الجزائر، الاثنين 6 جمادى الأولى 1437/ 15 فبراير 2016
 
بسم الله الرحمن الرحيم. شرعت اللجنة السياسية لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية في اجتماع دوري لها يوم الأمس الأحد في تحليل الوضع العام في الجزائر ودول الجوار.
 
إن الوضع العام في الجزائر يدل بكل وضوح أن البلاد تعيش أزمة هيكلية مزمنة، ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، هي في جوهرها أزمة النظام السياسي وطريقة اختيار السلطة السياسية وصنع القرار فيه. إن النظام غير قادر على إدراك حجم التحديات والمخاطر التي تهدد البلاد في وحدتها وتماسكها. فهو يـُمعن في الإنكار والهروب إلى الأمام نحو المجهول بإجراءات غير محسوبة العواقب هدفها مسايرة الأزمة بدلا من حلها.
 
وكما توقعت الحركة في تقرير لها حول الوضع الاقتصادي تم نشره يوم 15 يناير 2015، إن الاقتصاد الجزائري بسبب السياسات المتبعة في أزمة حقيقية من الواضح أنها تتسبب في تدهور الوضع الاجتماعي والأمني. خاصة وأن سعر البترول مهدد بالانخفاض أكثر بسبب دخول متغيرات جديدة وحرب باردة ذات طابع اقتصادي طويل المدى. للأسف فقدت الجزائر الكثير من فاعليتها الديبلوماسية وأصبحت من الدول المتضررة حتى داخل منظمة الأوبك نفسها، المتسببة في تدهور أسعار البترول.
 
هذا الوضع يؤكد تخوف الحركة آنذاك كونه قد يفضي إلى إفلاس الدولة على غرار ما حدث عشية انتفاضة أكتوبر 1988، إن لم يتم استدراك الأمر ونهج مقاربة جديدة ونمط فكري مغاير للذي تسبب في إنشاء هذه الوضعية.
 
وبدلا من اتخاذ إجراءات ضرورية آنية للحد من تأزم الأوضاع، كالتي تم اقتراحها من قِبل الحركة في تقريرها، أقدمت السلطة على القيام ببعض التعديلات المخالفة لروح الدستور الجامع لأبناء الوطن الواحد حينما فرقت بين الجزائريين في مواطنتهم حسب مكان سكناهم وحتى حرمان بعض أبناءها الوطنيين المخلصين من الترشح للرئاسيات. الأمر الذي يشير إلى إصرار السلطة على الاستمرار في مسار حرمان الشعب من حقه في تقرير مصيره فرديًا وجماعيًا، المسار الذي فُرض عليه منذ فجر الاستقلال.
 
فبالنسبة لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية، إنّ دستورًا ديمقراطيًا لا يكون إلاّ ناتجًا عن عملية انتقال ديمقراطي ومرتكزًا على توافق شعبي.
 
إن دستورًا شرعيًا لا يمكن أن يكون، كما هو الحال منذ أكثر من نصف قرن، مجرد آلية تتغير وفق موازين القوى المتتالية داخل السلطة. فما أقبلت عليه السلطة في التعديل الدستوري الأخير هو دسترة السياسات الخطيرة التي جعلت من الجزائر بلد مستورد هيكليا ورهينة المتعصبين لــ “الاستيراد والاستيراد فقط”.
 
إن مواصلة اعتماد اقتصاد البازار والفساد، ومحاولة تحميل الشعب تبعات سياسات فاشلة فُرضت عليه سوف يزيد الأزمة تعقيدًا. بدلًا من فرض التقشف المفرط على الشعب، ينبغي جعل حد للفساد وللنزيف الاقتصادي، وإعداد المناخ المناسب لاعتماد اقتصاد منتج.
 
