سجال الهدى والضلال بين الصليب والهلال، في أرض الشهداء والابطال.
محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا
تحت شعار “جزائر الانتصارات.. مكاسب وإنجازات”، انطلقت ظهيرة الثلاثاء بالجزائر العاصمة الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ61 لعيدي الاستقلال والشباب (5 يوليو 1962- 2023)، بتنظيم استعراض شعبي ضخم جاب الشوارع الرئيسية للجزائر العاصمة وفق ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية “واج”.
كما احتفى محرك البحث العالمي “غوغل” يوم الأربعاء، بالذكرى الـ 61 لاستقلال الجزائر بنشره صورة العلم الجزائري.
ويتيح غوغل لمستخدميه في الجزائر بهذه المناسبة، مشاركة الصورة ذاتها مع أصدقائهم عبر منصّتي تويتر وفيسبوك، أو من خلال البريد الإلكتروني.
الأستدمار الفرنسي ومحاولة الإبادة الثقافية الممَنْهَجَة ضد الكيان الحضاري الجزائري
لا يختلف اثنان حول طبيعة الاحتلال الفرنسي للجزائر ، أنه كان احتلالا عسكريا استيطانيا، وذي نظرة ثقافية عدائية قد تعود خلفيتها إلى الحروب الصليبية، فارتكب في سبيل ذلك العديد من الجرائم، كانت أشد وطأة وأبعد آثارا على أجيال من الجزائريين، وهي تلك التي تندرج ضمن محاولة الإبادة الثقافية الممَنْهَجَة ضد الكيان الحضاري الجزائري، مبررة ومقرة لمبدأ عنصري مقيت “الاستيطان إبادة”، وهو عنوان كتاب أحد المؤرخين الفرنسيين)[1]
وذلك من خلال محاربة الاسلام واللغة العربية وإضعاف شبكة العلاقات الاجتماعية وتحطيم المنظومة التواصلية للجزائريين وقتلهم ومحاولة طمس هويتهم الثقافية ومحو ذاكرتهم الجماعية… لتمكين استيطان الأوروبيين عموما والفرنسيين خصوصا وإخضاع “الأهالي” لهم. ولم يتوان المحتل في سبيل ذلك في الاعتداء على كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية -غير المتحكم فيها- بالهدم والحرق والنهب والسلب والشراء، وعلى القائمين عليها بالتهديد والسجن والنفي والاغتيال… وذلك، بالرغم من التعهد الرسمي لفرنسا في البند الخامس من معاهدة الاستسلام المشروط التي وقعتها مع الداي في 4 جويلية 1830، والذي نص على أن “تبقى ممارسة الديانة الاسلامية حرة، كما أنه لن يقع أ اعتداء على حرية السكان من جميع الطبقات ولا على دينهم وأمالكهم وتجارتهم وصناعتهم ونسائهم” ( Galibert (2012.
لما تنقض فرنسا عهودها من عشية لضحاها:
لقد عدَّ العلماء نقض العهود من الكبائر، مع المسلمين وغير المسلمين، بل الإنسانية جمعاء، و بالرغم من العهود تلو العهود، المكتوبة و المنشورة بين داي الجزائر وفرنسا، كتب الشيخ العلامة محود بوزوزو رحمه الله، (1918-2007)، عن تلك الحقبة العسيرة:” وبالرغم كذلك من تعهد الحاكم العام “بيليسيي” Pélissier بـــ” أن تقاليد الجزائريين ستحترم ولن يدخل عسكر واحد إلى المساجد، استمر هدم المساجد و الزوايا والقبب داخل العاصمة وفي محيطها، الذي عانى هو الاخر من الهدم و” العسكرة” أو العكس. ولقد شمل أيضا هذا الهدم والتخريب تدريجيا كافة المؤسسات الدينية والاجتماعية في مختلف أقاليم الوطن خاصة في قسنطينة التي كان فيها 837 مسجدا وزاوية ووهران التي كان فيها 148 مسجدا “.
