13 وقعت أحداث في بريان مؤخرا، وقد أخذت منعطفات عديدة ومختلفة، قيل أنها فتنة مذهبية بين المالكيين والإباضيين، وآخرون يرونها غوغاء بين شباب طائش، ولكن في ظل ذلك تشير مصادر مختلفة أن الفتنة رافقت زيارة لأقدام سود للمنطقة، وفي الوقت نفسه تناقلت وسائل الإعلام المختلفة عن مطالبة "يهود ميزاب" بما يرونه إرثهم، فكيف قرأتم ما جرى في المنطقة؟ وهل من الممكن وجود أطراف أجنبية في اشعال الفتنة بمنطقة ظلت توصف بالهدوء إبان الأعاصير التي مرت بها الجزائر؟

أنور هدام: قد يكون لجهات أجنبية يد في الأحداث أو تريد الاستفادة من الوضع الاجتماعي الهش لتحقيق مآرب لهم… لكن نحمل المسؤولية الكاملة للنظام القائم في البلاد بالحديد و النار و على سياسة "فرق تسد"… الوضع في منتهى الخطورة. نحن نتابع عن كثب التطورات في المنطقة و سائر المناطق الأخرى… الأمس القريب في منطقة الأمازيغ و اليوم في بريان، يا ترى لمن الدور غدا؟ … هذا الذي كنا نحذر منه في التقرير الأول لحركة الحرية والعدالة الذي أصدرناه في سبتمبر الماضي بمناسبة الدخول الاجتماعي، و الذي مما جاء فيه: " … إن المتتبع للوضع العام في الجزائر يشهده بكل وضوح آثار سلبية لسياسة ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة" تقوم بها بعض الدوائر لضمان استمرارية قبضتها على مفاصل الحكم. سياسة خطيرة غير مسئولة أدت إلى أزمة اجتماعية عميقة أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل البلاد و شبكة العلاقات الاجتماعية. و عليه، يستوجب على الجميع التحرك الجاد و المسئول من أجل إيجاد إرادة سياسية وطنية لتصحيح الوضع الذي يزداد تأزما يوما بعد يوم… إن الملفت للانتباه لما آل إليه الوضع الاجتماعي في بلدنا العزيز الجزائر هو الفوضى العارمة السائدة على جميع الأصعدة، إلى درجة أنه أصبحت مع الأسف الشديد من العبارات المتداولة في الشارع الجزائري اليوم هي "طاق على من طاق" و"الدولة غائبة"…. "

الوضع الراهن في الجزائر يدعو إلى القلق: لقد وصلتنا معلومات من مصادرة موثقة عن حصول الجزائر مؤخرا معدات "لمواجهة الشغب" بقيمة تفوق مليونين من الدولارات الأمريكية!!! إن الذين يبيعون النظام الانقلابي في الجزائر بمثل هذه المعدات يتحملون مسؤولية ما قد يترتب عن استخدامها في حق أبناء الشعب العزل لا ذنب لهم سوى المطالبة بالحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة في المواطنة. يا ترى ما الذي يحاك في الكواليس ضد شعبنا: إن بلدنا في حاجة إلى من يطفئ نار الفتنة و يساهم في طي صفحة المواجهة و يخفف من معانات شعبنا لا إلى من يعين الطغاة على المزيد من القمع… الجزائر في حاجة إلى تنمية اقتصادية لا إلى المزيد من العسكرة… إننا في حركة الحرية و العدالة الاجتماعية نحذر من تزايد احتمال حدوث غليان شعبي واسع و فلتان عام لا يحمد عقباه، إن لم يتم استدراك الأمر والعدول عن سياسة الهروب إلى الأمام… كما على أبناء و بنات شعبنا من مختلف التيارات أخذ بعين الاعتبار واقع مجتمعاتنا في عصرنا هذا التي أضحت تتسم بالتنوع على مختلف الأصعدة الدينية و الثقافية و العرقية و السياسية. لا يمكننا تجاهل ظاهرة التنوع داخل مجتمعاتنا… و الجزائر ليست استثناء… التنوع أصبح واقعا يحتاج إلى ثقافة قبول الرأي المخالف و المنافسة النزيهة لخدمة الصالح العام، بدل ثقافة الاستئصال و إلغاء الآخر التي يتسم بها "أصحاب القرار"، ثقافة لغة الغاب التي كلفت الجزائر الكثير.