من بين الإجراءات التي اقترحتها الحركة، إنشاء فورًا “مجلس وطني للتحوّل الاقتصادي” يضم خبراء جزائريين يُشهد لهم بنزاهتهم وخبرتهم، مع إعطاء المجلس الصلاحيات الكاملة لمتابعة الملف الاقتصادي للبلد بما فيه:

1- مراجعة القرارات المتعلقة بسياسات التقشف السلبي التي طرحتها الحكومة الحالية، وإلغاء التي تتعارض مع مصلحة الشعب، مع إبقاء تلك المتعلقة بالتقشف الإيجابي، وتعزيزها بمقترحات أخرى مثل الاقتصاد في الطاقة المستهلكة داخليا؛

2- جعل حد للفساد، والسعي للتخلص من اقتصاد الريع او البازار ومن الاستيراد الذي أثقل كاهل الميزانية من خلال تجميد تنفيذ كل الصفقات الأخيرة التي أبرمت مع شركاء الجزائر، خاصة في الخمس سنوات الأخيرة، لمراجعتها وإلغاء كل الصفقات التي تضر بالمنتجين الوطنيين أو بإمكانات إنتاجها محليًا؛

3- إيجاد بديل عملي وعلمي ومسؤول لمشروع “لونساج” يعيد لمفهوم العمل قيمته لدى الشباب، ويضمن استعادة تلك الأموال الباهظة؛

4- فتح المجال والتحفيز للإنتاج الوطني بدءًا بالمجال الزراعي والمنتوجات الغذائية، ومواد البناء، والصناعات التقليدية المحلية. وكذلك الطاقات البديلة، مع تعزيز دور سوناطراك إقليميًا؛

5- تشجيع الشراكة لإنشاء مصانع داخل الوطن تدعم التأسيس لاقتصاد منتج وتوفر مناصب شغل؛

6- تشجيع الجمعيات الخيرية للمتقاعدين في مجالات عدة للمساهمة في توجيه التطوّع ونقل الخبرات وتوطيد الشبكات الاجتماعية، والاستفادة أكثر من إطارات الدولة النزهاء الذين لهم تجربة كبيرة في مختلف الوزارات، بدلًا من اللجوء دومًا إلى مكاتب أجنبية مكلفة من أجل الحصول على مقترحات يمكن الحصول عليها محليًا؛

7- حان الوقت لإنشاء وزارة تتكلف بشؤون سبعة ملايين جزائري خارج الوطن وإدماجهم اقتصاديًا وعلميًا واجتماعيًا، كونهم يمثلّون ثروة غير مستفاد منها حتى الآن.

8- العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي المغاربي وتكثيف التبادل التجاري بين بلدانه: من العيب والعار أن السياسات المتبعة حاليًا والتي تسببت في الوضع الكارثي ظلت تشجع التبادل التجاري مع بعض الشركاء الغربيين ليس على قاعدة رابح رابح كما يزعمون بل على قاعدة الشريك الأجنبي هو الرابح، والجزائر هي الخاسرة كل ذلك على حساب التبادل التجاري المغاربي!
 
وتأكد الحركة مرة أخرى أن الجزائر في حاجة إلى تحوّل سياسي شامل حقيقي يمكّنها من تحوّل اقتصادي فعال.
 
لقد سجّل النظام الجزائري فشلًا ذريعًا في بناء الدولة المستقلة التي ينعم فيها المواطن بالحرية والتي تكون ذات اقتصاد متين، قادر على المنافسة داخل النظام العالمي. آن الأوان لتمكين للشعب من اختيار سلطة سياسية تنبثق منه وتعبّر عن تنوّعه وتمكّن جميع فئات الشعب من النمو والرقي.
 
تملك الجزائر إمكانيات تنموية واقتصادية ضخمة لتحقيق تحوّل اقتصادي يمكّنها من تجاوز الأزمة. لكن نجاح التحوّل الاقتصادي مرهون بإيجاد إرادة سياسية وطنية سلطة ومعارضة لجعل حد للفساد ولنزيف المقدرات الوطنية، ومن أجل إحداث التحوّل السياسي الحقيقي المفضي إلى تغيير النظام السياسي وطريقة صنع القرار فيه.
 
أنور نصر الدين هدام
نائب منتخب لدى البرلمان الجزائري (قائمة ج.إ.إ.، ديسمبر 1991)
رئيس حركة الحرية والعدالة الاجتماعية

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version