هناك من المواطنين من يرفض المشاركة في الحراك، وهذا حقهم، ولهم أن يمارسوا هذا الخيار ولا يحق لأحد أن ينازعهم فيه ولهم كامل السيادة والمسؤولية والاحترام، لكن، ما لا يمكني، أنا شخصيا، أن أتغاضى عنه، هو زعم من يقول، أنه كان مع الحراك، لكن، بعد أسابيع معدودة، عندما رأى “تغوّل” أوجه معروفة لدى الشعب الجزائري بسجلها المقيت ومشاركتها في جرائم العشرية وأفكارها الهدامة، سواء الانفصالية أو الاستئصالية، وسيطرتها على الحراك، وان هذه الوجوه تتشكل في معظمها من متطرفي الفرنكوبربريست، وأذناب فرنسا، هنا، أجد نفسي مضطرا، لأدحض هذا الزعم وأبين مغالطتاه. ما أدحضه ليس كون هذه الشخصيات متواجدة حقا، هذا أمر لا أنفيه بل أأكد أنهم موجودون ويحاولون تصدر الحراك، وتوظيفه لتنفيذ مشروعهم ومخططهم، خاصة وأنهم يجدون الآلة الإعلامية، سواء محليا والمعروفة بنزعتها الفرنكوبربريست، أو من وسائل الإعلام الفرنسية، التي تضخم حجمهم وتعمل على نفخ صوتهم وإظهار دورهم كأنهم الطرف المهيمن والمسير، لكن، ما ادحضه ألخصه في نقطتين:

أولا، هذه الوجوه موجودة فعلا، لكنها لا تقود الحراك كما يشاع من أطراف غير بريئة في زعمهم وتصويرهم الوضع على هذا النحو، وتنشر هذا الافتراء، إما لتبرير غيابها وإدارة ظهرها لهبة الشعب ومطالبه المشروعة، أو تريد من نشر هذا الزعم، تنفير الجماهير من الحراك، عبر إشاعة مزاعم سيطرة هذه الوجود الاستئصالية، الممقوتة من قبل الشعب.

ثانيا: أذكِر، من يدعي أن الحراك أصبح مرتعا للاستئصاليين والفرنكوبربرسيت، أن هذا الصنف من الحاقدين على الشعب، من أكثر أعداء الحرية ودولة القانون، وقد خاضوا حروبا بالنيابة، لحرمان الشعب من استعادة سيادته وكلمته وخياره، وكانوا على الدوام (مثلما يثبته سجلهم الممتد عبر عقود من الزمن) من أكبر معاول هدم دولة القانون والعدل، لسبب بسيط، لأنهم أول من يدرك، أن دولة القانون والعدل ستكشف حقيقتهم، وحجمهم، وتعيدهم إلى مربعهم اللائق بهم، دون نفخ أو تلميع، ولا أدل على ذلك، أنهم كانوا على الدوام في مراكز القيادة والمسؤولية في كل الحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد، لأن في كل هذه الحكومات لم يكن تواجدهم مبني لا على الشرعية ولا الكفاءة ولا التمثيل وإنما في على المحاصصة والتوظيف، من خلال التعيين من طرف أصحاب القرار، في دهاليز توفيق وغيره. يمكن لمن شاء، أن يراجع كم كان “نصيبهم” في انتخابات 26 ديسمبر 1991 (صفر مقعد) وكم أصبح في إطار المجلس الانتقالي بعد الانقلاب (CNT)، وكم وزارة تبوؤها في ظل النظم المستبدة التي لم يكن للشعب كلمة فيها ولا للقانون ولا للتمثيل الحقيقي للشعب.

الزعم بأنهم يقودون الحراك زعم كاذب، لأن أكبر مستفيد من نسف الحراك، خاصة بالنظر إلى طبيعة مطالبه، هم كافة أصناف الاستئصاليين الذين يقتاتون على موائد النظم المستبدة، القائمة على محاربة دولة القانون، وفي ضوء ذلك، على كل الوطنيين المخلصين، استدراك الفرصة والعمل يد في يد على إقامة دولة القانون، الكفيلة بفضح كل المزيفين، ووضع كل الهامشيين، من استئصاليين أو غيرهم، في الموقع الذي يليق بهم، ولتتحرر الجزائر من قبضتهم ومناوراتهم وجرائمهم.