تكميما للأفواه الباكيات على أطلال “الجزائر فرنسية”:
توضيحا لهذه الانتهاكات الصارخة وتكميما لأفواه الباكيات على أطلال “الجزائر فرنسية”، وذلك حتى في فجر استقال الجزائر، كتب مطولا شيخنا العلامة محمود بوزوزو رحمه الله، في مجلة المسلمون العدد الثاني، بتاريخ شهر سبتمبر 1963 الموافق لـشهر ربيع الاول 1383هـ ، ص44-56، تحت عنوان “من تجليات العدالة الإلهية في عودة الحق الى نصابه”، هذا التقديم ردا على زوبعة مقالات في الصحافة الفرنسية الشاكية والباكية في تلك الفترة التي سكت فيها رنين السلاح وبقي الصياح والنباح في الجرائد، حول موضوع تحويل كاتدرائية العاصمة الى مسجد في بداية الاستقلال، كان ذلك عام 1963.مستهلا مقاله بقوله :”جلَّت قدرة الله عن أن تضاهيها قوة العدد، والعدد عند الطغاة المستبدين! وتعالت حكمته عن أن تدانيها طاقة الذهن في التقديرات عند المخمنين، والعمليات عند الحاسبين، والإحصاءات عند الرياضيين! تتجلى عقابًا للظالم وإنصافًا للمظلوم، وإن جمعهما معنى مشترك في الظلم أحدهما بظلمه غيره، والآخر بظلمه نفسه ظلمًا جوزي عليه بتسلط غيره عليه. وفي الحالتين كلتاهما مجال لاستخلاص العبر، واستيحاء الفكر، من مقتضيات الظلم وعواقبه، ومعاني العدالة الإلهية ومراميها، والسرعة أو الإبطاء في تجليها…”
مستبشرا بقوله: “وما عسى أن يقوله العقل السليم عند هذا التجلي سوى الهتاف بالإجلال! وهل يجد لذلك تفسيرًا سوى الاستجابة إلى ضرورة تصحيح الأوضاع المنحرفة عن النواميس الصحيحة، استجابة عجز عنها البشر بحكم الهوى الغالب عليهم، الصارف لهم عن السلوك الخليق بهم، السالك بهم مسلكًا مخالفًا لمقتضى الحكمة من وجودهم، المبعد لهم عن استلهام الله الذي خلقهم ليعبدوه، الموحي لهم بأوضاع تغذي فيهم الاعتداد والغرور، اطمأنوا إليه اطمئنان الواثق بنفسه، المعتد بحنكته، المؤمن بمكره، الآمن على مصيره، مع العلم بما في ذلك من زيغ وضلال، وتعمد لما فيه مخالفة لسنن الله، كأنما يتحدون بمكرهم مكر الله، وينازعون بإرادتهم إرادة الله، ويغالبون في أمر لا غالب فيه إلا الله! وقد طمس الهوى على أعينهم فهم عمون عن أنهم لأنفسهم ظالمون! (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس/44].

ليترك المجال للبشر في الاختيار بين الهدى والضلال:
مسترسلا بقوله “إلا أنَّ أوضاع العالم في حاجة إلى التصحيح، ولكن حكمة الله قضت أن يترك المجال للبشر في الاختيار بين الهدى والضلال، بين استلهام الله واتباع الهوى، ولو شاء لجعلهم أمَّة واحدة، ولكن لا يزالون مختلفين، فهم ما بين موقن ومتشكك، ومؤمن وملحد، حتى إذا تجلت آياته في الآفاق وفي الأنفس، انقطعت الحُجة، وهل من حجة بعد البينة الساطعة، فلا يبقى على ضلال سوى المعاند الذي بلغ به الطيش إلى موقف المواجه للتيار الجارف يريد إيقافه أو تحويل وجهته من حيث لا حول له ولا قوة! وما عدا هذا فالقوم بين ناقم حاقد ستتولى الأيام علاجه، وحانق ناقد ستتولى الأحداث تسديده، ومستبشر جذلان باقتطاف ثمرة الإيمان، ومعتبر فكير يأخذ الدرس من تقلبات الزمان، فسبحان من ميز الأشياء بأضدادها، وجعل لتطورات الأحوال أسبابها، وهيأ الأنفس للاعتبار، ومهد لها في السبيل لقطف الثمار!”..
مستفسرا بقوله “وهل التاريخ البشري سوى مجموع هذه التجليات ومواقف الناس منها وآثارها في تحديد مصيرهم وتخطيط اتجاهاتهم! فأية أمَّة لم تقطف ثمار العبرة من تقلبات الزمان من جراء تصرفات الإنسان، فتنكر وجود الخير والشر، والهدى والضلال، والعدالة الإلهية؟ وأية أمَّة لم تبيِّن محل إيثارها من ذلك؟ فهذه قصص أمم الأرض قاطبة سواء ما كان منها من وحي الفطرة السليمة أو من ثمار العبرة ناطقة بذلك من أقدم العصور، ومع هذا فلا يزال تاريخ البشر في جميع مظاهره كتاريخ الفرد في أغلب أطواره، فيه عبث الطفولة، وطيش الشباب، واضطراب الكهولة، وشيء من حكمة الشيخوخة إلى جانب خرف الهرم وأرذل العمر، ولا ندري في أي طور من هذه الأطوار نحن الآن، فلسنا في طور الحكمة على كل حال، فالأوضاع العالمية في حاجة إلى التصحيح؛ لأن الضمير العالمي يعاني منها أزمة من أخطر الأزمات، علاماتها بادية للعيان في كل مكان! واستمرارها إعلان عن عجز الإنسان! فلا أمل سوى في عدالة الرحمن!”..
