رائحة نتنة تفوح في الأفق، وتنتشر عبر الوطن، ظاهرها إدانة عنصرية طرف، وحقيقتها إلهاب مشاعر المواطنين والدفع بهم في أتون حروب طاحنة، معروف المستفيد الأساسي والمزمن فيها، ولا يخفى على لبيب الهدف في إشعالها، وهي محاولة مستمرة، يسعى أصحابها إلى تحقيق من ورائها ما لم يتمكنوا تحقيقه طيلة 11 شهرا. حتى وإن كانت بعض الأطراف، أو جزء منها يعتقد (بصدق وإخلاص، ولا يحق لنا الشك في نواياه) انه يدافع عن قيم ومبادئ سامية، قد يفوته أنه يخدم من حيث لا يدري، مصالح الأطراف ذاتها التي تقف تارة إلى جانب هذا الطرف لمناصرته ظاهريا وتارة أخرى إلى جانب الطرف المقابل، في عملية إضعاف الجميع، لإشغالهم وصد أنظارهم عن المعارك المصيرية، التي تساعدهم على بناء دولة قوية، دولة القانون التي تحفظ للجميع حقوقه وتعاقب كل مخالف، بشكل متساوي دون انتقائية ولا محاباة.

لا يمكن، ولا يعقل أن يقبل المرء، من أي طرف كان، أن يدين عنصرية ما، وهو يمارس عنصرية لا تقل عنفا وإجراما من العنصرية التي يدينها، فهذه حرب قذرة لا خير يرجى من ورائها. وبقدر ما أعرب الشرفاء، من كل المشارب والتوجهات، منذ سنين عن رفضهم سياسة التضامن الانتقائي (الذي يتضامن مع نزار مثلا، ولا ينبس ببنت شفاه حول حجم الظلم المسلطة على الشيخ علي بن حاج، بل والمزيد من التحريض ضده، فقط بناء على تموْقع أيديولوجي نتن)، فهم يرفضون أيضا الإدانة الانتقائية، سواء تعلق الأمر بالتصريحات العنصرية أو الأيديولوجية أو اللغوية أو غيرها، لأن إدانة الجريمة يجب أن تكون إدانة مبدائية قانونية منصفة دون أي تمييز، بعيدا عن كل تصفية حسابات أو انتقائية مقيتة تقوم على معاير غير شفافة ولا شريفة.

مناسبة هذه الكلمة، ما تشهده الساحة هذه الأيام من إدانة موجهة حصريا للبرلمانية نعيمة صالحي، على تصريحاتها التي تفوح عنصرية. لا نكذب على أنفسنا ولا نغطي الشمس بالغربال كما يقال، فإن الحرب ضدها للأسف يشتم منها إدانة عنصرية معاكسة تقوم على أساس أيديولوجي نتن، لا تستهدف شخص البرلمانية فحسبن بل تستهدف فئة عريضة من المجتمع، وتناور من خلال التظاهر وكأنها تنتفض ضد شخص تصرف بعنصرية ضد فئة من الشعب.

بادئ ذب بدء، لكي لا يقع القارئ في خطأ التسرع ويعتقد أنني أحاول تبرئة البرلمانية، أعيد التذكير بموقف سبق أن عبرت عنه وقلت فيه أن ما صرحت به في مناسبات عديدة، موقف ممقوت ومرفوض ونتن نتانة الفتنة العنصرية، لكن، ما يلاحظه الجميع، أن الإدانة الحالية ضدها، موجهة فقط إلى ما صرحت به هي (أي إدانة في اتجاه واحد محدد ومعروف) بما ينم عن عنصرية أيديولوجية مقيتة وانتقائية، تتغاضى عن تصريحات عنصرية إجرامية لا تُعَد ولا تحصى من أطراف مقابلة، بل بدلا من أن تدان هذه الجهات، تحظى بتمجيد وفخر، ويتباهى أصحابها، باعتبارها مواقف حدثية وديمقراطية ومستنيرة، رغم كونها لا تختلف بل تفوق خطورة وإجرام وعنصرية البرلمانية.