14 حقوق الإنسان في الجزائر موضوع شائك وعميق، وقد تعالت أصوات في الداخل تنذر بالخطر الذي يهددها، آخرها التعذيب الذي تعرض له مساجين في الحراش، فكيف ترون واقعها وواقع الحريات العامة في الجزائر؟

أنور هدام: إن الوضع مؤلم للغاية و محزن… و المؤسف هو الصمت الرهيب لبعض شركاء الجزائر مثل أمريكا و فرنسا وباقي دول البحر الأبيض المتوسط أمام هذا الوضع رغم التقارير شبه اليومية حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر و حالات التعذيب فيها… كما أن هناك ملف المفقودين… إن ملف حقوق الإنسان بكل جوانبه من أهم الملفات التي لا يمكن طي صفحة الماضي طيا عادلا دون معالجته… كما أن معالجته تفوق قدرات أي طرف فاعل في الساحة بمفرده فهو يتطلب إرادة سياسية وطنية. فملف حقوق الإنسان هو ضمن الملفات الأساسية التي نعمل من أجل تحقيق وفاق وطني حول ضرورة معالجته حتى نتمكن جماعيا كجزائريين دون إي إقصاء أو تهميش من طي صفحة الماضي المؤلم و فتح معا صفحة التآخي و التصالح و الحرية و العدالة الاجتماعية و الإصلاحات السياسية و التنمية الاقتصادية. إن وضع حقوق الإنسان مرتبط أساسا بالوضع السياسي في البلد. وعليه، فأي إصلاح لما آل إليه الوضع مآله الفشل إذا تم تجاهل ما آل إليه الوضع السياسي في البلد.

15 ظهرت أصوات تناقض الموقف الرسمي الجزائري في قضية الصحراء الغربية، وتتحدث عن الملايير التي تصرفها الجزائر على جبهة البوليساريو، ونحن نعرف كيف سمم هذا الموضوع ما يعرف بإتحاد المغرب العربي، فما هي رؤيتكم للموضوع؟

أنور هدام: نرى وجوب التطرق إلى المسألة من زاوية الجهود الرامية لبناء اتحاد مغاربي فعّال يحمي المصالح الإستراتيجية لكافة شعوب المنطقة بما فيها الأقليات. إننا في الحركة لا نضمر أية نية عدائية إزاء جيراننا المغاربة الأشقاء و لا إزاء دول البحر الأبيض المتوسط. كما نلفت الانتباه إلى كون أن في الحقيقة "أصحاب القرار" الجينرالات الإستئصاليين و من يدور في فلكهم هم في الواقع الذين يشكلون مصدر التوتر و العداء خاصة بين الشعبين الشقيقين الجزائري و المغربي. إن العمل من أجل استقرار المنطقة المغاريبية، و جعل منها فضاء اقتصادي متكامل، هو أحد المعالم الأساسية للسياسة الخارجية التي يدعو إليها فريق عمل حركة الحرية و العدالة في الجزائر. ففي عالم تسوده عولمة " الكبار " ، لا مكانة للدويلات… فلا يسعنا سوى العمل من أجل تكامل اقتصاديات بلداننا المغاربية و إقامة سوق اقتصادية مغاريبية منسجمة تمكننا من الدفاع عن المصالح الإستراتيجية لشعوبنا على غرار باقي التجمعات عبر العالم أمثال شمال أمريكا و أسيا و أوروبا. هكذا،على جميع شعوب المنطقة، بما فيها الأقليات، تجاوز الخلافات التاريخية التي في الحقيقة تجاوزها الزمن، زمن الحرب الباردة…، و الضغط سويا على حكومات المنطقة من أجل تحقيق اتحاد اقتصادي مغاربي، و دفعها نحو القيام بمفاوضات جادة و حوار أخوي من أجل إيجاد التوازن الضروري بين تحقيق حق جميع شعوب المنطقة في تقرير مصيرها و حقها في العيش الكريم و الحرية و العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية، و بين تحقيق المصالح الإستراتيجية من توفير الأمان و الحرية والأمن الغذائي و العسكري لجميع شعوب المنطقة . علينا جميعا الأخذ بعين الاعتبار أنه، في عالم الغاب الذي يحيط بنا حاليا، فإن القوة الفعالة تكمن في الاتحاد و حسن الجوار و التعايش السلمي و الاحترام المتبادل لمقومات شخصية كافة شعوب المنطقة و الأخوة و التعاون بل و التآزر والتكامل الاقتصادي… فنحن بصدد الإقبال على مبادرة للتقرب من القوى الأساسية في مختلف البلدان المغاربية، و كذا الإخوة من الساقية الحمراء واد الذهب، للتباحث معا حول حل لهذه المعضلة و طرحها على الحكام…

