء الفرصة للمتطرفين من الجانبين لإعادة إشعال أعمال العنف الطائفية بأكثر حدة ودموية من ذي قبل.

5— التعتيم الإعلامي: عملت السلطة على ضرب حصار إعلامي على أحداث بريان خاصة عند بدايتها مع خلق جو من الضبابية بالتصريحات المتناقضة للمسؤولين ولم تسمح أبدا لكاميرات العالم من ولوج مدينة بريان، في محاولة لإخفاء حقيقة ما يجري في بريان وخاصة لتنفيذ خططها بكل حرية في المنطقة.

6— الأخبار والتصريحات المتناقضة: كانت التصريحات المتضاربة حينا والمتناقضة أحيانا للمسؤولين في قمة هرم السلطة الميزة الأساسية لأحداث بريان.

ففي بدايتها صرح رئيس الحكومة “عبد العزيز بالخادم “أن المشكلة قد حلت وهي مجرد مشكلة اقتصادية وستوفر الدولة مناصب شغل للبطالين في حاسي الرمل وبأنها ستحارب انتشار المخدرات! بعد ذلك يصرح وزير الداخلية” إن ما يحدث في بريان هي مؤامرة أجنبية (اليد الأجنبية) وبأنه قد تم القبض على أفراد هذه الشبكة !”

وبعد ذلك يأتي دور وزير الشؤون الدينية للحديث عن “الصراع المذهبي بين إباضية ومالكية كسبب أساسي لأحداث بريان!”

وأخيرا قدم الوزير المنتدب “دحو ولد قابلية” آخر ما توصلت إليه عبقرية أجهزته وهو” أن حزب الأفافاس هو المتسبب في أحداث بريان!؟”

هل كل هذه التصريحات المتناقضة المقصودة هي لخلق جو من عدم الفهم وعدم الوضوح؟ أم هي إستراتيجية مدروسة للوصول إلى هدف معين؟

7— تغييب دور المنتخبين والممثلين الحقيقيين للشعب: في عملها الدءوب للسيطرة المطلقة على الأوضاع ولتنفيذ خططها كاملة، وتحت غطاء حالة الطوارئ، عمدت السلطة إلى تغييب دور المنتخبين وإبعادهم تماما عن مصدر القرار ابتداء من رئيس بلدية بريان وأعضاء المجلس البلدي وحتى أعضاء المجلس الشعبي الولائي، مع تجميع كل الصلاحيات في يد المسؤوليين التنفيذيين ، الوالي، رئيس الدائرة والمسؤولين عن الأجهزة الأمنية، ووصل الأمر إلى تدبير و تنفيذ انقلاب على رئيس البلدية ثم تم عزله من منصبه، في خرق صارخ للقوانين خاصة قانون البلدية.

8— إصدار أحكام تعسفية أو غيابية قاسية ضد الناشطين في حقوق الإنسان أو أحزاب المعارضة: تكفل وعمل جهاز العدالة في محكمة بريان وفي مجلس قضاء غرداية على إصدار هذه الأحكام القاسية بالسجن النافذ – بتهم فضفاضة: التحريض! التجمهر… والتي لا تستند على أي دليل أو واقع – على هؤلاء الناشطين وعلى كل من يجرؤ على كشف الممارسات المذكورة أعلاه أو يحاول كسر جدار الصمت و من بينهم بن عبد الله عبد الله، فخار عمر، بطولة توفيق، أولاد داود أحمد. وهذا للتخلص منهم وإبعادهم عن الميدان، ولجعلهم عبرة لكل من يفكر في عدم الرضوخ للأمر الواقع. مما خلق جوا من الخوف والرعب، خاصة مع وجود حالات من الضرب والتعذيب الجسدي لدى بعض الموقوفين لانتزاع الاعترافات أو الوشاية والتبليغ أو إلصاق التهم جزافا بمن تصفهم أجهزة السلطة بالمشوشين.

9— العمل على فرض شخصيات موالية للسلطة كأوصياء على الشعب: في المراحل الأخيرة للأزمة، حوالي شهرين قبل الانتخابات الرئاسية، عمدت السلطة لاختيار ناطقين باسم سكان بريان من الطائفتين وهذا، لتنفيذ خططها ولجعلهم آذان وأعين السلطة داخل المجتمع! ثم لسان السلطة وهذا لتمرير الخطابات المبرمجة والموجهة داخل المساجد ولجان الأحياء وما يسمى بالمجتمع المدني.

كان من نتائج هذه المخططات والمؤامرات التي استمرت على مدى عام ونصف:

1— نجاح سياسة فرق تسد: وهذا بترسيخ الكره والحقد بين الطائفتين لأجيال خصوصا مع سقوط عدد من الضحايا أحدهم رميا بالرصاص ووقع تمثيل بالجثث وكذلك وجود المئات من العائلات المهجرة المنكوبة من الطرفين والتي فقدت كل شيء، والتي تعمدت السلطات المحلية إخفاء وجودها عن أنظار الصحافة!

