الدكتور انور نصرالدين هدام معروف في المشهد السياسي الجزائري، وله حضور في ابرز المنعطفات التي مرت بها بلاده في الآونة الأخيرة… انتخب نائبا بالبرلمان الجزائري في عام 1991، وهي الإنتخابات التي فازت بها حينها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية ساحقة، ولكن أقدم الجيش على الغائها في انقلاب سموه انقاذا للجمهورية، ادخلت البلاد في دوامة عنف وحرب أهلية حصدت آلاف الأرواح وخسائر بالملايير، فبعد سنوات من رئاسته للبعثة البرلمانية لجبهة الإنقاذ في الخارج أسس حركة الحرية والعدالة الإجتماعية، في هذا الحوار المطول والمثير الذي جمعنا به يتحدث الدكتور انور هدام وبصراحة عن كثير من القضايا التي تهم الشعب الجزائري ومواقف حركته منها في هذه المرحلة الحرجة للغاية.

1 تعيش الجزائر على وقع العمليات الانتحارية التي تتبناها القاعدة، فما هو تفسيركم لما يحدث في ظل الرئيس الذي يحمل جهات من دون ذكرها تحاول إعاقة مشروع المصالحة الذي يتبناه؟

أنور هدام: بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، أولا أشكركم على هذا الحوار راجيا لكم التوفيق في خدمة الصالح العام من خلال تعزيز رسالة الإعلام و استقلاليته. أما بالنسبة لسؤالكم، إننا نندد مرة أخرى بمثل هذه الأعمال الإجرامية والتي تطال الكثير من الأبرياء كما نجدد مطلبنا بإيجاد إرادة سياسية وطنية للكشف عن جميع الجرائم التي تُرتكب في حق شعبنا منذ جريمة 11 يناير / جانفي النكراء. و يبقى السؤال مطروحا: لماذا تخاف الجهات الرسمية من الكشف عن مدبري هذه الجرائم؟ و مهما حاولوا من إخفاء للحقيقة، فلا يخفى عن شعبنا من هم المستفيدين منها. مثلا، بالنسبة للعمليات الإجرامية التي استهدفت مقرات الأمم المتحدة وفي هذا الوقت بالذات، من الواضح أن الجهة التي أزعجتها التقارير الأخيرة للأمم المتحدة حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر بالتأكيد لها ضلع في هذه الأعمال الدنيئة والمسيئة لسمعة الدولة و الشعب الجزائري. نحن نعتقد أنه يُراد من خلال هذه العمليات إقحام الجزائر في الحرب التي تقودها الإدارة الأمريكية الحالية على ما يسمى ب "القاعدة" أو الإرهاب و تحويل هكذا مجرمين ارتكبوا جرائم بشعة في حق شعبنا إلى "أبطالا" و “خبراء" لدى مجموعة بوش في حربهم على ما يسمى الإرهاب، الحرب القذرة المخالفة للقانون الدولي. إن "أصحاب القرار" الحقيقيين في الجزائر، و هم بالمناسبة لا شرعية لهم لا شعبيا ولا دستوريا، مصممون على الدفاع عن مصالحهم و مكتسباتهم و لو بمخاطرة استقلالية البلد و مصالح الشعب الإستراتيجية. فالمسألة أخطر من كونها محاولة تعطيل مشروع المصالحة الوطنية.

2 نشرتم بيانا حول الإهتمام الأمريكي المتزايد بالجزائر، وقد ذهبت مصادر مختلفة إلى ربط تواجد القاعدة بما يخططه المحافظون حول القاعدة العسكرية، فهل لكم معلومات دقيقة حول التواجد العسكري الرسمي الأمريكي في الجزائر؟