الكاثوليكيين هم الذين اغتصبوا المساجد وأحالوها كنائس ومعابد :
مستخلصا العبر بقوله:” ومن تجليات هذه العدالة عودة الحق إلى نصابه في العالم الإسلامي كله، حيث تخلص من سيطرة الطغيان الأجنبي، تخلصًا يكاد أن يعد من المعجزات، ويذكر بالوعد الموعود لوارثي النبوات، نخص بالذكر في هذا المقام، شعبًا تجلى في ذلك بما استلفت أنظار أمم الأرض قاطبة، ألا وهو الشعب الجزائري، الذي كاد أن يودي به الظلم والطغيان ويمحوه من الخريطة فجاء العدل الإلهي بالمعجزة التي لم تكن في الحسبان، مما أدهش المطمئنين إلى استقرار الوضع الفاسد لا سيما المعتدين على المخالفين لهم في الدين، الكاثوليكيين الذين كانوا اغتصبوا المساجد وأحالوها لهم كنائس ومعابد، فإذا بها تعود إلى الإسلام، ويرتفع فيها من جديد نداء الأذان، إلى عبادة الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد… وما كاد هذا الخبر يطرق الآذان حتى ثارت ثائرة الكاثوليكية، فإذا بالإذاعات والصحف تنشره بمختلف اللغات في إجماع على الاستياء، ما عدا قلة قليلة منها رأت أن لا جدوى في إظهار الاستياء، لمن يريد في أرض المسلمين البقاء، إذ لا مردّ لهذا القضاء، وإلا فليس أمام الكاثوليكيين سوى الرحيل أو الفناء. وهذا موقف جريدة «الشهادة المسيحية» الفرنسية، Témoignage Chrétien التي نقمت عليها هذا الموقف الجريدة السياسية اليمينية المتطرفة «ريفارول» الفرنسية، [2]
وبين هذين الموقفين استياء حائر، هو موقف من يشاهد عودة الحق إلى نصابه لكن على مضض من ذلك لأن ذلك الحق كان بيده ملكًا مغصوبًا من شعب كان مغلوبًا على أمره، وهذا موقف أغلب الصحف الفرنسية، يتجلى في المقال الذي اخترناه لنقدمه إلى القراء فيما يلي، وكان اختيارنا له لسببين وهما أنه جمع كل المواقف المذكورة، وأنه بقلم قس يتحدث عن عقيدة قلما يعبر عنها مراسلو الصحف الذين كتبوا في الموضوع. وإلى القراء المقال مذيلًا بتعليقنا عليه، والله يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون.
مترجما ومعربا عن الاصل بدقة مهنية، المقال المطول الوارد في الصحيفة السويسرية، بقلم القس ” أبي كريطول”، في عددها الصادر في الصفحات الاولى والتاسعة، في عدد يوم 23-01-1963[3]
جامع كتشاوة تاريخ النشأة والرسالة:
جامع كتشاوة ( كاتشي اواه ) الأصلي والحقيقي والذي شيد في عهد مصطفى كوسا باشا في 1612م ورمم بشكل كامل في عهد الداي حسان الخزناجي 1794م .
في سياق الحديث من حيث تاريخ المسجد هناك من يطرح فرضية انه شيد في الربع الأول من القرن الخامس عشر ميلادي وبحسب الفرضية نفسها أن مصطفى كوسا باشا أعاد تشيد المسجد على أنقاض المسجد القديم سنة 1612م، لكن الوثائق التي جاء ذكر المسجد فيها ( كمخطوطات الوقف مثلا ) تعود للربع الأول من القرن السابع عشر ميلادي وليس قبل هدا التاريخ .
وفيهم من يذكر أن المسجد ليس له آي علاقة بالمسجد الأصلي من حيث الهندسة وهو يسمى كتشاوة من باب الرمزية فقط وهو في الأصل كتدرالية شيدت على أنقاض المسجد الأصلي سنة 1846م بعدما قامت السلطة الفرنسية بهدم المسجد الأصلي سنة 1844م الذي حول إلى كنيسة ابتداء من 1832م
أما فيما يسمى “جاميع كاتشي اواه “: تعني المسجد الموجود في هضبة المعز ولا تعني مسجد المعز كما يحاول البعض التضليل جهلا في هده النقطة. أين الضرر هنا؟ كان لأهل مدينة الجزائر حينها ثقافة خاصة بهم في ما يخص الأسماء التي تطلق على المساجد. ولم تكن تلك الأسماء سبب في فتنة أو لغط.