وللتذكير فقط، أشير على سبيل المثال إلى عنصرية سعيد سعدي وفرحات مهني، دون أن نسمع للقوم إدانة على عنصريتهم وتحريضهم على فئة من الشعب، إلى جانب عنصرية أمثال كمال دوود الذي اتهم أمة بأكملها (العربية الإسلامية) بأنها مصابة بهوس جنسي، في مقالة كتبها حول الأحداث التي جرت في ألمانيا، تعرضت خلالها عدد من النساء للاعتداء الجنسي، فجوّه داوود تلقائيا ودون تمحيص (بل وبدافع كراهيته لهذه الفئة) هذه التهمة إلى المهاجرين العرب والمسلمين، وأصر على ذلك حتى بعد التحقيق الذي أجرته الأجهزة الألمانية المختصة وبرأت المتهمين العرب من تلك التهمة، وكذلك اتهامات محمد سيفاوي وسنصال ومعمر فراح وبن شيكو وفتاني وبلهوشات وغيرهم من رؤساء صحافة الألف هضبة الذين لم يكتفوا بتوجيه اتهامات ملفقة باطلة ضد الآلاف من المواطنين عقب انقلاب يناير 92 بل برروا قتلهم وحرضوا عليهم من على أعمدة صحفهم، دون أن ننسى مؤخرا الوزير فرحات أيت علي الذي وصف المشاركين في الحراك بالحشرات cafards أو أحمد شوشان (على الجانب الآخر) الذي وصفهم بالجواري والغلمان.

لكن أخطر ما في الأمر، أن حتى وإن كان المشاركون في هذه الحرب العنصرية المدمرة، أشخاص يشعرون حقا وصدقا بإهانة باتجاههم، ويسعون إلى الدفاع عن أنفسهم وأصولهم، إلا أن الطرف الفاعل المستفيد الذي يقف وراء تأجيج هذه الحروب يبقى دائما هو نفسه، أي الطرف الذي يمتهن إشعال نيران هذه الحروب وإشغال الناس في حروب طاحنة مدمرة، تأتي على الجميع ولا يهمه أصل أو فصل هذا الطرف أو ذاك، بل يتغذى بتطاحنهم، لإبعادهم عن جوهر المعركة، التي تضع حدا لهيمنته وتسخيره للجميع ليبقى جاثما على صدرهم منتفعا بحروبهم، مع إجهاض نضالهم من أجل دولة الحق والقانون التي تحمي الوطن وتضمن كرامة وسيادة الجميع.

تعليقان

  1. وجب على أحفاد عميروش و المقراني و آيت علجت ، و إخوة كريم بلقاسم و محمدي السعيد و الأستاذ محمد الهادي الحسني ،
    و في المقابل أحفاد مصطفى بن بولعيد و البشير الإبراهيمي و أحمد سحنون ، و إخوة شعباني و زيغود و الأستاذ أحمد بن محمد . أن يثبتوا للقريب قبل البعيد أن أمثال فرحات مهني ، و كمال داوود ، و عمارة بن يونس ، و خليدة تومي . لا يختلفون في شيء بالنسبة لدوائر الاستبداد و الفساد عن بلعياط، و بوقطاية، و عبد العزيز بلعيد، و نعيمة صالحي .
    إن ثورة الشعب السلمية على خط الحرية و الكرامة الإنسانية و الحكم الراشد ، كفيلة باسترجاع الشرعية الشعبية من أجل بناء دولة المواطنة و العدل و القانون . و هذا الذي باتت تخافه العصابة كثيرا، و يسكنها اليوم رهبة و رعب شديدين ، من أن يزيد زخم الحراك الوطني ، و تتجسد ملحمة : ” شعب + جيش = ذهاب العصابة .

  2. إذا كان بيتك من زجاج لا ترمي بيوت الآخرين بالحجارة
    فما بالك ببيت الحراك الوطني الجامع !
    نعم هو بيت جامع ، لم يميز بين جزائري و آخر على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللسان أو الجهة ، ولا حتى على أساس التوجه الفكري ! إنه يكيل بمكيال واحد .
    يمقت العنف و لا يأتيه ، يقابل الإساءة بالإحسان ، و الجحود بالعفو وبالإيثار ، و يحسن الظن إلى أبعد الحدود .
    و من دون ريب ، فقد بات حراك السلمية سدا منيعا أمام الأفكار الميتة و القاتلة ، و حصنا مانعا أمام كل الأطماع !
    نعم ، هو كذلك ، و أكثر ، و إلا كيف نفسر الهلع الذي بات يميز ساحة الانتهازيين الذين سقطت أقنعتهم ، خصوصا أيام الجمعة و الثلاثاء ، فلا يستطيع أي منهم ، و هو تحدي ، أن يشارك الشعب الثائر سلميته ، جنبا إلى جنب رفقة البنين و البنات ، و الآباء و الأمهات ، تجمعهم البهجة و يغمرهم الأمل ، رافعين صورا ليست ككل الصور ، تبدو و كأنها نابضة بالحياة ! ناهيك عن اللافتات المعبرة عن عمق التحول الفكري في مواجهة سطوة الوثن ، و العبارات المدوية من أجل تحطيم الصنم !
    نعم هو كذلك على خط الشهداء و العلماء ، شهداء أحياء ، و علماء أوفياء !

Exit mobile version