2- قطع الطريق أمام أي مشروع مستقبلي يجمع أبناء بريان حتى ولو كانوا أبناء طائفة واحدة: وهذا بخلق جو من الرعب وعدم الثقة، فصار الكل يشك في الكل وصارت الوشايات الكاذبة أو التبليغات من أهم وسائل تصفية الحسابات بين افرد المجتمع في بريان، حيث يعيش سكان بريان اليوم ظروفا قاسية، تشبه عصر محاكم التفتيش بالأندلس! مع التأكيد على دور السلطات الأمنية المحلية على تشجيع مثل هذه التصرفات الدنيئة وهذا بإصدار أحكام قاسية بالسجن النافذ ضد مواطنين أبرياء بمجرد التبليغ عن أسمائهم، في محاكمات صورية وبالجملة! في انتهاك صارخ لحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في محاكمة عادلة، أما الحريات وحقوق الإنسان فهي ضرب من الخيال البعيد المنال.

3— نجحت السلطة واستطاعت أن تكبح وتحد من فعالية الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والصحافة المستقلة والشخصيات الوطنية في مثل هذه القضايا الحساسة والمصيرية.

4— تأكد وبما لا يدع مجالا للشك أن الدول الغربية (الديمقراطية) تقدم مصالحها الاقتصادية على حساب المبادئ، الديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة مع الوفرة المالية للدولة الجزائرية.

5— الإحباط التام والدفع بالمواطن – في بريان اليوم وغدا أين؟ – إلى أقصى درجات اليأس والقنوط في إمكانية التغيير السلمي: وهذا بتكريس القناعة بأن، السلطة هي الأقوى، وبأنها اللاعب الوحيد في الميدان وليس هناك أي مجال للمقاومة أو حتى مجرد التفكير في ذلك… ونجحت للعودة بهم إلى جزائر ما قبل 5 أكتوبر 1988، وربما أبعد من ذلك. إلى عهد العصور الوسطى، بما يحمله هذا اليأس القاتل من أخطار على هذا الوطن خاصة مع تردي الظروف الاقتصادية لأغلب المواطنين مع غلاء المعيشة من جهة و من جهة أخرى رعونة القرارات والتصرفات لممثلي السلطة في مختلف المستويات مما يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات ولكل الانزلاقات…

جملة من الأسئلة تطرح نفسها، وتبحث عن جواب من الجميع:

1— هل حقيقة لا تستطيع دولة مثل الجزائر تملك قوات جرارة من الشرطة والدرك الوطني وقوات التدخل السريع والمخبرين السريين الذين تمتلئ بهم المقاهي والشوارع والإدارات والمساجد…. لا تستطيع السيطرة على أوضاع مدينة صحراوية صغيرة مفتوحة، لا توجد فيها غابات أو جبال وعرة؟

2— لماذا كل هذا الجهد وكل هذه المخططات وكل هذه القسوة؟

3— هل كل هذا الدرس القاسي والطويل كان لمعاقبة سكان بريان لتمتعهم بحقهم كمواطنين وهذا بانتخابهم على قوائم تنتمي إلى أحزاب معارضة، في الانتخابات المحلية الأخيرة؟ و كذلك لإرجاعهم لجادة الصواب ولكي يعرفوا أن السلطة هي الكل في الكل تعطي من تشاء وتنزع ممن تشاء، تعاقب من تشاء وتعفوا عمن تشاء، وبأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والاختيار ما هي إلا كلاما موجها للاستهلاك الخارجي ولا يجب الاعتماد عليه، وأنه إذا وقع بعض الفلتان الديمقراطي! في غرداية عاصمة الولاية أو منطقة القبائل أو بعض مدن الشمال، فهذا ليس بالقاعدة بل هو الشاذ الذي لا يجب أن يقاس عليه!!وسيأتي دورهم عن قريب!

4— هل هذه التجربة الناجحة – في نظر السلطة – ستبقى محصورا في مدينة بريان؟ أم ستمتد إلى باقي أرجاء ولاية غرداية ومن بعده إلى كل أنحاء الوطن؟ لكي يكون الدرس كاملا، أين ومتى سيكون الدرس الثاني؟

5— هل بهذه الخطط الجهنمية الدنيئة ضمنت السلطة الحالية بقائها واستمراريتها على المدى الطويل؟ أم على العكس من ذلك هي أوجدت الظروف والتوابل اللازمة لانفجار رهيب يقضي على الأخضر واليابس في جميع أرجاء الوطن؟

6— أين دور الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والطبقة المثقفة و… و… للتأثير على مثل هذه المخططات الخطيرة التي تدمر حياة المواطن الجزائري وترهن مستقبله لأجيال وحتى تهدد بقاء الجزائر واستمرارها كدولة قائمة!
فهل هناك من يجيب؟

فخار كمال الدين
منــاضل من أجــل الديمقــراطيـــة وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان
28 ديسمبر 2009

تعليق واحد

  1. صحراوي رشيد بتاريخ

    يخي جايح و كذاب
    ما تحشمش يا وحد الجايح تكذب … وجهك كي الحلوف يا حلوف

Exit mobile version