وسبب التسمية بمسجد هضبة المعز كون القطعة التي شيد عليها المسجد كانت عبارة عن مكان تباع فيه المعز، بالجزائر العاصمة حاليا.
عندما تتحوّل كاتدرائية الى مسجد، بعد الاستقلال:
تحت هذا العنوان (عندما تتحول كاتدرائية الى مسجد) علق الشيخ محود بوزوز، عن المقال الذي نشره قس سويسري في جريدة سويسرية اعلاه (الصادرة بالفرنسية بسيون بكانتون فالي)، يقول الشيخ: ” نقلنا المقال برمته اطلاعًا للقراء على نظر بعض المسيحيين إلى الإسلام في الجزائر ونظريتهم في أهداف المسيحية في ظلال الاستعمار «المأسوف عليه» لديهم، وتصحيحًا لبعض الأغلاط وتنبيهًا إلى المغالطات التي يغالط بها بعضهم أنفسهم أو غيرهم. وسيلاحظ القراء أنّ صاحب المقال لم يذكر أي شيء عن عدوان المسيحيين على مقدسات المسلمين، إما جهلًا بالتاريخ وإما تجاهلًا. ولئن آلمه أن يعود المسجد إلى أصله بعد أن أحيل كاتدرائية ظلمًا وعدوانًا طيلة قرن وربع. أيؤلمه أن يعود الحق إلى نصابه؟ إذ لم يفعل المسلمون الجزائريون سوى استرجاع حق مغصوب. وكان الأولى بالقس أن يشعر بالخزي والندم على تجرؤ المسيحة على الإسلام في مثل هذا المقام. ولعله يعرف شيئًا كثيرً عن تاريخ هذا التجرء والاضطهاد للإسلام في عقر داره”.
مبينا بقوله:” وإذا ما كان قد نسي ذلك فنحن نذكره ببعض ذلك خشية الإطالة فنذكره بأن في مدينة وهران كاتدرائية (سان لوي) كانت مسجدًا أحاله الكاردينال أكزيمنيس الإسباني كنيسة، ثم أحيل معبدًا لليهود في القرن الثامن عشر، ثم أعاده الاستعمار الفرنسي إلى أيدي الكاثوليكيين؟… ونذكره بأن في نفس المدينة وهران كنيسة أخرى هي (سانت أندري) كانت مسجدًا استعمله الفرنسيون عند الاحتلال مخزنًا لملابس الجنود ثم جعلوه كنيسة… وإن في نفس المدينة ثكنة (سنانت ماري) كانت مسجد سيدي الصواري ونذكره أن في مدينة تلمسان لم يبق سوى ستة وعشرين مسجدًا بينما كان عددها واحدًا وستين عند الاحتلال الفرنسي وفيها أحيل جامع المشوار معبدًا مسيحيًا، كما أحيل جامع العين البيضاء الذي كان الأمير عبدالقادر يقوي فيه معنويات المسلمين في مدينة معسكر مخزنًا للقمح… وفي مدينة بجاية أحيل مسجد القصبة ثكنة كما أحيل مسجد سيدي الموهوب كنيسة تسمى سان جوزيف… وفي مدينة بونه (عنابة) أحيل مسجد سيدي مروان ثكنة… وفي الجزائر العاصمة لا يزال مسجد السيدة بأيدي الكاثوليكيين كنيسة تسمى (Notre Dame des Victoires)…
وفي مدينة القليعة لا يزال مسجد سيدي مبارك مستوصفًا صحيًا… والقائمة طويلة نقتصر منها على بعض ما علق بالذاكرة “، كان ذلك في عام 1963 !! منبها بقوله: ” يمكن الاطلاع على التفاصيل في مظانها، إذ ليس المراد هنا إعطاء بسطة في الموضوع إنما المراد التنبيه على قضية من أهم القضايا في العلاقات بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي تتجلى فيها المغالطة بأجلى مظهر في جميع صورها من ظلم وبهتان وتجنٍّ يشاهده من يلاحظ كيف أن العالم المسيحي يعتدي على العالم الإسلامي ويتشكى منه في نفس الوقت كأن الظالم هو المظلوم!..”
يتبع إن شاء الله

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version