16 طالب المغرب بفتح الحدود البرية ورفضت الجزائر، فهل من الممكن أن تحدثنا عن هذا الإشكال وعن تداعياته في المنطقة المغاربية؟

أنور هدام: بالنسبة إلينا حُجج من يحلو لهم تسمية " أصحاب القرار" بالجزائر حُجج واهية هدفها المزيد من السيطرة على الشعب…وعلى أية حال، لم ينتظر سكان المنطقة الحدودية إذنهم للتنقل بين البلدين الشقيقين، فما نسميها نحن أهل المنطقة "طريق الوحدة" لا يمكن لأي كان صدها … لكن مع هذا هناك دوما مخاطر… لذا ينبغي فتح الحدود الرسمية… فنحن في الحقيقة شعب واحد… كما أن حرية تنقل شعوب المنطقة و أمتعتهم حق طبيعي و شرعي.

17 هل من كلمة أخيرة توجهونها للجزائريين في هذه المرحلة الحرجة على كل المستويات وبكل المقاييس؟

أنور هدام: و نحن في وقت يمر فيه بلدنا بظرف داخلي وخارجي حرج تعقدت فيه مشاكله، علينا جميعا أن ندرك أن حب الوطن يقتضي العمل على استعادة السيادة للشعب و تدعيم "دولة القانون" بدلا من تكريس "قانون أصحاب القرار" و قبضتهم على مفاصل الحكم. نحن ندعو مرة أخرى الجميع، إلى تكاتف الجهود للقيام بإصلاحات سياسية جذرية تمكننا، كما أشار إليه الأخ الأستاذ عبد الحميد مهري في رسالة له نُشرت في يناير / جانفي 2008 الماضي، من " بناء نظام حكم يمكن جميع الجزائريين من المساهمة الفعالة في إيجاد الحلول لهذه المشاكل". نحن في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية لدينا مقترح واضح حول الإصلاحات و قد تم نشره… إن جميع المخلصين لهذا الشعب الجزائري المسلم و جميع المنشغلين بمشاكله الحقيقية وبحماية أمنه القومي ومصالحه الإستراتيجية، جميعهم و من مختلف التيارات يشاركوننا في مطلبنا في الحركة بالإصلاحات والتعجيل بها. لكن بقيت إلى اليوم هذه المطالب مبعثرة و مشتتة. أملنا أن يستجيب الجميع لدعوتنا لتكاتف الجهود من أجل توفير المناخ المناسب، و لوسائل الإعلام دور رئيسي يمكنهم القيام به، لعقد المؤتمر الشامل الذي أشرت إليه أعلاه فبل انتهاء عهدة الرئيس الحالية، و تحقيق ذلك التوافق الوطني الضروري حتى نتمكن من الخوض فعليا في إصلاحات و تحقيقها على أرض الواقع. إن بلدنا الجزائر في حاجة إلى توحيد صفوف الإصلاحيين، و من مختلف التيارات، لترجيح التوازنات الحالية لصالح البلاد و حل مشاكل الشعب التي تزداد تفاقما… لابد من إيجاد إرادة سياسية وطنية لتحقيق ذلك: ينبغي أن يُدرك الجميع أولا أنه لا حق لأحد احتكار حب الوطن و الإخلاص له و العمل من أجل صالح البلاد والعباد. و الله الموفق و السلام عليكم.