3 تعليقات

  1. الأستاذ رشيد ، يحاول أن يرفع من همة القارئ ، و قليل من يقرأ .
    يريد الأستاذ أن يقرب إلى أفهامنا المشهد في حدوده النفسية و الاجتماعية ، كمن يتقدم المسير وسط حقل نالت منه الألغام كثيرا، و يتمنى أن نخرج سالمين ، و ينبهنا إلى حالة الإنسان الذي يتوهم ، أو يكون ضحية وهم ، كونه يخوض معركة ، و كلما تقدم به الزمن وجد المسافة بينه و بين هذا العدو أكبر مما كانت ،و كأنه لم يتقدم، أتدرون لماذا ؟ لأن المعركة ، أو المعارك التي استدرجنا إليها ، كانت وهمية ، أوهمونا بجدواها ، و جرونا لمستنقعها ، من دون أن نعلم أن السلطة الفعلية هي المستفيد من كل هذا الوهم المستشري بيننا ، فانتصر الوثن على الفكرة ، لأننا ببساطة لم نكن نحمل فكرة ، بل كنا رهائن في بيت الوثنية ، لم يختلف حالنا ، للأسف الشديد ، عن عباد الأوثان زمن الجاهلية الأولى ! كثيرة هي المعارك التي انتفع بسببها الصنم أو الوثن ، ألا وهو الاستبداد البغيض ، عناوينها كثيرة، كتلك التي روجوا لها كثيرا بين إسلامي و علماني ، و بين عربي و قبايلي ، و بين ميزابي و شعانبي ، و بين شرق و غرب ، … ، وأكثر من ذلك راحت السلطة الفعلية تتهم هذا بالإرهاب ، و الثاني بالعمالة للخارج ، و الثالث بالزواف ، و الرابع بالانفصالي !
    و وصل الأمر ببعض ضحايا المعارك الوهمية إلى ابتلاع الطعم حينما تقنعت سلطة الأمر الواقع وراء شعار النوفمبرية و الباديسية، و رموا الحراك الشعبي بكثير من الشبهات ، متمنين ذهاب روحه ، و كأن من الواجب أن يكون الحراك لونا حزبيا ، أو فكريا واحدا ، و لم يستوعبوا طبيعة الصحوة الاجتماعية التي رفعت شعار السلمية في وجه دوائر الاستبداد و الفساد ، أن هدفها هو استحقاق الشرعية الذي حرفت و شوهت مساره العصابة منذ الأيام الأولى للإستقلال، و الشاهد في ذلك أن أحد رموز العصابة رافق كل خيباتها، بدأها بانقلاب و عاد إليها بعد انقلاب ، و كلاهما كان انقلابا على الشرعية! و لم تتغير العصابة ، و إلا كيف يفسر المختصون في الفقه السياسي احتفاظ السلطة بوزير ، بشر الجزائريين منذ أشهر ، زاعما أن بوتفليقة بعثه الله رحمة بالجزائريين !
    أستاذنا رشيد ، يمكن للمرء أن يعذر الغلابى الذين ينهضون باكرا ، فيلتحقون بورشات عملهم ، و في آخر النهار يعودون إلى بيوتهم منهكين في سبيل تأمين قوت عوائلهم اليومي ، فلا يهتمون كثيرا لما تفعله العصابة ، لكن كيف يمكن تفسير انصراف من نعدهم نخبة ، لا يكترثون إلا قليلا ، مثلهم مثل أحزابنا التي فقدت ماء وجهها كثيرا و باتت جثثا هامدة ، لا تبعث على التفاؤل ! ؟

