محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا 

أحطنا علما يوم أمس بخبر وفاة شيخ المحامين والحقوقيين الجزائريين، والوزير الجزائري الأسبق الأستاذ المحامي علي يحي عبد النور، بعد معاناة مع المرض في السنوات الأخيرة، خاصة بعد وفاة زوجته الفرنسية المسلمة التي كانت تسهر على صحته وتخدمه بكل لطف وحنان ومهنية، كما كانت كثيرة الصدقة على الجيران، كما كان يخبرنا إبان العشرية السوداء المرحوم. 

 والمحامي علي يحي عبد النور مناضل حقوقي عتيد، منذ عقود بالقلم والكلمة اثناء الثورة وبعد الاستقلال، وكانت له جولات في الدفاع عن القضايا العادلة في مسيرته النضالية في المحافل الدولية وخاصة داخل الوطن. وقد كان من الشخصيات التي وقفت ضد الانقلاب على اختيار الشعب، بالرغم من أنه قبايلي علماني معتز بعلمانيته، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون من المنافحين الكبار عن حقوق الإنسان وحرياته، وأن يدافع عن المعارضة أمثال قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومناضليها عموما إبان العشرية السوداء، وأن يسعى مع شخصيات وطنية كبيرة كعبد الحميد مهري، وآيت أحمد، والشيخ السليماني (رحمهم الله جميعا)، وأحمد بن محمد، وأنور هدام وغيرهم، من أجل إنقاذ الجزائر من الفتنة العارمة التي اندلعت نيرانها بعد إلغاء المسار الديمقراطي سنة 1992.

و كانت له أيضا مواقف مشرفة من أجل الكرامة الإنسانية في عدد من العواصم في جميع أنحاء العالم، من أجل الدفاع على حقوق الإنسان الجزائري خصوصا، وقد التقيته في جنيف بسويسرا عاصمة حقوق الانسان في العديد من المرات، أخرها منذ سنوات فقط، وكان كلما يصل الى سويسرا، لا يحبذ الإقامة في الفنادق مطلقا، بل وجدنا له عائلة كريمة يقيم عندها، ويأكل الطبخ الجزائري بفخر واعتزاز، ويصلي معهم ككل رجل مؤمن أصيل. وأذكر أيضا لما اغتيل أخي الشيخ عبد القادر حشاني، بتاريخ في 22 نوفمبر 1999، اتصلت بالمحامي علي يحي عبد النور للتثبت من الخبر، فرد علي باكيا، أن المصاب جلل وأن الخبر صحيح وقد أكدته له، حينها إبنته الطبيبة التي كانت تعالج زوجة الشيخ حشاني، وتعرفها أحسن المعرفة.  

وهنا لا أبوح سرا، أن أقول أن علاقتي بالأستاذ المحامي  علي يحي كانت قبل تأسيس جل الأحزاب السياسية وقد تعرفت عليه وهو في قمة علمانيته مع منظري العلمانية الأمازيغ على شاكلة المنتمين يومها لحزب القوى الاشتراكية (الأف أف أس ) وكان ذلك تقريبا عام 1989 عند تأسيسنا لـ” الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان“، وكنت الوحيد بين المناضلين الطلبة الشباب، ذي التوجه الوطني الإسلامي، وهذا ما لا يعرفه كثير من الناس حينها، أي أن يكون شاب إسلامي من مؤسسي أول رابطة حقوق الانسان جزائرية، وأذكر أن التأسيس الرسمي كان في قاعة “سينما” بباب الوادي، بالعاصمة لا أذكر إسمها حاليا، طبعا بعد الافتتاح الرسمي من طرف المرحوم علي يحي عبد النور ومجموعة من مقربيه بدقائق، انقطعت عنا فجأة أنوار الكهرباء بفعل فاعل طبعا (قيل المخابرات)، ونحن لم ندخل بعد في دراسة صلب جدول الاعمال، وحينها وبسرعة البرق تسارع رجال التنظيم لإشعال الشموع، قصد إتمام الأشغال، وكأن المنظمين كانوا على علم مسبق، أنه محتمل جدا أن تطفأ الأنوار علينا ومحتمل جدا أن تداهمنا الشرطة حتى ولو نحن في بداية عهد الانفتاح السياسي المحتشم الذي بشر بها الرئيس بن جديد، بعد أحداث أكتوبر عام 1988.   

وقد حز في نفسي يومها، أن تكون أكبر يافطة مرصعة في المنصة لمنظمة تدعي الديمقراطية والدفاع عن ثوابت الأمة، مكتوبة بالفرنسية والامازيغية بالترتيب بخط كبير، أما العربية فقد أضيفت أسفل اليافطة وبخط صغير وردئ ؟؟ لا علينا. كتمت غيضي يومها، وقلت في نفسي نحن في بداية المشوار، والمهم هي الخطوات المقبلة، وفعلا بعد أشهر نظمت ندوة للتعريف بحقوق الانسان في جامعة الجزائر المركزية، و تحديدا في مدرج بن بعطوش عند المدخل الرئيسي للجامعة، وكان يومها من ضيوف شرف الندوة الأستاذ المحامي القدير علي يحي عبد النور، وحضرت الندوة كأي شاب مناضل في الرابطة، ولاحظت نفس يافطة التأسيس بالخط العربي الرديء، وأثناء بداية النقاش طلب أحد الأساتذة الحضور مستفسرا من السيد علي يحي عبد النور، بقوله” أستاذ، كيف تفسر كتابة اليافطة الاشهارية بالفرنسية والقبايلية بخط جميل أما العربية فقد أضيفت بخط ردئ ؟؟” فرد عليه الوزير المحامي علي يحي عبد النور، بكذبة خفيفة بقوله، هذه اليافطة لا علم لي بها أنا ضيف هنا، أسأل الطلبة ولجنة التنظيم هم من كتبها، ولم تكن له الشجاعة ليقول يومها، هذه يافطة قديمة من يوم تأسيس الرابطة، او شيء من هذا القبيل ؟؟ ومن ذاك اليوم وهذا التصرف المراوغ، إنسحبت من ” الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان“، وقاطعت جلساتها ولم أعد عضوا فيها.. ومع بداية العشرية السوداء غادرت الجزائر للخارج، ولم التقي من يومها بالمحامي علي يحي عبد النور إلا بعد 10 سنوات تقريبا يوم التقيننا في أروقة قصر الأمم في جنيف بسويسرا، ففرح بي الشيخ علي يحي عبد النور أني لازلت انشط في ميدان حقوق الانسان وأدافع مثله عن حالات الإخفاء القصري والتعذيب في جمعية سويسرية حقوقية، كما فرحت به أنا أيضا لما رأيته يصوم ويصلي، وفي إحدى جلسات الافطار في مثل هذا الشهر الفضيل ذكرت “حادثة اليافطة ” للأستاذ علي يحي فقال لي أنه يذكر جيدا تفاصيل تأسيس الرابطة، وعفى الله عما سلف.. ورحم الله أستاذنا الكريم المجاهد علي يحي عبد النور..  

وبهذه المناسبة الأليمة نقدم، نحن الجالية المسلمة في الخارج، بتعازينا الاخوية لكل أفراد عائلته الصغيرة، وعائلته الحقوقية الكبيرة وكل محبيه ومقدري دوره الوطني البارز، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان، داعين الله تعالى أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة. 

اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ، و “إنا لله وإنا إليه راجعون”. 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version