حاوره من باريس: أنور مالك

واشنطن: الاثنين 14 ربيع الثاني 1429 / 21 أبريل / نيسان 2008

1 2 3 4

تعليقان

  1. غير معروف بتاريخ

    سؤال
    نشكر الموقع على هذا الحوار

    سؤال فقط للدكتور انور هدام

    بعدما اسست حركة باسمكم هل تخليتم عن مطالبكم المعروفة بصفتكم رئيس البعثة البرلمانية للخارج؟

    ياريت يجيبني قبل ان يدخل الجزائر ويصوم عن السياسة كما جرى مع رابح كبير.

    • غير معروف بتاريخ

      إلى الأخ ياسين
      أخي ياسين السلام عليكم

      أولا اشكركم على اهتمامكم و على سئالكم

      إنني بإذن الله و عونه على العهد باق و أرجو من الله لنا جميعا الثبات على الحق و العدل.

      و للتوضيح أخي الكريم لم تكن لناداخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ـ على الأقل بالنسبة إلى أخوكم العبد الفقير إلى ربه ـ لم تكن لنا مطالب فحسب بل بل مشروع متكامل نريد تحقيقه… نسئل الله التوفيق لمواصلة العمل على تحقيقه خدمة للصالح العام نريد بتلك الأعمال التقرب إلى الله.

      فكما جاء في جوابي على السئال 12:

      ” …إخوانكم في مدرسة البناء الحضاري الإسلامية في الجزائر، منذ عقود من الزمن و نحن نعمل من أجل تهيئة الظروف الضرورية للانتقال إلى مرحلة تالية عن مرحلة التعريف بالفكر الإسلامية والتعريف بالاقتصاد الإسلامية كمفاهيم، إلى مرحلة التطبيق والممارسة وتنفيذ الخطط التنموية المنبثقة عن قيم الإسلام و مقاصده وعن الرؤية الإسلامية التي تسع عدة اجتهادات متنوعة ومتكاملة في جوهرها. … كما أن التحاق بعض إطاراتنا بصفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اعتمدتها آنذاك مدرستنا كإطار للعمل السياسي العلني، في نفس الفترة، كان من أجل المساهمة في تحقيق ذلك. لكن الظروف العامة في الجزائر آنذاك لم تكن مواتية: فلا الزمرة المستولية على مفاصل الحكم كانت جاهزة للانتقال من مرحلة التغني بالأيديولوجية إلى مرحلة التنافس النزيه على الإنجاز والبناء، … فحولت منافسة سياسية سلمية إلى صراع عسكري دموي كلف البلاد الكثير. و لا بعض فصائل الحركة الإسلامية هي الأخرى كانت في مستوى التحديات، فسقطت فريسة تلك الدوائر و مناوراتها المختلفة … و لذلك نريد في حركة الحرية و العدالة التركيز أولا على السعي الجاد من أجل انعقاد مؤتمر وطني لجميع القوى و الفعاليات الوطنية، في أقرب الآجال و فوق أرض الوطن، للوصول إلى توافق وطني حول ضرورة طي صفحة المواجهة طيا عادلا و إيجاد ميثاق يضمن لجميع أبناء و بنات الشعب التساوي في المواطنة من حيث الحقوق و الواجبات و كذلك التوافق على الالتزام بمجموعة من المصالح الإستراتيجية لبلدنا و شعبنا و الحفاظ عليها مهما كانت الجهة التي تفوز بثقة الشعب في تولي مهام الدولة … أملنا تحقيق ذلك في أقرب الآجال فوحدة الشعب و سلامة أراضيه في خطر حقيقي تحقيق ذلك هي أولويتنا الإستراتيجية.”

      من أجل ذلك أخي الكريم نحن في الحركة نرى من الواجب علينا جميعا السعي لاستعادة حقنا في العودة إلى أرض الوطن بكل حقوقنا المدنية و السياسية لمواصلة الطريق … علينا العمل الجاد pour reoccuper le terrain

      ودعم إخواننا في الداخل الثابتون على الحق و العدل …

      و كما تعلم الثبات على الحق معناه العتراف بالأخطاء و الإقلاع عنها و مواصلة الطريق مهما كلف ذلك: “تعددة الأسباب و الموة واحد…” كما قال الشاعر

      في الختام، ندعو الله أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و ان يرينا الباطل باطلا و يلهمنا اجتنابه

      و السلام

      أخوكم أنور

Exit mobile version