لست من الذين يشمتون بالأموات، وهذا يشمل حتى الذين نختلف معهم في كل شيء، الإنسان ميت وكلنا يفضي إلى ربه، وموت قائد الأركان قايد صالح ليس استثناء، مات الأنبياء والصالحون، ولم تنته معركة الحق والباطل، وكل له وعليه، ومهما قيل فيه، فلن يغير من حقيقته المحفوظة في سجله، كما لن يغير من حقيقة كل منا، عندما نمثل أمام الخالق المطلع على السرائر وما تخفي الصدور.

كان لفئة عريضة من المواطنين خلافا مع منظومة الحكم التي مثلها قايد صالح طيلة عشرة أشهر ونطق باسمها، ولم يكن الخلاف مع شخص قايد صالح ولا مع غيره، كما لم تكن مع شخص بوتفليقة في ذاته ولا مع توفيق حتى، بل مع منظومة ظالمة فاسدة مفسدة، والآن وقد أفضى إلى ربه، وسيمثل مثل كل عبد فان، أمام من لا يظلم عنده أحد، ليأخذ كل ما له وما عليه، فالأمر لم يعد بين أيدينا نحن البشر، فلسنا لا بالملائكة ولا بالشياطين، وكل ما نرجوه هو أن يحفنا سبحانه عز وجل بواسع رحمته عندما تقف أمام المالك الديان.

ما يجب أن ندركه أنه مع رحيل قايد صالح، لن تتوقف حركة الكون ولا الصراع من أجل إنقاذ البلاد، سيتواصل الكفاح من اجل الحق، لا من اجل (أو ضد) الأشخاص. الكفاح سيتواصل لأنه كفاح من اجل الحق والقيم والمبادئ، لا لننتصر للذات، أو نخاصم الغير، التدافع متواصل تواصل الكون وسير سنن الحياة.

فلا تغرنكم كل الدموع، بعضها بل الكثير منها لا يختلف عن دموع النائحات “الندابات” اللاتي تشترى في الجنائز، كما لا يجب أن نلغي ذاكرتنا وننسى أن الكثير من الدموع التي سالت من بعض الأعين عقب اغتيال بوضياف، وقتله شر قتلة، كانت تذرف من أعين الأشخاص، أنفسهم الذين أتوا به لتنفيذ مآربهم ووظفوه طيلة 6 أشهر، قبل أن يقضوا عليه، بتلك الطريقة البشعة، ثم استثمروا موته كما استثمروا حياته، وسالت دموعهم غزيرة ساخنة …منافقة.

وقفة مع الذات والضمير، كفيلة بأن تذكرنا بأن من كانت معركته مع/ضد، قايد صالح (أو غيره من الأموات) فكل يفضي إلى خالقه، وتنتهي معركته، أما من كانت معركته من أجل الحق والعدل، فالمعركة متواصلة، إلى أن يشاء الله.

تعليقان

  1. يا قوم اتقوا الله . لا يتعلق الأمر بشخص ، مهما كان ، كيفما كان ، و أينما كان ، أمام سؤال الموت ، ببساطة هذا السؤال لا يتوقف على مدى رغبتنا أو اختيارنا ، و إلا لتمسك المؤمنون بخاتم الأنبياء و المرسلين و برسالته بشخصه صلى الله عليه وسلم ، وانتهى كل شيء بوفاته ! المؤمن أمام سؤال الموت يسلم بأمر الله و بقدره . و لذلك وجب أن نلتزم حدودنا ، و لا نربط قضية الجزائريين المتصلة بمعركة الشرعية التي هي أم المعارك التي حال دون تحققها الاستبداد ، و عطلتها دوائر الفساد ، و و قفت في طريقها قوى الاستعمار ، بشخص من الأشخاص ، في الحكم كان ، أم في المعارضة . نسأل الله الرحمة لنا و لموتانا و موتى المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها . و على هذا الأساس وجب أن يقارب كل واحد منا سؤال استحقاق الشرعية بضميره و أن يأخذ العبرة بالموت المفاجئ الذي لن يخير أحدا ، أو يستثني فلان أو علان لماله أو جاهه أو منصبه . و لعل عامل المفاجأة ، كما ميز حراك ٢٢ فبراير ، و أجندة كثير من أيام الجزائريين المحفوظة في ذاكرتهم الجمعية ، مثل أول نوفمبر ، و ١١ ديسمبر ، فإنها ستكون عاملا إضافيا من أجل أخذ العبرة ، أنشكر، أن نركب أهواءنا. لا يجب الوقوع في دائرة ردود الأفعال . علينا أن نتحرر من أنانيتنا قدر الإمكان و نجتهد من أجل أن نكون أحرارا ، فيقف كل واحد منا حدا فاصلا بين نافية الأنا و نافية الأخر . يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان .
    الشعب في حاجة إلى إجراءات ملموسة تعيد أمله في سبيل تحقيق حرية كل الجزائريين و كرامتهم . و شكرا .

  2. قاطرة الثورة في طريقها ، لم تتوقف ، و حتى المحطات التي مرت بها كانت فقط من أجل التزود بالوقود اللازم ، و هو وقود الوعي و الحضور و المساهمة ، و لو بأضعف الإيمان ، بخلاف من تمنى ، أو هو اليوم، يتمنى ذهاب روح الهبة الشعبية ، أو نفاذ مخزونها من الوقود ، يعرفون من لحن القول – من النقيض إلى النقيض – و يحلفون بالله لكم ليرضوكم _ لكنهم يتمنون أن ترضى عنهم سلطة الأمر الواقع ، و ليس الذي يظهرون مثل الذي يبطنون ، و كان الأولى أن لا يحلفوا بالله ، لأن سؤال الجزائريات و الجزائريين هو واحد ، لا يتصل بذهاب فلان و مجيء آخر ، سؤال الشرعية ( أم المعارك ) لا نجيب عليه بالوعود و التمنيات أو تشغيل جرس الشعارات ، أو التلويح بالخطر الخارجي ، و تأليب طرف على طرف ، ناهيك عن الاصطياد في الماء العكر! لا يمكن لسياسة الاستغباء أن تنال من ذاكرتنا الجمعية ، يطلقون سراح السيد بورقعة من دون تبرئة ساحته ، و هو ما كان ينتظره الجزائريون بناء على محاكمة عادلة! و لما غابت العدالة ، فتحت سلطة الأمر الواقع من داخل بيت القضاء نافذة على المستقبل ، أرادوا تشويه تاريخ الرجل ، و حبسوه في حاضره سبعة أشهر ، و ربطوا حريته بشروط ، و هو مضمون القرار بمحاكمته في مارس المقبل . أي قضاء هذا الذي لا يتكلم ، و أي قضاء هذا الذي لا يسمع ! ؟ هل هذا هو الجواب الذي انتظره الشعب كل هذه المدة ؟ و هذا الذي تعب من أجله قائد الأركان الراحل رحمه الله ؟ و بمثل هذه المعاملة تتصرفون مع ذاكرة الشعب صاحب السيادة ! ؟
    كل المؤشرات إلى حد هذه الساعة ، تدل على أن سلطة الظل هي ذاتها ، و الديكور هو ذاته ، و حتى أبسط الشكليات لم تتغير .
    و بالرغم من كل المآسي بحق ذاكرتنا الجمعية ، و ضحايا الصراع الفكري ، فإن قاطرة الثورة لم تتوقف ، الحمد لله على كل حال .

Exit mobile version