أنور هدام: نحن نتابع باهتمام كبير الوجود الأمريكي المتزايد في الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية الذي انتقل من مرحلة الاهتمام الاقتصادي عبر الشراكة الثنائية، خاصة في مجال المحروقات، إلى التواجد العسكري والأمني الذي تزامن مع ظهور هذا المصطنع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". بالفعل، لقد أصدرنا مؤخرا بيانا بسم حركة الحرية والعدالة الاجتماعية في المسألة لكن قبل بتعتيم إعلامي رهيب. تم التنبيه في البيان إلى كون أن الاهتمام العسكري للولايات المتحدة في الجزائر قد أخذ شكلا عمليا وهذا بناء على ما وصلنا من شهادات لمواطنين من مناطق الصحراء الجزائرية وهي المعلومات نفسها التي أكدتها الصحافة الدولية، والأمريكية منها بوجه التحديد، عن شبه قواعد عسكرية يزعمون أنها "تدريبية" تم إنشاؤها في الصحراء الجزائرية. والذي يؤكد هذا الوجود المتزايد للأمريكان في الجزائر هو التصريح الأخير لمدير مكتب FBI في الكونغرس الأمريكي، و الذي تناقلته الصحافة الوطنية، حيث قال أن مصالحه بصدد "التحضير" لفتح مكتب في الجزائر في سياق حسب زعمه "لمواجهة التهديدات الإرهابية" في منطقتنا. و وفق المتعارف عليه حول المصطلحات المتعامل بها في هذه الأوساط، عبارة بصدد " التحضير" معناه لقد تم الحصول على الموافقة المبدئية و تم الشروع في تنفيذ المشروع. و مما يزيد الأمر خطورة هو ترحيب وزير الداخلية العقيد زرهوني بهذا الأمر بكل وقاحة وذل وانبطاح مخزي و المبررات الواهية التي قدمها بعد أن تم الكشف عن المشروع. نفس الوزير الذي لا يزال يرفض حتى الحديث عن ضرورة فتح تحقيقات حول الجرائم الذي ترتكب في حق الشعب بدعوى رفض التدخل الأجنبي في شؤون بلدنا! ها هو اليوم و من معه من "أصحاب القرار" يخاطرون بمصالح شعبنا ويراهنون بمستقبل أجياله في يد الأجنبي من أجل البقاء في الحكم و الحفاظ على مكتسباتهم. … إننا في حركة الحرية و العدالة نرى بأن هذا الإهتمام الأمريكي المتزايد في الجزائر ليس بريئا وقد يتطور إلى تهديد أمننا الوطني في صورة ما إذا تمادى وبهذا الشكل، فهو تجاوز واضح للحدود على حساب دولة ذات سيادة دفع شعبها الكثير من أجل استقلاله و سيادته و استقلالية قراره و خياراته. أي محاولة للتمديد من عمر النظام القائم في الجزائر مآلها الفشل و ستعقد الأمور كثيرا لا في الجزائر فحسب و لكن في المنطقة بكلها: إن عامل الاستقرار و السلم الدولي إنما يكمن في الشعوب و دعم حقهم في تقرير مصيرهم.

3 كيف تفسرون نشاطات السفير الأمريكي في الجزائر التي أحدثت ضجة مؤخرا
؟

أنور هدام: من لمضحك هو أن نفس الجهات التي أحدثت هذه الضجة حول لقاءات السفير الأمريكي مع ما يعرف بالمعارضة "الرسمية" بالجزائر هي الجهات نفسها التي تساهم في تزايد الوجود الأمريكي في الجزائر اليوم و تهرول لتلبية طلبات الإدارة الأمريكية الحالية… و كأن هناك تنافس بين الطرفين لكسب ود إدارة بوش والتي للتذكير تعد أيامها الأخيرة… لكن يبقى السؤال مطروحا حول فحوى تلك اللقاءات: هل انحصرت على التعرف على الوضع السياسي في البلد فحسب؟ يصعب علينا التصديق بعدم تطرق السفير الأمريكي معهم إلى مسألة فتح مكتب للـ FBI في الجزائر. هذا أمر خطير و السكوت عنه أخطر. يا ترى كيف تم تسويق هذه المسألة للطبقة السياسية "الرسمية"، حكومة و أحزاب؟ هل يعقل أن ينحصر نشط ال FBI داخل السفارة الأمريكية؟ هل يٌصدق أن يخضع مكتب FBI في الجزائر إلى القضاء الجزائري؟ فالمسألة في منتهى الخطورة… يا أستاذ، إذا كان الاهتمام السياسي والاقتصادي لأي دولة في العالم مشروعا حسب الأعراف الدولية المتعارف عليها في هذا المجال، فإن الاهتمام العسكري وخاصة الجانب الأمني منه هو من صلاحيات كل دولة ذات سيادة تحترم شعبها و أجياله المستقبلية. وعليه، فإننا ندعو مرة أخرى جميع القوى والشخصيات و الصحافة الوطنية إلى والخروج من صمتها المحير حول هذا الموضوع، وتجاوز كل الحسابات الحزبية الضيقة الآنية وتقديم المصلحة العليا للبلاد من خلال العمل الجاد لتعزيز الجبهة الداخلية، ودعوة رئيس الجمهورية إلى: 1– إبلاغ الإدارة الأمريكية عن رفض الجزائر لأي وجود عسكري أو أمني أجنبي مهما كان حجمه و من أي جهة كان ومهما كانت مبرراته. 2– رصد عوائد الموارد الطبيعية من أجل الاستفادة منها وطنيا وجعلها في خدمة التنمية المحلية وتحسين الظروف المعيشية للمواطن، بدل "تخزينها" في المصارف الأمريكية وتعريضها بذلك للتجميد عند أي مستجدات قد تشهدها الساحة السياسية لا ترضي صاحب "الخزينة". 3– تطوير شراكة اقتصادية خاصة في مجال المحروقات مع الدول تكون مبنية على أساس الاحترام والمصلحة المتبادلة دون أن يوصل ذلك إلى رهن مستقبل الأجيال القادمة في التمتع بحقها من هذه الثروة.

