نتفق من البداية على أن مصدر هذه السياسة ( تمزيق الكيان الواحد ) هو الاستعمار الغاشم الذي وظف كل الأساليب الخبيثة، بما فيها إدارة الصراع فكريا، من أجل السيطرة على الجزائر. و يليه مباشرة، على إثر فشله الذريع و خيبته الكبيرة، الاستبداد الذي استلم مقاليد الأمور و تحوّل إلى حارس أمين للمصالح الاستعمارية لأكثر من نصف قرن! 

يجب أن نتفق أيضا أن المشهد الذي تعيشه الجزائر اليوم على مستوى حلبة الصراع، يشبه كثيرا مشهد الأيام الأولى بعد الاستقلال، يمكن أن نعبر عنه بمعضلة الانقلاب على الشرعية، أو سرقة ثمار الثورة ! وكان ذلك بواسطة الانقلاب الأبيض و ملء الفراغ وفرض سياسة الأمر الواقع . 

١ _ سياسة فرق تسد : 

تبدأ تحديدا من باب دغدغة العواطف وتوظيف عامل العرق والمعتقد  واللسان، وتزوير التاريخ، وتشغيل العناصر العميلة، هنا و هناك، من أجل التمييع و التعويم، إضافة إلى توظيف عامل الزمن، و الرهان على عامل التخويف والترهيب. يضربون القبائلي بالعربي، و الميزابي بالشعانبي،  و الإسلامي بالعلماني أو اللائكي،  والإخواني بالسلفي، و الوطني بالجهوي، وتقسيم المقسم، و تجزئة المجزأ، ونشر الفاحشة والمنكرات، والحشيش و المخدرات، وشراء الذمم داخل كل الساحات. 

و لعل الذاكرة ترجع بكم إلى أيام التسعينات، كيف واجهت سلطة الظل التيار الإسلامي، في شقه السياسي، بواسطة الأقليات الفكرية التي تعودت على الاصطياد في الماء العكر، من دون الحاجة إلى التشخيص،  و في سبيل ذلك استخدمت مختلف التوجهات، العامل المشترك بينها الطمع فيما عند السلطان، من منصب ومال حرام، المهم تلك العينة من الانتهازيين تنبطح بسرعة فائقة في أحضان سلطة الأمر الواقع دون استئذان ! 

و اليوم تتحول السلطة بزاوية ٣٦٠درجة من أجل استخدام شعار الباديسية والنوفمبرية، علما أن ذات السلطة هي من وقفت بالأمس القريب في طريق مشروع النوفمبرية الذي حمل لواءه السيد عبد الحميد مهري رحمه الله داخل بيت الأفلان طويلا، و مشروع المدرسة الوطنية الأصيلة الذي حمل لواءه الرجل الحر علي بن محمد، وزير التربية السابق، وهو أفلاني آخر من أصحاب المبادئ، لا من أصحاب الشكارة ! و لكم أن تقاربوا الباديسية و النوفمبرية من خلال مقابلة بين شاعرين، الراحل مفدي زكرياء، و شاعر المناسبات السلطانية جربوعة! كما يمكنكم مقاربة المشهد بين مواقف آيت أحمد الذي مات على موقفه بخصوص الشرعية الشعبية، وسعيد سعدي الذي سكت دهرا و نطق كفرا، ليس بالمعنى الديني، إنما خدمة لسلطة الأمر الواقع، و لكم أن تراجعوا عن قرب الصداقة والحيوية التي ربطت طويلا عمارة بن يونس ( الوزير ) بسعيد سعدي مدلل سلطة الظل ! 

٢_ معضلة الفراغ : 

الشعب لا يصنع الفراغ، ثورة ٢٢ فبراير لم تصنع فراغا، إنما فتحت نافذة على المستقبل، و أخرى على مرمى حجر من حلبة التاريخ. 

سلطة الظل هي صاحبة السبق في صناعة الفراغ، وهي من تعمل جاهدة على ملء الفراغ ! 

لجأت إلى عملية قيصرية بخصوص استقالة أو إقالة بوتفليقة، كمن يتخلص من حمل ثقيل، أو ركام في الطريق، وأحدثت لنفسها مرحلة انتقالية من أجل المحافظة على مواقعها في مواجهة ثورة الشعب، و كانت يومها تراهن على القمع واستغلال حماسة الشباب، لكنها فوجئت بالسلمية فبهت سحرتها،  مثلما حدث مع سحرة فرعون، ومن دون شك فإن السحرة هم الذين أطلقوا على فرعونهم وحاشيته لقب العصابة، وهم من ألقوا القبض على بعض رموزها أو واجهتها التي سقط قناعها وانكشفت عورتها،  وفقدت كل هامش للمناورة،  و كانت في حاجة إلى ما يشبه عملية النقاهة، لذلك اختارت لنفسها فندقا داخل إقامة الحراش أو سجن الحراش، من أجل أمنها أولا، ولتبييض ساحتها ثانيا، و لأجل خلط أوراق الشعب الثائر ثالثا، وبقصد صناعة الفراغ اللازم من أجل التحكم في مختلف المحطات الانتقالية، بداية بمسرحية انتخاب رئيس للجمهورية الذي وعد بفك شفرة نزلاء الحراش على أمل تبرئة ساحتهم تحت مسمى ضحايا العصابة ! 

و يمكن أن تتقدم سلطة الظل في سياسة ملأ الفراغ من خلال تمرير قانون انتخابات على المقاس من أطل تخطيط و تفصيل بيت برلماني و مجلس للأمة ، ثم المرور إلى محليات في الوقت الضائع من المقابلة الودية ، لأن السلطة سوف تتفادى الرسميات،  و تراهن على مسمى الاستقلالية ، سواء تعلق الأمر بتنظيم و مراقبة الانتخابات أو تسيير ملف الأحزاب من أجل معارضة شكلية للغاية . هذا هو هدف سلطة الظل من الآن فصاعدا ، و هذه هي سياستها . أما العمالة على خط السلطان ، فإن العامل المشترك فيما بينها ، مهما كانت ، كيفما كانت ، و أينما كانت ، هو الطمع في الفتات الزائل !  لن أعطي حلولا جاهزة أو معلبة ، و لا أدعي المقدرة أو امتلاك خاتم سحري .  سؤال الشرعية الشعبية ليس بالأمر الهين البسيط لأنه يتجاوز حدود العاطفة بسنوات ضوئية 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version