  2. شبهة اختراق الحراك
    لماذا لا يتحدث المهتمون بهذا السؤال حول موضوع الاختراق على مستوى الأحزاب و النقابات و مختلف الجمعيات التي ربطتها السلطة الفعلية بفلكها من خلال جهاز استعلاماتها الذي عبث بكل القيم ، و داس على كل القوانين ، و لم يتوقع هبة الشعب بهذا المستوى ! نعم ، مستوى الهبة الشعبية نقلة تاريخية عابرة لكل الحسابات و التوقعات ، لذلك اختلط على إعلام سلطة الأمر الواقع و كل من يقتات على موائدها ، فلم يصدقوا ما حدث في ٢٢ فبراير بالتحديد ، و أكثر من ذلك لم يستوعبوا طبيعة الزلزال الذي ضرب بيت النظام و إدارته المتعفنة .
    إنهم كمن يتصور أو يخيل له أن الحراك الشعبي حزب سياسي يبحث لنفسه عن مقاعد داخل بيت البرلمان ، أو مناصب وزارية يتكرم بها عليهم النظام ، يمكن أن يدجنوه و يركبوه، مثلما فعلوا مع أحزاب الائتلاف منذ انقلاب ١٩٩٢ . أبدا ، الحراك الشعبي ليس كذلك ، ولا يمكن بأي حال التأثير على مساره السلمي الحضاري بشخص من الأشخاص ، أو بحزب من الأحزاب . و هذا الذي تفطنت له حركة رشاد مبكرا ، و رفعت من مستوى الوعي ، فيما يشبه الوقود الحضاري الذي اقتضته طبيعة الصحوة الاجتماعية المتفردة ! إنني على يقين من أن اختبار سلطة الأمر الواقع التي لم تسقط كل أقنعتها، بواسطة بعض المؤشرات ، لدليل على سلامة المسار .
    الحراك الشعبي ، و الحمد لله ، يدرك أن معركته هي فقط معركة الشرعية ، و ليس سوى معركة الشرعية التي لم يدرك أبعادها و أهميتها و نتائجها ، من يدفعون بشبهة الاختراق في طريق الحراك . لذلك وجب الصبر على إخواننا ، لأنهم في أحسن الأحوال ضحايا خيبات دوائر الاستبداد و الفساد .
    الصدق ثم الصدق مع شعبنا ، بعيدا عن الحسابات الضيقة ، و الأغراض الفئوية أو الشخصية الفارغة .

  3. تيتانيك ، أو السفينة الضائعة .
    الإعلامي المتميز غاني مهدي ، فكر فقدر، ثم فكر فقدر، فوصل إلى فكرة مفادها أن العصابة يمكن أن يكون مصيرها مثل مصير ركاب تلك السفينة الضائعة ، على أساس الشعار الذي أقلق بعض المحللين و الأكاديميين الذين أشفقوا على أويحي و سلال أكثر من شفقتهم على عوائلهم ، ( ترحلوا قاع ) ! لكن سلطة الظل ركبت سفينة غير السفينة التي رست قريبا من سجن الحراش أملا في التحاق كل العصابة من أجل الإقلاع ، و توهم المتحمسون لانتخابات ١٢ ديسمبر التي كادت تنفرد بجائزة نوبل لوحدها ، أن العصابة انتهت ! ليطل عليهم ربراب ، واحد من نزلاء الفندق ، مبشرا بانتهاء عهد ، و بداية آخر ، و هو فحوى وعد عبد المجيد تبون باسترجاع الأموال ، ليس بواسطة سلطة القضاء ، الذي لا سلطة له و لكن عن طريق إزالة كل الممهلات من أمام كبار المستثمرين أمثال ربراب الذي كان ضحية ! و لربما يصبح حداد و أمثاله ، على طريقة شكيب خليل ، مجرد ضحايا للعصابة التي لم تستمع لعبد المجيد تبون في وقت مبكر ! أما السفينة الراسية بالقرب من السجن ، فلربما أعدوها لنقل سجناء ، ليسوا مثل سلال و أويحي ، إلى فنادق في الصحراء على أمل التخلص من لعنة الحراك ، و بالتالي سحب البساط من تحت أقدام ثوار ٢٢ فبراير ! ولن يكون أبناء سعيد بوتفليقة أو حداد أو ربراب أو أويحي أو سلال ، من نزلاء تلك الفنادق و لا من ركاب تلك السفينة الراسية منذ مدة ! و هذه هي الفكرة التي غابت عن بعض المنخدعين على باب سلطة الأمر الواقع ، و كثير منهم الذي سقط مغشيا عليه تحت تأثير ألحان نشيد الباديسية و النوفمبرية !
    أما و أن الشعب الثائر قد تمسك بمطلب الشرعية ، و استوعب مسار السلمية ، فإن السحر سينقلب على الساحر ، ولن يكون ركاب تيتانيك التي تصورها السيد غاني مهدي ، سوى أولئك السحرة الذين عاثوا في الأرض فسادا .
    و على هذا الأساس وجب الصبر من أجل توسيع دائرة الوعي على خط الحرية و الكرامة الإنسانية في سبيل استعادة استحقاق الشرعية و بناء دولة المواطنة و القانون لإسعاد كل الجزائريين و زيادة .
    تحية إلى كل الغيورين على عرض الجزائر و تاريخها .

Exit mobile version