1 2 3 4

تعليقان

  1. غير معروف بتاريخ

    سؤال
    نشكر الموقع على هذا الحوار

    سؤال فقط للدكتور انور هدام

    بعدما اسست حركة باسمكم هل تخليتم عن مطالبكم المعروفة بصفتكم رئيس البعثة البرلمانية للخارج؟

    ياريت يجيبني قبل ان يدخل الجزائر ويصوم عن السياسة كما جرى مع رابح كبير.

    • غير معروف بتاريخ

      إلى الأخ ياسين
      أخي ياسين السلام عليكم

      أولا اشكركم على اهتمامكم و على سئالكم

      إنني بإذن الله و عونه على العهد باق و أرجو من الله لنا جميعا الثبات على الحق و العدل.

      و للتوضيح أخي الكريم لم تكن لناداخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ـ على الأقل بالنسبة إلى أخوكم العبد الفقير إلى ربه ـ لم تكن لنا مطالب فحسب بل بل مشروع متكامل نريد تحقيقه… نسئل الله التوفيق لمواصلة العمل على تحقيقه خدمة للصالح العام نريد بتلك الأعمال التقرب إلى الله.

      فكما جاء في جوابي على السئال 12:

      ” …إخوانكم في مدرسة البناء الحضاري الإسلامية في الجزائر، منذ عقود من الزمن و نحن نعمل من أجل تهيئة الظروف الضرورية للانتقال إلى مرحلة تالية عن مرحلة التعريف بالفكر الإسلامية والتعريف بالاقتصاد الإسلامية كمفاهيم، إلى مرحلة التطبيق والممارسة وتنفيذ الخطط التنموية المنبثقة عن قيم الإسلام و مقاصده وعن الرؤية الإسلامية التي تسع عدة اجتهادات متنوعة ومتكاملة في جوهرها. … كما أن التحاق بعض إطاراتنا بصفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اعتمدتها آنذاك مدرستنا كإطار للعمل السياسي العلني، في نفس الفترة، كان من أجل المساهمة في تحقيق ذلك. لكن الظروف العامة في الجزائر آنذاك لم تكن مواتية: فلا الزمرة المستولية على مفاصل الحكم كانت جاهزة للانتقال من مرحلة التغني بالأيديولوجية إلى مرحلة التنافس النزيه على الإنجاز والبناء، … فحولت منافسة سياسية سلمية إلى صراع عسكري دموي كلف البلاد الكثير. و لا بعض فصائل الحركة الإسلامية هي الأخرى كانت في مستوى التحديات، فسقطت فريسة تلك الدوائر و مناوراتها المختلفة … و لذلك نريد في حركة الحرية و العدالة التركيز أولا على السعي الجاد من أجل انعقاد مؤتمر وطني لجميع القوى و الفعاليات الوطنية، في أقرب الآجال و فوق أرض الوطن، للوصول إلى توافق وطني حول ضرورة طي صفحة المواجهة طيا عادلا و إيجاد ميثاق يضمن لجميع أبناء و بنات الشعب التساوي في المواطنة من حيث الحقوق و الواجبات و كذلك التوافق على الالتزام بمجموعة من المصالح الإستراتيجية لبلدنا و شعبنا و الحفاظ عليها مهما كانت الجهة التي تفوز بثقة الشعب في تولي مهام الدولة … أملنا تحقيق ذلك في أقرب الآجال فوحدة الشعب و سلامة أراضيه في خطر حقيقي تحقيق ذلك هي أولويتنا الإستراتيجية.”

      من أجل ذلك أخي الكريم نحن في الحركة نرى من الواجب علينا جميعا السعي لاستعادة حقنا في العودة إلى أرض الوطن بكل حقوقنا المدنية و السياسية لمواصلة الطريق … علينا العمل الجاد pour reoccuper le terrain

      ودعم إخواننا في الداخل الثابتون على الحق و العدل …

      و كما تعلم الثبات على الحق معناه العتراف بالأخطاء و الإقلاع عنها و مواصلة الطريق مهما كلف ذلك: “تعددة الأسباب و الموة واحد…” كما قال الشاعر

      في الختام، ندعو الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و ان يرينا الباطل باطلا و يلهمنا اجتنابه

      و السلام

      أخوكم أنور